الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"والتحقيق: أن مباحث الإمامة من الفقهيات، لكن لما شاع بين الناس اعتقادات فاسدة، وظهر من أهل البدع والأهواء تعصبات فيها، تكاد تفضي إلى رفض كثيرمن العقائد الإسلامية، ونقض بعض العقائد الدينية، والقدح في الخلفاء الراشدين، ألحقت تلك المباحث بالكلام، وجعلت من مقاصده".
فهذا، وما نقلناه في (ص 33)(1) من كلام السعد في "شرح المقاصد"، والسيد في "شرح المواقف"، يشهد لكم بأن علماء الإسلام يصرحون بأن الإمامة ليست من العقائد، وإنما أوردها بعضهم في علم الكلام؛ للوجه الذي قرره السعد، والسيد، والكمال. فما ينبغي للمؤلف أن يرمي أولئك العلماء بأنهم جعلوا مبحث الخلافة جزءاً من عقائد التوحيد، ويضع للبحث صورة مشوهة، كأنه يصوّت في واد لا ينبت إلا أغبياء أو جهالاً.
*
تعسف المؤلف وغلوُّه في إنكار فضل خلفاء الإسلام وملوكه:
قال المؤلف في (ص 102): "تلك جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين، أضلّوهم عن الهدى، وعمّوا عليهم وجوه الحق، وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين أيضاً استبدوا بهم، وأذلوهم، وحرّموا عليهم النظر في علوم السياسة، وباسم الدين خدعوهم، وضيقوا على عقولهم، فصاروا لا يرون لهم وراء ذلك الدين مرجعاً، حتى في مسائل الإدارة الصرفة، والسياسة الخالصة. وقد ضيقوا عليهم أيضاً في فهم الدين، وحجروا عليهم في دوائر عيّنوها لهم، ثم حرموا عليهم كل أبواب العلم التي تمس حظائر الخلافة".
(1) انظرالصحيفة: (رقم 57) من هذا الكتاب.
اندفع قلم المؤلف ينقر بشوكته في أساس الإسلام؛ ليجرده من جميع مميزاته، ويخرجه عن فطرته، حتى إذا أصبح ديناً ضئيلاً خاملاً، اندمج في الملة التي افتتن المؤلف بتقاليدها.
اخترع للخلفاء الراشدين تاريخاً غيرالتاريخ الذي يحكيه علماء التاريخ والآثار، وحشر في هذا التاريخ المخترع فلسفة المتهالك على أن يقطع صلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام، إلا أن تكون صلاة أو صياماً.
ذلك القلم الذي انتهك حرمة الشريعة، وساعده أدبه على أن يضع لتاريخ أولئك العظماء صورة مزورة، هو الذي يحثو على سمعك تلك الجمل التي يهجو بها خلفاء الإسلام وملوكه من غير استثناء.
نحن نعلم أن في بعض خلفاء الإسلام وملوكه استبداداً، وسيراً بالأمة إلى وراء. ولكن الذي عرف أن في الفضائل فضيلة يقال لها: الأمانة، وأن فيما يدرسه الأطفال علماً يقال له: التاريخ، لا يسمح لقلمه أن يلتقط من بين مآثرهم الفاخرة الخالدة سيئات يضيف إليها ما يقرؤه في لوح عواطفه وشهواته، ثم ينظم ذلك كله في خيط، ويقول للناس: خذوا سيرة خلفائكم وملوككم.
لم يحك التاريخ أن خلفاء الإسلام وملوكه حرّموا على الناس النظر في علوم السياسة، أو حرموا عليهم باباً من أبواب العلم التي تمس حظائر الخلافة، بل كان الناس يؤلفون الكتب في السياسة، فيتلقونها منهم بكل طمأنينة وارتياح، وترى كثيراً منهم كانوا يظهرون بمظهر الحكمة والرصانة، ويطلقون لدعاة الإصلاح حرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانوا يقرّعون أسماعهم بالإنكار على ما يصدر عنهم من تصرفات غير لائقة، فيحتملونها بروية وأناة، وربما قابلوها بالشكر والإقلاع.