الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكلام ابن خلدون على وجه خاص؛ لأنه ذكر اسم ملك، وقال؛ إن الملك مندرج في الخلافة.
قال المؤلف في (ص 52): "ولا شك في أن الحكومة النبوية كان فيها بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة، وآثار السلطنة. وأول ما يخطر بالبال مثالاً من أمثلة الشؤون الملكية التي ظهرت أيام النبي صلى الله عليه وسلم: مسألة الجهاد".
ليس المؤلف بالغبي لحد أن تظهر عنه هذه الكلمات دون أن ينتبه لما تنطوي عليه من مغامز، ولعله عدل عن التعبير الذي يألفه ذوق المسلم إلى هذا الأسلوب الغريب؛ ليكون في لحنه خطاب لقوم آخرين، حتى إذا خلا بعضهم إلى بعض، تناولوه بشرح تشمئز منه قلوب "الذين لا يعرفون الدين إلا صورة جامدة".
استكثر المؤلف على الحكومة النبوية أن يكون لها ولو بعض مظاهر الحكومة السياسية، ولم يسمح قلمه الهمّاز إلا أن يجعل لها بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية. وساق الجهاد مثلاً لهذا البعض الشبيه بمظاهر السياسة، واختار هذه الصيغة:"ظهرت أيام النبي صلى الله عليه وسلم مسألة الجهاد"، كأنه يتجنب الكلمة التي يشتم منها رائحة التشريع؛ محافظة على ذلك "المجال المشتبه الحائر"، وليبعد بذهن القارئ عن الاعتقاد بأن الجهاد تنزيل من حكيم حميد.
*
الجهاد النبوي:
قال المؤلف في (ص 52): "وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين، ولا لحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله، وإنما يكون
الجهاد لتثبيت السلطان، وتوسيع الملك".
قام النبي عليه الصلاة والسلام بمكة يجاهد في سبيل ربه بالحجّة والموعظة الحسنة، ولاقى هو وأصحابه من أذية المشركين ما لا يحتمله إلا ذو عزم نافذ كفلق الصبح، وكانت الآيات تنزل لتسليتهم، ومطاردة ما عساه يعلق بنفوسهم من جزع أو أسى.
وبعد أن امتحن الله قلويهم للتقوى، وتألّف حول مقام النبوة حزب لا يخنع للبأساء، ولا تستخفه السرّاء، طلعت بهم الهجرة الخالصة بين لابتي المدينة المنورة، وأصبحوا بين أقوام ينالونهم بالأذى، وآخرين يناصبونهم العداء، ومن هؤلاء من يتربص بهم الدائرة، ومنهم من يجمع أمره ليأخذهم على غرّة، ولكن الله سلَّم، إنه عليم بذات الصدور.
هذا البلاء الذي كان يسطو حول الجماعة المسلمة، أو يتحفز للوثوب عليها، كان حكمة تناسب الإذن للرسول عليه الصلاة والسلام بسلّ السيف في وجه عدوه الكاشح؛ ليدفع شره، ولتسير دعوة الحق في سبيل لا تعترضها عقبات المفسدين.
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
…
حتى يراقَ على جوانبه الدمُ
لذلك نزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، وقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} {البقرة: 190]، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} {البقرة: 216].
فنهض النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد في سبيل حماية الدعوة كل خائن كفّار، وكان