الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباسي، والمنصور بن أبي عامر؛ لاعتقاد ضررها، أو تقرباً من قلوب العامة، ولا تكاد تعلم أن أحداً منهم اضطهد علم السياسة، إلا ما كان من السلطان عبد الحميد الذي انتهى به الاستبداد والضغط على حرية الفكر إلى غاية لم يسبق لها نظير، ومن ذلك المتناهي تعلَّم عبدُ الرحمن الكواكبي كيف يؤلف كتابي:"طبائع الاستبداد"، و"جمعية أم القرى".
*
عدم تمييز المؤلف بين الإجماع على وجوب الإمامة، والإجماع على نصب خليفة بعينه:
قال المؤلف في (ص 31): "لو ثبت عندنا أن الأمة في كل عصر سكتت على بيعة الإمامة، فكان ذلك إجماعاً سكوتياً، بل لو ثبت أن الأمة بجملتها وتفصيلها قد اشتركت بالفعل في كل عصر في بيعة الإمامة، واعترفت بها، فكان ذلك إجماعاً صريحاً، ولو نقل إلينا ذلك، لأنكرنا أن يكون إجماعاً حقيقياً، ولرفضنا أن نستخلص منه حكماً شرعياً، وأن نتخذه حجة في الدين، وقد عرفت من قصة يزيد كيف كانت تؤخذ البيعة، ويغتصب الإقرار".
اندفع المؤلف يخوض في الإجماع على غير بينة منه، ويورد على الطعن في انعقاده في مسألة الإمامة قصة يزيد بن معاوية. علماء الإسلام في ناحية، وصاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" في ناحية أخرى.
يظهر جلياً أن المؤلف اشتبه عليه الإجماع على وجوب نصب إمام بالإجماع على مبايعة إمام بعينه، والذي يتحدث عنه أهل العلم إنما هو وجوب نصب الإمام، وهذا الوجوب لم يحدث فيه خلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، وأما مبايعة إمام خاص، فيكفي في
انعقادها اتفاق جماعة من أهل الحل والعقد؛ بحيث تكون كلمتهم العليا على من خالفهم.
قال إمام الحرمين في كتاب "غياث الأمم": "اتفق المنتمون إلى الإسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الإمامة". ثم قال: "الإجماع ليس شرطاً في عقد الإمامة بإجماع".
فاستدلال المؤلف على إبطال الإجماع في حكم الخلافة بعدم الإجماع على ولاية يزيد، منطق يترفع عنه أصحاب الأقيسة الشعرية، ولا يأتيه المولعون بالمغالطات إلا أن يصوغوه في أسلوب أبرع من أسلوب المؤلف وأخفى.
قال المؤلف في (ص 32): "وقد زعم الإنكليز: أن أهل الحل والعقد من أمة العراق انتخبوا فيصلاً ليكون ملكاً عليهم بالإجماع، اللهم إلا أن يكون قد خالف في ذلك نفر قليل لا يعتد بهم؛ كأولئك الذين دعاهم ابن خلدون من قبل: شواذ".
وما كان للمؤلف أن يتهجم على علم راسخ القواعد محكم المباني، فيخلطه بالمجون، ويضرب له أمثالاً لا تلتقي معه في نسق، وإن كان الحديث ذا شجون.
الإجماع الذي يستند إليه في تقرير الأحكام، هو اتفاق مجتهدي الأمة، بل المدار في انعقادها على جماعة من أهل الحل والعقد وإن لم يكن من بينهم مجتهد أصلاً.
فإيراد المؤلف قصة يزيد طعناً في الإجماع المستدل به على حكم الخلافة تخبطٌ في ليل دامس، والانتقال منها إلى قصة فيصل، وتمثيل من خالفوا في انتخابه بمن دعاهم ابن خلدون: شواذ، خيالٌ لا تقبله أذواق أهل العلم،