الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في "تاريخ التمدن الإسلامي "، وفي "تاريخ آداب اللغة العربية":"ويغلب على ظننا أنهم نسجوا في تبويبه -يعني: النحو- على منوال السريان؛ فإن السريان دونوا نحوهم، وألّفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس للميلاد".
ثم قال: "فالظاهر أن العرب لما خالطوا السريان في العراق، اطلعوا على آدابهم، وفي جملتها النحو، فأعجبهم، فلما اضطروا إلى تدوين نحوهم، نسجوا على منواله؛ لأن اللغتين شقيقتان، ويؤيد ذلك: أن العرب بدؤوا بوضع النحو وهم بالعراق، وبين السريان والكلدان، وأقسام الكلام في العربية هي نفس أقسامه في السريانية".
ثم قال: "وكأنه -يعني: أبا الأسود (1) - تعلم لغة السريان، أو اطلع على نحوها، فرغب في النسج على منواله".
فالمسألة لم تزل في حدود الافتراض، وليس لها من شبهة سوى أن واضعي علم النحو من العرب كانوا بالعراق بين السريان والكلدان، وأن أقسام الكلام في العربية هي أقسام الكلام في السريانية. ولكن كتاب "الإسلام وأصول الحكم، لا يبالي أن يسوق المشكوك فيه مساق المعلوم، أو يورد المعلوم في صورة المشكوك فيه.
*
الإسلام والفلسفة:
قال المؤلف في (ص 24): "بل رضوا بأن يمزجوا لهم علوم دينهم
(1) ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي (1 ق. هـ 69 هـ = 605 - 688 م) واضع علم النحو. سكن البصرة، وتوفي بها.
بما في فلسفة اليونان من خير وشر، وإيمان وكفر".
خفقت ريح الفلسفة في بعض البلاد الشرقية؛ كمصر، والهند، وجالت في أندية اليونان أمداً بعيداً، وما برحت تتلقى من أفواه الأساتذة، وتلتقط من صحائف المؤلفين، إلى أن طلع كوكب الهدي الإسلامي، وتدفقت أشعته على البصائر النقية، فلم تلبث الفلسفة أن التقت في أوائل عهد الدولة العباسية بذلك التعليم السماوي، والتحقت بالعلوم الخادمة له في تأييد قواعد السياسة ونظام الاجتماع.
لا يذهب إلى أن الإسلام يتجافى عن الفلسفة، سوى رجل التقم ثدي الفلسفة، وشبّ في أطواقها، ولم ينظر في حقائق هذا الدين ببصيرة وروية، أو مسلم لم يخض غمار المباحث الفلسفية، وحسب أن جملتها قضايا باطلة، ولا سيما حيث لا يترامى إليه من أبوابها سوى نبذة من الآراء المنكرة على البداهة.
في الفلسفة قضايا تثق بها العقول الراجحة، وتنهض بجانبها الأدلة القاطعة، وهذه لا تصادم شيئاً من نصوص الدين الواردة في كتاب أو سنّة ثابتة، والذي لا يلتقي مع هذه النصوص إنما هو بعض آراء لم تقم على مشاهدة أو نظر حكيم، وقد ضاعت في شعاب هذا النوع قلوب فئة استخفهم الغرور إلى أن يلقبوا بالفلاسفة، وتخيلوا أن هذا اللقب لا يحرزه إلا من آمن بكل ما يلفظ به الغربيون، فتطوح بهم التقليد الجامد إلى القدح في نصوص الشريعة، أو التعسف في تأويلها.
خرجت الفلسفة على علماء الإسلام، وقد اعتادت أنظارهم التقلب في مسالك الاجتهاد، وتمحيص ما يقع إليها من الآراء، فبسطوا إليها أيديهم،