المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٩/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(15)«نَقْضُ كِتَابِ الإسْلامِ وَأصُوْلِ الحكمِ»

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة للإمام محمّد الخضر حسين

- ‌الكتاب الأول

- ‌الباب الأول

- ‌ ملخص الباب:

- ‌ مناقشة المؤلف في جمل أوردها للدلالة على أن المسلمين يتغالون في احترام الخليفة:

- ‌ بحث في قولهم: طاعة الأئمة من طاعة الله:

- ‌ بحث في قولهم: النصح للأئمة لا يتم إيمان إلا به:

- ‌ بحث في قولهم: السلطان ظل الله في الأرض:

- ‌ مناقشة المؤلف في زعمه: أن ولاية الخليفة عند المسلمين كولاية الله ورسوله:

- ‌ من أين يستمد الخليفة سلطته

- ‌ مناقشة المؤلف فيما استشهد به من أقوال الشعراء:

- ‌ الفرق بين مذهب (هبز) وحق الخليفة في الإِسلام:

- ‌الباب الثانيحكم الخلافة

- ‌ الإجماع على نصب الإمام:

- ‌ التباس حاتم الأصم بحاتم الصوفي على المؤلف:

- ‌ الفرق بين القاعدة الشرعية والقياس المنطقي:

- ‌ ترجيح حمل "أولي الأمر" في الآية على الأمراء:

- ‌ هل نأخذ أحكام الدين عن المستر أرنولد

- ‌ معنى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [

- ‌ لماذا لم يحتج بعض علماء الكلام في مسألة الخلافة بالحديث

- ‌ لماذا وضع بحث الخلافة في علم الكلام

- ‌ بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):

- ‌الباب الثالثالخلافة من الوجهة الاجتماعية

- ‌ ملخص الباب:

- ‌ المناقشة - بحث في الاحتجاج بالإجماع:

- ‌ الإمام أحمد والإجماع:

- ‌ المسلمون والسياسة:

- ‌ كلمات سياسية لبعض عظماء الإسلام:

- ‌ النحو العربي ومناهج السريان:

- ‌ الإسلام والفلسفة:

- ‌ بحث في مبايعة الخلفاء الراشدين، وأنها كنت اختيارية:

- ‌ بحث في قوة الإرادة:

- ‌ بحث في الخلافة والملك والقوة والعصبية:

- ‌ نظام الملكية لا ينافي الحرية والعدل:

- ‌ إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم:

- ‌ عدم تمييز المؤلف بين الإجماع على وجوب الإمامة، والإجماع على نصب خليفة بعينه:

- ‌ وجه عدم الاعتداد برأي من خالفوا في وجوب الإمامة:

- ‌ القرآن والخلافة:

- ‌ السنة والخلافة:

- ‌ الإجماع والخلافة:

- ‌ شكل حكومة الخلافة:

- ‌ وجه الحاجة إلى الخلافة:

- ‌ آثارها الصالحة:

- ‌الكتاب الثانيالحكومة والإسلام

- ‌البَابُ الأَوَّلُنظام الحكم في عصر النبوة

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض - بحث القضاء في عهد النبوة:

- ‌ العرب والسياسة الشرعية:

- ‌ القضايا التي ترفع إلى الحكام نوعان:

- ‌ البحث في تولية معاذ، وعلي، وعمر رضي الله عنهم القضاء:

- ‌ القضاء في عهد النبوة موكول إلى الأمراء:

- ‌ نبذة من مبادئ القضاء في الإسلام وآدابه:

- ‌ المالية في عهد النبوة:

- ‌ لماذا لم يكن في عهد النبوة إدارة بوليس

- ‌ احتمال الأذى في سبيل الذود عن الحق:

- ‌البَابُ الثَّانيالرسالة والحكم

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ الملك

- ‌ الرسول عليه السلام ذو رياسة سياسية:

- ‌ بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):

- ‌ الجهاد النبوي:

- ‌ الجزية:

- ‌ المخالفون أنواع ثلاثة:

- ‌ سر الجهاد في الإسلام:

- ‌ خطأ المؤلف في الاستدلال بآيات على أن الجهاد خارج عن وظيفة الرسالة:

- ‌ من مقاصد الإسلام: أن تكون لأهله دولة:

- ‌ تفنيد قول المؤلف: الاعتقاد بأن الملك الذي شيده النبي عليه السلام لا علاقة له بالرسالة، ولا تأباه قواعد الإسلام:

- ‌ التنفيذ جزء من الرسالة:

- ‌ وجه قيام التشريع على أصول عامة:

- ‌ مكانة الصحابة في العلم والفهم:

- ‌ الشريعة محفوظة:

- ‌ معنى كون الدين سهلاً بسيطاً:

- ‌البابُ الثَّالثُرسالة لا حكم، ودين لا دولة (في زعم المؤلف)

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ المؤلف يُدخل في الإسلام ما يتبرأ منه التوحيد الخالص:

- ‌ الاعتقاد بحكمة الأمر لا يكفي للعمل به:

- ‌ خطأ المؤلف في الاستشهاد بآيات على أن وظيفة الرسول لا تتجاوز حدود البلاغ:

- ‌ خطأ المؤلف في حمل آيات على القصد الحقيقي:

- ‌ خطأ المؤلف في فهم حديثين:

- ‌ الشريعة فصلت بعض أحكام، ودلت على سائرها بأصول يراعي في تطبيقها حال الزمان والمكان:

- ‌ الاجتهاد في الشريعة وشرائطه:

- ‌ فتوى منظومة لأحد فقهاء الجزائر:

- ‌الكتاب الثالثالخلافة والحكومة في التاريخ

- ‌الباب الأولالوحدة الدينية والعربية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض - سياسة الشعوب وقضاؤها في العهد النبوي:

- ‌ درة عمر بن الخطاب وإدارة البوليس:

- ‌ التشريع الإسلامي والزراعة والتجارة والصنائع:

- ‌ التشريع الإسلامي والأصول السياسية والقوانين:

- ‌ أحكام الشريعة معللة بالمصالح الدنيوية والأخروية والمصلحة الدنيوية منها هي ما يبحث عنه أصحاب القوانين الوضعية:

- ‌ لماذا لم يسم النبي صلى الله عليه وسلم من يخلفه

- ‌ بحث لغوي في خلف واستخلف:

- ‌ تحقيق أنه عليه السلام جاء للمسلمين بشرع يرجعون إليه في الحكومة بعده:

- ‌الباب الثانيالدولة العربية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ حكومة أبي بكر وسائر الخلفاء الراشدين دينية:

- ‌ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس:

- ‌ أسباب سيادة الإسلام لعهد الخلفاء الراشدين:

- ‌ بيعة أبي بكر اختيارية إجماعية:

- ‌ كلمة في سيرة أبي بكر:

- ‌الباب الثالثالخلافة الإسلامية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ أبو بكر لا يخاع الناس بالألقاب الدينية:

- ‌ هل يقال: "خليفة الله

- ‌ الخليفة عند المسلمين غير معصوم:

- ‌ حكم المرتدين في الإسلام:

- ‌ حكم مانعي الزكاة:

- ‌ سبب حروب أهل الردة ومانعي الزكاة:

- ‌ واقعة قتل مالك بن نويرة:

- ‌ محاورة عمر وأبي بكر في قتال مانعي الزكاة:

- ‌ حكمة رأي أبي بكر في تلك الحروب:

- ‌ معنى طاعة الأئمة من طاعة الله:

- ‌ السلطان ظل الله في الأرض:

- ‌ وجه ذكر مسألة الخلافة في علم الكلام:

- ‌ تعسف المؤلف وغلوُّه في إنكار فضل خلفاء الإسلام وملوكه:

- ‌ معنى الرجوع إلى أصول الشريعة في الحكم والسياسة:

- ‌ الخلافة والقضاء من الخطط الدينية السياسية:

- ‌ لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها:

الفصل: ‌ إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم:

قال المؤلف في (ص 29): "وإذا كان في هذه الحياة الدنيا شيء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم، ويسهل عليه العدوان والبغي، فذلك هو مقام الخلافة، وقد رأيت أنه أشهى ما تتعلق به النفوس، وأهم ما تغار عليه. وإذا اجتمع الحب البالغ، والغيرة الشديدة، وأمدتهما القوة الغالبة، فلا شيء إلا العسف، ولا حكم إلا السيف".

الظلم والاستبداد ينشآن عن علتين:

أولاهما: أن يحمل الحاكم بين جنبيه أهواء غالبة، ونفساً غير زاكية.

وثانيتهما: جهل الأمة وتخاذلها؛ بحيث لا يتحد زعماؤها على تقويمه بالتي هي أحكم وأقطع لدابر الاستبداد.

وقد بنيت الخلافة بحق على ما يُتوقى به من هاتين العلتين الفاقرتين، فجاء في شروط الخليفة: أن يكون عالماً عادلاً، وجاء في واجبات الأمة: أن تشاركه في الرأي، وتقوم على مراقبته وحمله على طريق العدل بالوسائل الكافية.

فإن وقع من الخليفة استبداد أو عدوان، فالتبعة ملقاة على عنق الأمة، لا على مشروع الخلافة.

ولو كان مقام الخلافة يحمل بطبيعته على الاستبداد والبغي، لم ترفع العدالة رأسها، ولم تنشط الحرية من عقالها يوم جلس عليه الخلفاء الراشدون ومن حذا حذوهم؛ كعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

*‌

‌ إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم:

قال المؤلف في (ص 30): "ومن هنا نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم، واستبداد الملوك بمعاهد التعليم".

ص: 91

بخس المؤلف حظ المسلمين في السياسة، فكففنا شيئاً من غلوائه، وما راعنا منه الآن إلا أن يلصق بملوك الإسلام وصمة الضغط على حرية العلم، ويطلق العبارة بكل صراحة كأنه لا يشعر بأن في الدنيا شيئاً يقال له: التاريخ.

أيريد منا أن نطارحه الحديث في النهضة العلمية الإسلامية، فنقف به على مبدأ نشأتها، أو نمر به على سائر أطوارها، ونريه كيف كان الملوك والأمراء يسعدونها بالترجمة، وإنشاء المدارس، وتأسيس المكاتب، وإجلال العلماء، وإسباغ النعم على المؤلفين؟ إنا عن تفصيل الحديث في هذا السبيل لفي شغل، ولا طاقة لنا إلا بأن نلقي على الحكومات الإسلامية نظرة إجمالية، ونقول فيها كلمة يطلّ منها القارئ على الحقيقة؛ ليشهد على بينة بأن المؤلف يباهت المسلمين وملوكهم على مسمع من التاريخ، ومرأى من مآثرهم الباقية.

قامت دولة بني أمية، وكلانت هممهم مصروفة إلى فتح البلاد، وتوسيع نطاق الدولة الإسلامية، فلم تتوجه عنايتهم إلى الزيادة على ما بين أيديهم من علوم إسلامية أو عربية، سوى ما جاء في التاريخ من أن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه كان "يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها، وسائر ملوك الأمم وحروبها ومكايدها وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة (1). وأما ما قام به خالد ابن يزيد بن معاوية (2) من نفسه، فاستقدم راهباً رومياً من إسكندرية، وأخذ عنه صناعة الكيمياء، ثم أمر بنقلها إلى العربية، وكذلك عرّب (ماسرجويه)

(1)"مروج الذهب" للمسعودي (ج 2 ص 57) طبعة بولاق.

(2)

خالد بن يزيد بن معاوية بن أَبى سفيان (

- 90 هـ =

- 708 م) من الحكماء العلماء المشتغلين بالكيمياء والطب. وتوفي بدمشق.

ص: 92

أحد الأطباء المعاصرين لعبد الملك بن مروان كتاباً في الطب، وبقي في خزائن الكتب بالشام، ولما تولى عمر بن عبد العزيز، أخرجه منها، وأصبح متداولاً في أيدي الناس، وجاء في "الفهرست" لابن النديم:(1) أن أبا العلاء سالماً كاتب هشام بن عبد الملك (2) نقل من رسائل أرسطو إلى الاسكندر.

انقرضت دولة بني أمية في المشرق، ولم ينهضوا بما عند الأمم الأخرى من علوم حكمية وفلسفية؛ للعذر الذي أومأنا إليه، ولكنهم لم يضطهدوا عالماً لعلمه، ولم يقطعوا سبيل علم دون مبتغيه.

ثم خلفهم بنو العباس، وقد اتسع نطاق الممالك الإسلامية، واستحكمت عرى الدولة، فما استقرت مقاليد الخلافة بأيديهم حتى نهضوا بالعلوم على اختلاف فنونها، فعني المنصور بنقل علوم الهندسة والطب والنجوم، وتتابعُ الخلفاء على هذه الخطة المحمودة، والنهضة العبقرية للخليفة المأمون أشهرُ من أن يشار إليها بالبنان، وظلت هذه النهضة قائمة يشد أزرها الخليفة عقب الخليفة، حتى أصبحت علوم اليونان والفرس وغيرهما تدرس بلسان عربي مبين.

وهن عظمُ الخلافة العباسية، وهيض جناحها، فظهر حولها دول في الشام ومصر وفارس وخراسان وغيرها؛ كدولة بني بويه، وبني حمدان، وبني زيار، وبني سامان، والدولة الغزنوية، والسلجوقية، وملوك هذه الدول

(1) محمد بن إسحاق بن محمد (

- 438 هـ =

-1047 م) وهو بغدادي. وصاحب كتاب "الفهرست" من أقدم كتب التراجم.

(2)

هشام بن عبد الملك بن مروان (71 - 125 هـ = 690 - 742 م) من الملوك الأمويين في الشام. ولد في دمشق، وتوفي بالرصافة غرب الرقة.

ص: 93

القائمة على أطلال الخلافة العباسية "اقتدوا بخلفاء النهضة في ترغيب أهل العلم، واستقدامهم إلى عواصمهم في القاهرة وغزنة ودمشق ونيسابور وإصطخر وغيرها"(1).

ومن أشهر رجال هذه الدول، وأعظمها أثراً في إحياء العلم ورفع لوائه: منصور بن نوح الساماني (2)، ومحمود بن سُبكتكين الغزنوي (3)، وسيف الدولة بن حمدان، (4) وسابور بن أردشير (5) وزير بهاء الدولة بن بويه (6)، ونظام الملك (7) وزير السلطان السلجوقي، وقابوس بن وشكمير الزياري (8)،

(1)"تاريخ التمدن الإسلامي"(ج 3 ص 169).

(2)

ملك بخارى وما وراء النهر، وهو أول من أنشأ مكتبة عامة في الإسلام (

- 366 هـ =

- 977 م)، وتوفي في بخارى.

(3)

محمود بن سبكتكين الغزنوي (361 - 421 هـ = 971 - 1030 م) فاتح الهند، ولد في غزنة بين خراسان والهند، وتوفي بها.

(4)

علي بن عبد الله بن حمدان سيف الدولة (303 - 356 هـ = 915 - 967 م)، ولد في "ميافارقين" بديار بكر، وتولى إمارة دمشق وحلب، وتوفي في حلب.

(5)

أنشأ مكتبة عامة ببغداد سنة 383 هـ، وإليها أشار أَبو العلاء المعري بقوله:

وغنت لنا في دار سابور قينة

من الورق مطراب الأصائل مهباب

(6)

بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه (360 - 403 هـ = 971 - 1012 م) من ملوك الدولة البويهية، وتوفي بأرجان.

(7)

الحسن بن علي بن إسحاق. نظام الملك (408 - 485 هـ = 1018 - 1092 م) وزير حازم، أصله من نواحي طوس، ودفن في أصبهان، وهو مؤسس المدرسة النظامية، ومكتبتها العامة ببغداد.

(8)

قابوس بن وشكمير بن زياد (

- 403 هـ =

- 1012 م) أمير جرجان =

ص: 94

ويعقوب بن كلس (1) وزير العزيز بالله (2) ثاني ملوك الدولة الفاطمية، والصاحب ابن عباد (3) وزير مؤيد الدولة بن بويه، إلى غير هؤلاء من ملوك ووزاء عرفوا قيمة العلم، وخلوا سبيل الأفكار تتمتع بملاذه، وتنفق من طيباته كيف تشاء.

وإذا سرحنا الطرف في دولة الأندلس والمغرب، رأينا كثيراً من ملوكها شادوا صروح العلم، وأوسعوا ميدان المنافسة في فنونه؛ مثل: الحكم المستنصر بالله (4) الخليفة بقرطبة، ويوسف بن عبد المؤمن (5) سلطان مراكش، وغيرهما من ملوك الطوائف، وبعض ملوك الدولة الحفصية، والدولة الحسينية في تونس.

ولعل المؤلف قرأ في بعض الكتب: أن من طبائع الاستبداد الضغط على العلم، فضم إلى هذه النظرية ما يعتقده من أن خلفاء الإسلام وملوكه

= وبلاد الجبل وطبرستان. ودفن بظاهر جرجان.

(1)

يعقوب بن يوسف بن كلس (318 - 380 هـ = 935 - 990 م) وزير كاتب، ولد ببغداد، وتوفي بالقاهرة.

(2)

نزار بن معد الفاطمي (344 - 386 هـ = 955 - 999 م) صاحب مصر والمغرب. ولد في المهدية، وتوفي في بلبيس.

(3)

إسماعيل بن عباد بن عباس (326 - 385 هـ = 938 - 995 م)، وزير، أديب. ولد في "الطالقان" من أعمال قزوين، ودفن في أصبهان.

(4)

الحكم بن عبد الرحمن الناصر (302 - 366 هـ = 914 - 976 م) خليفة أموي أندلسي، ولد بقرطبة، وتوفي بها.

(5)

يوسف بن عبد المؤمن بن علي (533 - 580 هـ = 1138 - 1184 م) من ملوك دولة الموحدين بمراكش. ولد في "تينملل"، ودفن بها. مات قرب الجزيرة الخضراء.

ص: 95

مستبدون، فانتظم له قياس منطقي من الشكل الأول، وهو: ملوك الإسلام مستبدون، وكل مستبد يضغط على العلم، فالنتيجة: ملوك الإسلام يضغطون على العلم.

ولكن ماذا ينفع هذا القياس، والتاريخ الصحيح يشهد بأن خلفاء الإسلام وملوكه رفعوا لواءَ العلم، ومنهم انبعثت أشعته إلى الشرق والغرب، قال (رويودان) الإنجليزي في كتاب "تاريخ الموسيقا":"بعد فتح بلاد الفرس، أصبحت ينابيع العرفان تنهمر إلى العرب على طريق دمشق وحلب وإسكندرية، وتجري على سواحل أفريقية الشمالية إلى بلاد إسبانيا، حتى انتهت إلى قرطبة التي أنشاها الأمويون، فأصبحت مركز العلوم والمعارف إلى أنحاء أوروبا".

وقال: "إن العرب في القرون الوسطى كانوا حملة العلم والعرفان إلى بقية أنحاء العالم، وبينما كانت أوروبا غارقة في أشد دياجير الجهل ظلاماً، كان الخلفاء في بغداد عاصمة ملكهم، وقد بلغوا أعلى شأوٍ في المدنية والعرفان؛ لأنهم كانوا ملوكاً لممالك عظيمة، تمتد من نهر الغنج شرقاً، إلى المحيط الأطلنتيكي غرباً؛ حيث توجد طنجة".

وقال: "وبفضل سهرهم -يعني: خلفاء قرطبة- على العلوم، أصبح أطباء العرب وفلاسفة قرطبة حملة راية العلم في العالم".

وإذا حكى التاريخ أن المتوكل العباسي (1) في الشرق، والمنصور بن أبي عامر في الغرب اضطهدا الفلسفة، فذلك شيء لا يذكر إزاء النهضة التي

(1) جعفر بن محمد بن هارون الرشيد (206 - 247 هـ = 821 - 861 م) من الخلفاء العباسيين، ولد ببغداد، وتوفي بسامراء.

ص: 96

قام بها غيرهم من ملوك وأمراء، يخرجنا عدّهم وعدّ مآثرهم العلمية إلى إسهاب لا يسعه المقام.

قال المؤلف في (ص 30): "ذلك تأويل ما يلاحظ من قصور النهضة الإسلامية في فروع السياسة، وخلو حركة المسلمين العلمية من مباحثها".

قد أريناك أن ملوك الإسلام كانوا يساعدون على توسيع دائرة المعارف، ويقبلون ما تنتجه العقول السليمة باحتفاء وترحاب، وقد كانت الكتب السياسية تؤلف بمرأى منهم ومسمع، وكثير منها يؤلف من أجل صاحب الدولة، أو وزيره؛ مثل كتاب:"سياسة المالك في تدبير الممالك" ألّفه ابن الربيع للمعتصم (1) العباسي، وكتاب:"نهج السلوك في سياسة الملوك" ألّفه الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله (2) لصلاح الدين الأيوبي (3)، وكتاب:"لطائف الأفكار وكاشف الأسرار" في علم السياسة، ألّفه القاضي حسين السمرقندي للوزير إبراهيم باشا، وبعض هذه الكتب يقدمه مؤلفه بنفسه إلى الملك؛ كما قدم ابن خلدون نسخة من "مقدمة تاريخه" إلى صاحب تونس أبي العباس الحفصي (4)،

(1) محمد بن هارون الرشيد (179 - 227 هـ = 795 - 841 م) من كبار الخلفاء العباسيين. توفي بسامراء.

(2)

عبد الرحمن بن عبد الله بن نصر (

- 590 هـ =

- 1194 م) من أهالي مصر، ومن كتاب العصر الأيوبي.

(3)

يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر (532 - 589 هـ = 1137 - 1193 م) من كبار ملوك الإسلام، ولد بتكريت، وتوفي بدمشق.

(4)

أحمد بن محمد بن أبي بكر (

- 796 هـ =

- 1394 م) من الملوك الحفصيين بتونس، وتوفي بها.

ص: 97

ثم إلى السلطان برقوق (1) صاحب مصر. بل كان من رجال الدولة من يؤلف في السياسة؛ كما ألف القاسم أَبو دلف أحد قواد المأمون ثم المعتصم كتاب: "سياسة الملوك"(2)، وألّف عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ولي الشرطة ببغداد "رسالة في السياسة الملكية"(3).

قال المؤلف في (ص 31): "لو وضعنا هذا الكتاب كله في بيان الضغط الملوكي الإسلامي على كل علم سياسي، وكل حركة سياسية، أو نزعة سياسية، لضاق هذا الكتاب وأضعافه عن استيعاب القول في ذلك، ثم لعجزنا عن بيانه على وجه كامل".

اقتحم المؤلف في هذه العبارة شططاً لا يقع فيه خبير بالتاريخ، عارف بقيمة الأمانة في العلم. طالعْ -أيها القارئ- كتب التاريخ كتاباً كتاباً، وقلّبها إن شئت صحيفة صحيفة، فلا أحسبك تعثر على مثال يشهد بأن ملكاً من ملوك الإسلام غضب لكتاب ألّف في السياسة، أو كره للناس أن يترجموا كتباً في السياسة، أو عنّف شخصاً ألّف في السياسة، أو أصدر إنذاراً على التأليف في السياسة.

ضغط بعض ملوك الإسلام على الفلسفة؛ كما قصصناه عن المتوكل

(1) برقوق بن أنص أو أنس العثماني (738 - 801 هـ = 1338 - 1398 م) الملك الظاهر، أول من ملك مصر من الشراكسة، وتوفي بالقاهرة.

(2)

القاسم بن عيسى أَبو دُلف العجلي (

- 226 هـ =

- 840 م) أمير الكرخ، وكان من قادة جيش المأمون، وتوفي ببغداد.

(3)

عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين (223 - 300 هـ = 838 - 913 م) أمير شاعر وأديب، ولد وتوفي ببغداد.

ص: 98