الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي هو أصلح وأبقى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنّة"(1): "وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه، سأله عنه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يعلم خلفاءه ما جهلوا، ويقوّمهم إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا".
نشأت تلك العقول في أحضان الشرع الإسلامي، وارتضعت أفاويق الحكمة من ثدي النبوة، فكان لها شأن لا يعرف عظمته إلا ذو عقل رشيد.
كان الأمراء والقضاة لعهد النبوة من هذا الفريق السليم الفطرة، الواسع النظر، القائم على أصول الشريعة، المستضيء بنور التقوى. ومتى تحققت هذه المزايا في حاكم، باتت الحقائق في أمن، وجرت الأمور على نظام، وما زاد على ذلك، فإما أن يكون ضرورياً ونافعاً في حال دون حال، وإما أن يكون من قبيل "ما لا يدعو إليه طبع سليم، ولا ترضاه فطرة صحيحة".
*
الشريعة محفوظة:
قال المصنف في (ص 58): "قد يقول قائل يريد أن يؤيد ذلك المذهب بنوع من التأييد على طريقة أخرى: إنه لا شيء يمنعنا من أن نعتقد أن نظام الدولة زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان متيناً محكماً، وكان مشتملاً على جميع أوجه الكمال التي تلزم لدولة يدبرها رسول من الله يؤيده الوحي، وتؤازره ملائكة الله، غير أننا لم نصل إلى علم التفاصيل الحقيقية، ودقائق ما كانت عليه الحكومة النبوية من نظام بالغ، وإحكام سابغ؛ لأن الرواة قد تركوا نقل ذلك إلينا، أو نقلوه، ولكن غاب علمه عنا، أو لسبب آخر".
(1)(ج 4 ص 93).
هذا الجواب باطل؛ فإن الشريعة كاملة بكلياتها وجزئياتها، ولا يصح أن يضيع شيء من حقائقها: قرآناً أو سنة.
قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات"(1): "إن هذه الشريعة معصومة، كما أن صاحبها صلى الله عليه وسلم معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة، ويتبين ذلك بوجهين:
أحدهما: الأدلة على ذلك تصريحاً وتلويحاً؛ كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقولى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] فأخبر أنه يحفظ آياته، ويحكمها حتى لا يخالطها غيرها، ولا يداخلها التغيير ولا التبديل، والسنّة وإن لم تذكر، فإنها مبينة له، ودائرة حوله، فهي منه، وإليه ترجع في معانيها
…
والثاني: الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وذلك أن الله عز وجل وفَّر دواعي الأمة للذبِّ عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفضيل، أما القرآن الكريم، فقد قيض الله له حفظة؛ بحيث لو زيد فيه حرف واحد، لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلاً عن القراء الأكابر
…
ثم قيض الحق سبحانه وتعالى رجالاً يبحثون عن الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أهل الثقة والعدالة من النقلة، حتى ميزوا بين الصحيح والسقيم، وتعرفوا التواريخ، وصحة الدعاوى في الأخذ لفلان عن فلان، حتى استقر الثابت المعمول به من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جعل الله العظيمُ لبيان السنّة عن البدعة ناساً من عبيده، بحثوا عن أغراض
(1)(ج 2 ص 34).