الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه بيان ممتع مقنع".
بحثنا عن هذا الكتاب في كثير من المكاتب لنطلع على ما انفرد به العلامة الإنكليزي في تحرير حكم الخلافة، فلم نهتد السبيل لإحراز نسخة منه. وما سلوناه إلا حين ذكرنا أن المؤلف قد أحاط بذينك البابين خُبراً، وعرفنا من نظره إلى الخلافة بعين عابسة: أنه لا يجد فيهما ما يشد عضده على تقويض صرحها، إلا وينقله دون أن يكتفي بالإحالة.
ولو أحالنا المؤلف على كتاب السير أرنولد في بحث تاريخي، أو اجتماعي له مساس بالخلافة، لأخذ منا الأسف على أن فاتنا الاطلاع عليه ماخذاً بليغاً، ولكنه أحالنا على كتاب السير أرنولد في تحقيق حكم شرعي، فقلنا: لعله أراد الجد بشيء من الهزل، أو إخراج أحكام الشريعة من دائرة الراسخين في علومها.
يجب أن تكون قيمة الأحكام الشرعية في نظر المؤلف فوق هذا التقدير، وما ينبغي له أن يخيل إلينا أنا في حاجة إلى الاقتداء بعقول الغربيين حتى في أمور الدين من واجب وحرام. وإذا كان المؤلف يدري أن للشريعة أصولاً ومقاصد لم يدرسهما السير أرنولد حق دراستهما، فإن إحالتنا على كتابه ليست سوى عثرة في سبيل البحث تعترض السذَّج من الأحداث، فتكبو بهم في تردد وارتياب.
*
معنى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [
الأنعام: 38]:
قال المؤلف في (ص 16): "إنه لعجيب أن تأخذ بيدك كتاب الله الكريم، وتراجع النظر فيما بين فاتحته وسورة الناس، فترى فيه تصريف كل مثل، وتفصيل كل شيء من أمر هذا الدين {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، ثم
لا تجد فيه ذكراً لتلك الإمامة العامة، أو الخلافة. إن في ذلك لمجالاً للمقال".
في القرآن بيان كل شيء من أمور الدين، وأحكام الوقائع، وليس معنى هذا التبيان أنه يذكر أحكام الأشياء على وجه التفصيل، حتى إذا رجعنا إليه في قضية، ولم نجد لها حكماً مفصلاً، خالطت قلوبنا الريبة من حكمها الذي دلت عليه السنّة، أو انعقد عليه إجماع أهل العلم، أو شهدت به القواعد المسلَّمة.
وإنما معنى تبيانه لكل شيء: أنه أتى بكليات عامة، وهي معظم ما نزل به، وفصّل بعض أحكام، وأحال كثيراً من آياته على بيان السنّة النبوية، ثم إن الكتاب والسنّة أرشدا إلى أصول أخرى؛ كالإجماع، والقياس، وغيرهما من القواعد المستفادة من استقراء جزئيات كثيرة؛ كقاعدة:"المصالح المرسلة" وقاعدة: "سد الذرائع"
قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات": تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي (1)
…
فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية، وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي الضروريات، والحاجيات، والتحسينات، ومكمل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر أيضاً، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو: السنّة، والإجماع، والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن (2).
فإن لم ينص القرآن على حكم الخلافة، فإن في أيدينا من طرق تبيانه السنّة والإجماع والقياس، والقواعد التي لا يأتيها الريب من بين يديها ولا من خلفها.
(1)(ج 2 ص 139) الطبعة التونسية.
(2)
(ج 2 ص 195).