الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقطوع بصحتها؛ كقاعدة: "الضرر يزال"، و "المشقة تجلب التيسير"، و"العادة محكمة"؛ فإن مثل هذه القواعد لم يقررها العلماء بمحض العقل، بل رجعوا في كل قاعدة إلى استقراء موارد كثيرة من كليات الشريعة وجزئياتها، حتى تحققوا قصد الشارع إليها، وأصبحت بمنزلة الخبر المتواتر في وقوعها موقع اليقين الذي لا تخالجه ريبة.
قال أبو إسحق الشاطبي في "موافقاته": إن المجتهد إذا استقرأ معنى عاماً من أدلة خاصة، واطرد له ذلك المعنى، لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة تظهر، بل يحكم عليها -وإن كانت خاصة- بالدخول تحت عموم المعنى؛ كالمنصوص بصيغة عامة.
فالذين يستدلون على وجوب نصب الإمام بأن ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يزعهم عن الباطل وازع، يفضي إلى تبدد الجماعة، وإضاعة الدين، وانتهاك حرمة الأموال والنفوس والأعراض، إنما يطبقون قاعدة شرعية، وهي قاعدة:"الضرر يزال"، أو قاعدة:"ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وكان مقدوراً، فهو واجب".
*
ترجيح حمل "أولي الأمر" في الآية على الأمراء:
قال المؤلف في (ص 15): "وغاية ما يمكن إرهاق الآيتين به أن يقال: إنهما تدلان على أن للمسلمين قوماً منهم ترجع إليهم الأمور، وذلك معنى أوسع كثيراً، وأعم من تلك الخلافة بالمعنى الذي يذكرون، بل ذلك معنى مغاير الآخر، ولا يكاد يتصل به ".
عبّر بالإرهاق؛ ليخيل إليك أن حمل أولي الأمر في الآيتين على قوم ترجع إليهم الأمور، هو من باب صرف اللفظ إلى ما فيه عسر وتكلف. لندع
مناقشته في آية: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: 83] جانباً، فإن الصواب ما قاله المحققون من أن المراد بها: كبار الصحابة البصراء في الأمور، ونأخذ بأطراف الحديث معه في آية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، فنقول: إن حمل الآية على الأمراء راجح من وجوه:
أحدها: سبب النزول، ففي "صحيح الإمام البخاري"، رواية عن ابن عباس: أن: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي (1)؛ إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.
ثانيها: ورودها بعد آية: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
قال ابن عيينة (2): سألت زيد بن أسلم (3) عن قوله تعالى: {أطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ]، ولم يكن أحد بالمدينة يفسر القرآن بعد محمد ابن كعب مثله، قال: اقرأ ما قبلها، تعرف، فقرأت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، فقال: هذه في الولاة (4).
(1) عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي القرشي (
…
- نحو 33 هـ =
…
- نحو 653 م)
صحابي جليل، وتوفي بمصر.
(2)
سفيان بن عيينة بن ميمون (107 - 98 هـ = 725 - 814 م) محدث واسع العلم، وحافظ ثقة، ولد بالكوفة، وتوفي بمكة المكرمة.
(3)
زيد بن أسلم العدوي العمري (
…
- 136 هـ =
…
- 753 م) مفسر وفقيه من أهل المدينة.
(4)
"فتح الباري"(ج 13 ص ا 9) مطبعة الخشاب.