الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زعموا أن قول القائل:
بيت زُرارةُ محتبٍ بفنائه .... ومجاشعٌ وأبو الفوارس نهشلُ
في رجل منهم، قيل له: فما تقول أنت فيه؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة الحج، قيل: فمجاشع؟ قال: زمزم، جشعت بالماء، قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس، قيل: فنهشل؟ فصمت ساعة، ثم قال: نعم، نهشل مصباح الكعبة؛ لأنه طويل أسود، فذلك نهشل.
*
الشريعة فصلت بعض أحكام، ودلت على سائرها بأصول يراعي في تطبيقها حال الزمان والمكان:
قال المؤلف في (ص 78): "معقول أن يؤخذ العالم كله بدين واحد، وأن ينتظم البشرية كلها وحدة دينية، فأما أخذ العالم كله بحكومة واحدة، وجمعه تحت وحدة سياسية مشتركة، فذلك مما يوشك أن يكون خارجاً عن طبيعة البشرية، ولا تتعلق به إرادة الله".
أجمع المسلمون على أن إصلاح السياسة شطر من مقاصد الاسلام، وهل ادّعوا -مع هذا- أن الإسلام رسم للسياسة خطة معينة، ووضع لكل واقعة حكماً مفصلاً؟
الحق أنهم لم يفعلوا ذلك، بل ملؤوا كتبهم ببيان أن الشريعة فصلت بعض أحكام لا تختلف فيها أحوال البشر، ثم وضعت أصولاً ليراعى في تطبيقها على الوقائع حال الظروف الحافة بها، ومن هذا الأصول قاعدة:"رعاية المصالح المرسلة"، وقاعدة:"العادة محكمة"، وقاعدة:"سد الذرائع"، وقاعدة:"المشقة تجلب التيسير"، وقاعدة:"ارتكاب أخف الضررين"، وقاعدة:"الضرر يزال".
قال شهاب الدين القرافي في "قواعده": "إن الأحكام تجري مع العرف والعادة، وينتقل الفقيه بانتقالها، ومن جهل المفتي جمودُه على المنصوص في الكتب غير ملتفت إلى تغير العرف؛ فإن القاعدة المجمع عليها: أن كل حكم مبني على عادة، فإذا تغيرت العادة، تغير الحكم، والقول باختلاف الحكم عند تبدل الأحوال لا يستلزم القول بتغيره في أصل وضعه، والخطاب به، وإنما الأمر تدعو إليه الحاجة عند قوم، أو في عصر، فيكون مصلحة، وتتناوله دلائل الطلب، فإن لم تقتضه عادتهم، ولا تعلقت به مصلحتهم، دخل تحت أصل من أصول الإباحة أو التحريم".
وقال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات"(1): "واعلم أن ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد، فليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب؛ لأن الشرع موضوع على أنه دائم
…
وإنما معنى الاختلاف: أن العوائد إذا اختلفت، رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها".
ومما يوضح أن أحكام الشريعة تجري بحسب اختلاف الزمان والمكان: قول عز الدين بن عبد السلام في "قواعده": "تحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من السياسات والمعاملات والاحتياطات".
وقال شهاب الدين القرافي أيضاً: "إن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفاً للشرع، بل تشهد له القواعد، ومن جملتها: أن الفساد قد أكثر وانتشر بخلاف حاله في العصر الأول، ومقتضى ذلك: اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع"(2).
(1)(ج 2 ص 180) طبع تونس.
(2)
"التبصرة" لابن فرحون (ج 2 ص 114).