الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
ومتى صح أن يكون الخروج على الخليفة سبباً للبحث عن مبادئ السياسة، فقد أريناك وسنريك آية نهوض المسلمين بعلم السياسة، وتفوقهم في إدارة شؤونها.
*
كلمات سياسية لبعض عظماء الإسلام:
قال المؤلف في (ص 24): "فما لهم وقفوا حيارى أمام ذلك العلم، وارتدوا دون مباحثه حسيرين؟ ما لهم أهملوا النظر في كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، وكتاب "السياسة" لأرسطو، وهم الذين بلغ من إعجابهم بأرسطو أن لقبوه: المعلم الأول؟! ".
عني المسلمون من علوم اليونان بالفنون التي كانت غير معروفة لهم، أو كانت بضاعتهم فيها مزجاة، وكانوا يصرفون عنايتهم إلى هذه العلوم على قدر ما يرون لها من فائدة، وعلى حسب ما تمس إليه الحاجة، فأقبلوا على العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفة والمنطق بمجامع قلوبهم، وأعطوا جانباً من عنايتهم إلى ما نقل لهم من سياسة أفلاطون وأرسطو، مع علمهم بأن أيديهم مملوءة بمبادئ السياسية الكافية في تدبير مصالح الأمة، وصيانة حقوقها على منهج الحرية السامية، والعدالة الصادقة.
كانوا يرون أن فيما أضاء لهم من مشكاة الشريعة، أو جرى على ألسنة حكمائهم، ما إذَا اتَسق لذي فطرة سليمة، وألمعية مهذبة، أصبح سائساً خطيراً، أو مصلحاً كبيراً.
ومن نظر في تاريخ عظماء الإسلام ببصيرة، لم تفتتن بزخرف المدنية الغربية، رأى في سيرتهم العملية، وما يلفظون به من نوابغ الكلم ما يشهد
له بأنهم أدركوا في فن السياسة شأواً بعيداً، ولم يكن حظهم منها أقل من حظ دارسي كتابي "الجمهورية"، و"السياسة".
ولا أسرد في هذا المقام شيئاً من الآيات والأحاديث التي تعد في مبادئ السياسة المثلى؛ فإنها مقروءة بكل لسان، ومشهود لها بالحكمة من كل ذي عقل، وإنما أسوق من أثر أولئك العظماء كلمات أضربها كالمثل؛ ليتبين القارئ ماذا نريد من تلك الكلم النوابغ، وليعرف أن رجالاً في الإسلام أحرزوا في السياسة القدح المعلى، ورموا عن قوس لم تكن من صنع أفلاطون، ولا أرسطو، فأبعدوا المرمى، وأصابوا الغاية.
أريد من تلك الكلم النوابغ أمثال قول عمر بن الخطاب -لما قيل له: إنك تستعين بالرجل الفاجر-: "إني لأستعين بالرجل لقوته، ثم أكون على قفّانه"(1). وقول أبي سفيان (2) لعثمان (3) رضي الله عنه حين همّ أن يردّ إليه مالاً صادره عمر بن الخطاب، ووضعه في بيت المال-:"لا تردّ على من قبلك، فيرد عليك من بعدك".
وقول عمر بن عبد العزيز -حين قال له ابنه عبد الملك (4): مالك
(1) القفّان: الأثر؛ أي: أكون على تتبع أمره، فكفايته تنفعني، ومراقبتي له تمنعه من الخيانة- "نهاية ابن الأثير"، مادة:"قفن".
(2)
صخر بن حرب بن أمية (57 ق. هـ 31 هـ = 567 - 652 م) من سادات قريش في الجاهلية، وأسلم يوم فتح مكة. توفي بالمدينة.
(3)
عثمان بن عفان بن أبي العاص (47 ق. هـ - 35 هـ = 577 - 656 م) ثالث الخلفاء الراشدين، ولد بمكة، وقتل بالمدينة المنورة.
(4)
عبد الملك بن مروان بن الحكم (26 - 86 هـ = 646 - 755 م) الخليفة الأموي.=
لا تنفذ الأمور؟ -: "لا تعجل يا بنيّ؛ إني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيتركوه جملة، وتكون فتنة".
وقول معاوية (1) بن أبي سفيان: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة، ما انقطعت".
وقوله: "إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم، ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا".
وقوله: "والله لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يشتفي به القائل بلسانه، فقد جعلت له ذلك دبر أذني، وتحت قدمي".
وقول المهلب (2) للحجّاج (3) -حين كتب إليه يستعجله في حرب الأزارقة-: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره".
هذا نموذج من كلماتهم السياسية المقولة على البداهة، ولو أخذنا نملي عليك من أنبائها، لأخرجنا بها كتاباً قيماً، ولو تناولها ذو فكر خصب
= نشأ في المدينة المنورة، وتوفي بدمشق.
(1)
معاوية بن صخر بن حرب (20 ق. هـ - 60 هـ = 603 - . 680 م) من دهاة العرب، ومؤسس الدولة الأموية في الشام. ولد بمكة المكرمة، وتوفي بدمشق.
(2)
المهلب بن أبي صفرة (7 - 83 هـ = 628 - 702 م) من الأمراء الولاة. ولد في دبا، ونشا بالبصرة، وتوفي بخراسان.
(3)
الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي (40 - 95 هـ = 660 - 714 م) قائد، داهية، خطيب: ولد في الطائف، وتوفي بواسط.