الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعرض إلى إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر قتاله المرتدين، وعاودته طبيعة التشكيك في المعلوم بالبداهة، وقال: لا نريد البحث فيما إذا كانت لأبي بكر صفة دينية جعلته مسؤولاً عن أمر من يرتد عن الإسلام أم لا. وزعم: أن ظروفاً خاصة بأبي بكر قد ساعدته على خطأ العامة، وسهلت عليهم أن يُشربوا إمارة أبي بكر معنى دينياً، وفسر هذه الظروف بما كان للصديق رضي الله عنه من منزلة ممتازة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما كان من حذوه حذو رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، وعامة أموره.
وانساب بعد هذا في الحديث عن السلاطين، وترويجهم الاعتقاد بأن الخلافة مقام ديني، حتى أفهموا الناس: أن طاعة الأئمة من طاعة الله. وأصبحت الخلافة تلصق بالمباحث الدينية، وجزءاً من عقائد التوحيد، وترامى به التخبط في البحث حتى صاح صيحته الكبرى قائلاً: إن الخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلا، ولا القضاء، ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنما هي خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها.
ثم أشار على المسلمين بأن يهدموا نظامهم العتيق، ويبنوا قواعد مسلكهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم. ثم أغلق الباب، وانصرف شامخاً بأنفه، مصّراً على عناده، كأنه لا يؤمن بيوم تُنشر فيه صحف ذلك الكتاب، ويقال له:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
*
النقض:
قال المؤلف في (ص 95): "لم نستطع أن نعرف على وجه أكيد ذلك الذي اخترع لأبي بكر رضي الله عنه لقب: خليفة رسول الله، ولكنا عرفنا: أن أبا بكر
قد أجازه، وارتضاه".
خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم: القيام مقامه في حراسة الدين، وسياسة الناس بمقتضى شريعته، وهذا المعنى تحقق في أبي بكر على ما سنوضحه بمكان قريب، ولتحقق معنى الخلافة في أبي بكر أطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ندائه، وخطابه بهذا اللقب. ولكون خطابهم بهذا اللقب صادقاً، رضي عنه أبو بكر، وآثره على أن يلقب بالملك، أو السلطان.
وقد وجدنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تسمية القائمين بالأمر بعده: خلفاء، ففي"صحيح مسلم" (1): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما"، وفي "صحيح مسلم" (2) أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء، فتكثر"، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فُوا ببيعة الأول فالأول".
فلم يبق سوى أننا "لم نستطع أن نعرف على وجه أكيد ذلك الذي اخترع لأبي بكر رضي الله عنه لقب: خليفة رسول الله"، وعدم استطاعتنا لأن نعرف ذلك عجز لا ناصف له، وجهل لا يمس تلك التسمية بسوء.
قال المؤلف في (ص 59): "وجدنا أنه استهل به كتابه إلى قبائل العرب المرتدة وعهده إلى أمراء الجنود، ولعلهما أول ما كتب أبو بكر، ولعلهما أول ما وصل إلينا محتوياً على ذلك اللقب".
يريد المؤلف: أن يلوح منذ الآن إلى أن هذا اللقب مخترع؛ لاصطياد "الذين رفضوا الإذعان لحكومة أبي بكر".
(1)(ج 6 ص 23).
(2)
(ج 6 ص 17).