الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نغمة الإباحية الفاسقة.
قال المؤلف في (ص 64): "لم يبق أمامك -بعد الذي سبق- إلا مذهب واحد، وعسى أن تجده منهجاً واضحاً، لا تخشى فيه عثرات، ولا تلقى عقبات، ولا تضلّ بك شعابه، ولا يغمرك ترابه، مأمون الغوائل، خالياً من المشكل. ذلك هو القول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وأنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ملك ولا حكومة، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بتأسيس مملكة، بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها. ما كان إلا رسولاً كإخوانه الخالين من الرسل، وما كان ملكاً، ولا مؤسس دولة، ولا داعياً إلى ملك.
الرأي الذي يقصده المؤلف -حسبما تصرح به ألفاظه وما يسوق عليه من الشبه- هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم مبلّغ فقط، ولم يكن من وظيفته تنفيذ ما أوحي إليه بتبليغه، وأنه لم يأتِ بشريعة لها مساس بالقضاء وسياسة الدولة. وهو رأي لم ينسج على أصل شرعي، ولم يقم على بحث علمي، ولكن الافتتان بزخرف الحياة الإفرنجية يخامر العقل، فإذا الخيال ينقّر بالقلم ما شاء أن ينقر، ويقلب صور الحقائق إلى ما لا يخطر على قلب أفاك أثيم.
*
المؤلف يُدخل في الإسلام ما يتبرأ منه التوحيد الخالص:
قال المؤلف في (ص 67): (قد يتناول الرسول من سياسة الأمة مثل ما يتناول الملوك، ولكن للرسول وحده وظيفة لا شريك له فيها، من وظيفته: أن يتصل بالأرواح التي في الأجساد؛ وينزع الحجب ليطلع على القلوب التي في الصدور. له، بل عليه أن يشق عن قلوب أتباعه ليصل إلى مجامع الحب والضغينة، ومنابت الحسنة والسيئة، ومجاري الخواطر ومكامن
الوساوس ومنابع النيات، ومستودع الأخلاق، وله عمل ظاهر في سياسة العامة، وله أيضاً عمل خفي في تدبير الصلة التي تجمع بين الشريك والشريك، والحليف والحليف، إلخ".
علم المؤلف أن الرأي الذي حام عليه في الأبواب الماضية، وشمّر عن ساقه ليخوض مستنقعه في هذا الباب، رأي لا يتلقاه قراء كتاب الله إلا بالرفض، ولا يعدّون صاحبه إلا في زمرة من يتخذون آيات الله هزؤاً، فكان من دهائه، ولطف سحره: أن أطلق قلمه في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثناء عليه من جهةٍ يرى أن الإطناب فيها لا يمس برأيه، وبمثل هذا الرياء يمكنه اقتناص بعض المستضعفين من الأطفال والبله، ولعله لم يمد حبالته إلا قانعاً بمن يقع فيها من أمثال هذه الطائفة، أما الذين ينظرون بنور الحكمة، فإنهم يزنون الكتاب بروحه المطلة من خلال سطوره.
وإنك لتجد في هذه الجمل من الغلو في الوصف، ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وإنما علق بقلم المؤلف من أثر ديانة أخرى "كقوله:"الرسالة تقتضي لصاحبها حق التصريف لكل قلب تصريفاً غير محدود"، والتصريفُ للقلوب من صفات الألوهية التي لا يشاركها فيها مخلوق.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1) عند الكلام عن حديث: "لا ومققب القلوب"، وآية:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110] "والتقلب: التصرف، وتقليب الله القلوب والبصائر: صرفُها من رأي إلى رأي
…
وقال المعتزلة: معناه: نطبع عليها فلا يؤمنون، والطبع عندهم: الترك، وليس هذا معنى التقليب في لغة العرب، ولأن الله تعالى تمدّح بالانفراد
(1)(ج 13 ص 294).