الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف فىِ (ص 86): "ولكن العرب - على ذلك- ما برحوا أمماً متباينة، ودولاً شتى. كان ذلك طبيعياً، وما كان طبيعياً فقد يكفي أن تخفف حدته، وتقلل آثاره، ولكن لا يمكن التخلص منه بوجه من الوجوه".
كأن المؤلف أخذ على عاتقه أن يملأ صحائف معدودة في الحديث عن الحكومة النبوية، وسيان بعد ذلك أن تكون معاينة متناسقة، أم متخاذلة.
موضوع البحث: هل تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الأمم من حيث الحكم والسياسة، أم تركت كل أمة على ما هي عليه من فوضى أو نظام؟ وإذاً المؤلف يخرج إلى الحديث عن تنافر العرب، ولا يستأذن قارئي كتابه في هذا الاقتضاب، ثم يدّعي بعد هذا: أن كونهم أمماً متباينة، ودولاً شتى، أمر طبيعي، وما كان طبيعياً، لا يمكن التخلص منه بوجه من الوجوه.
التباين في بعض عوائدَ وآدابٍ لا تنافي الفضيلة، شيء يغمض عنه الإسلام طرفه، ولا يهمه أن يزول، أو يبقى خالداً، والذي يعنيه، ويعمل على تنقية الحالة الاجتماعية منه، إنما هي العادات والشؤون التىِ لا تلتئم مع الآداب الرفيعة والمظاهر المألوفة.
فالإسلام يجاهد كل تباين يقوم على عادات ينكرها الأدب، طبيعية كانت أم تقليدية، والدين الذي بلغ بحكمته أن يجعل الرجل طوع أمره، فيهجر من أجله وطنه، ويقاتل في سبيله أباه وأخاه وعشيرته الأقربين، في استطاعته أن يخرج النفوس المؤمنة من ظلمات الجاهلية إلى الشريعة العادلة والسياسة الحكيمة.
*
لماذا لم يسم النبي صلى الله عليه وسلم من يخلفه
؟
قال المؤلف في (ص 87): "وقد لحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى من غير أن
يسمّي أحداً يخلفه من بعده، ولا أن يشير إلى من يقوم في أمته مقامه. بل لم يشر عليه السلام طول حياته إلى شيء يسمّى: دولة إسلامية، أو دولة عربية".
إن لم يسمّ عليه السلام أحداً يخلفه من بعده، ولم يشر إلى من يقوم في أمته مقامه، فليس معنى ذلك أنه لم يُبعث لإنشاء دولة إسلامية، ولم يأت بشريعة تنتظم سياستها. وإنما لم يسمّ أحداً يخلفه، ولم يشر إلى من يقوم مقامه، لمقصد بعيد المدى، وأصل من أصول الدولة يثبّت أساسها، ويزيدها حكمة على حكمتها، وهو: أن الإمامة حق من حقوق الأمة، هي التي تقلدها، وهي التي تنزعها، تقلدها من آنست فيه الكفاية، وتنزعها ممن عجز عن القيام بأعبائها، أو لعبت بقلبه أصابع الهوى، فجعل عاليها سافلها.
وإن تعجب، فعجب قول المؤلف: إن النبي عليه السلام لم يشر طول حياته إلى شيء يسمّى: دولة إسلامية. ولقد ذهب هذا القلم في الجرأة إلى مكان سحيق.
يقول حفّاظ السنّة: لم نسمع كذا، أو لم يبلغنا كذا، ويقول من ينقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "الكامل" للمبردّ: لم يشر عليه السلام طول حياته إلى شيء يسمّى: دولة إسلامية!
من مثل هذه العبارة يدرك قراء كتابه الأذكياء وأشباه الأذكياء: أنه يرمي بالكلام جزافاً، ويحاول أخذ قلوبهم، ولو على طريق غير معقول، ومنطق ليس له فروع ولا أصول.
يرمي المؤلف هذه المقالة الخاطئة، وفي السنّة الصحيحة من أحاديث الإمامة ما فيه عبرة لقوم يفقهون، وقد قصصنا منها ما لا يمكن للمؤلف أن