الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم بالحديث والسير والمنقولات، وسائر أصناف أهل العلم خلفاً عن سلف. وقد علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن مبايعته إلا سعد بن عبادة.
*
تحقيق أنه عليه السلام جاء للمسلمين بشرع يرجعون إليه في الحكومة بعده:
قال المؤلف في (ص 89): "بل الحق أنه صلى الله عليه وسلم ما تعرض لشيء من أمر الحكومة بعده، ولا جاء للمسلمين فيها بشرع يرجعون إليه".
جاء النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بشرع يرجعون إليه في الحكومة بعده، أما كونه عليه السلام جاء بشريعة ذات أصول قضائية، وأخرى سياسية، وأن هذه الأصول لم تفرط في شيء من جلب المصالح ودرء المفاسد، فحقيقة يراها عين اليقين كل من تدبر في القرآن، وتفقه في الدين على طريقة الباحث الحكيم.
وقد بصر علماء الإسلام بهذه الحقيقة، وتضافرت كلمتهم عليها، وإن كانوا يختلفون في بعض طرق الاستنباط، ذلك الاختلاف الناشئ عن التفاوت في الفهم، والتفاضل في العلم، والحق قد يخفى على بعض الأفراد، ولكنه لا يستتر عن عيون الجماعات المبثوثة في كل واد.
وأما الدليل على أن هذه الشريعة عامة، لا يختص بهدايتها عصر دون عصر، ولا قوم دون آخرين، فهو الكتاب، والسنّة، والإجماع، والنظر صحيح. أما الكتاب، فقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، وقوله تعالى. {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]. وهذا يقتضي أن كل ما تقرر بوحي من عقائد وآداب وشرائع، يعم بخطابه جميع الأمم، ولا يختص بزمان، دون زمان، وكذلك تجد الوعيد على الحكم بغير
ما أنزل إليه مصنوعاً في صورة العموم، تجده في قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، وفي آية أخرى:{فأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]، وفي آية ثالثة:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
وأما السنّة، فقوله صلى الله عليه وسلم:"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة"(1).
وأما الإجماع، فأوضح من نار على علم، وممن تعرض له أبو إسحق الشاطبي إذ قال في "موافقاته" (2):"والثالث إجماع العلماء المتقدمين على ذلك -كون الشريعة عامة- من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولذلك صيّروا أفعال النبي صلى الله عليه وسلم حجة للجميع في أمثالها .. وتقرير صحة الإجماع لا يحتاج إلى مزيد؛ لوضوحه عند من زاول أحكام الشريعة".
وأما النظر، فإن الأحكام "إذا كانت موضوعة لمصالح العباد، فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه من المصالح سواء، فلو وضعت على الخصوص، لم تكن موضوعة لمصالح العباد، فثبت أن أحكامها على العموم، لا على الخصوص"(3).
* * *
(1)"صحيح البخاري"(ج 1 ص 70) طبع بولاق.
(2)
(ج 2 ص 154).
(3)
"موافقات الشاطبي"(ج 2 ص 154).