المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٩/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(15)«نَقْضُ كِتَابِ الإسْلامِ وَأصُوْلِ الحكمِ»

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة للإمام محمّد الخضر حسين

- ‌الكتاب الأول

- ‌الباب الأول

- ‌ ملخص الباب:

- ‌ مناقشة المؤلف في جمل أوردها للدلالة على أن المسلمين يتغالون في احترام الخليفة:

- ‌ بحث في قولهم: طاعة الأئمة من طاعة الله:

- ‌ بحث في قولهم: النصح للأئمة لا يتم إيمان إلا به:

- ‌ بحث في قولهم: السلطان ظل الله في الأرض:

- ‌ مناقشة المؤلف في زعمه: أن ولاية الخليفة عند المسلمين كولاية الله ورسوله:

- ‌ من أين يستمد الخليفة سلطته

- ‌ مناقشة المؤلف فيما استشهد به من أقوال الشعراء:

- ‌ الفرق بين مذهب (هبز) وحق الخليفة في الإِسلام:

- ‌الباب الثانيحكم الخلافة

- ‌ الإجماع على نصب الإمام:

- ‌ التباس حاتم الأصم بحاتم الصوفي على المؤلف:

- ‌ الفرق بين القاعدة الشرعية والقياس المنطقي:

- ‌ ترجيح حمل "أولي الأمر" في الآية على الأمراء:

- ‌ هل نأخذ أحكام الدين عن المستر أرنولد

- ‌ معنى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [

- ‌ لماذا لم يحتج بعض علماء الكلام في مسألة الخلافة بالحديث

- ‌ لماذا وضع بحث الخلافة في علم الكلام

- ‌ بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):

- ‌الباب الثالثالخلافة من الوجهة الاجتماعية

- ‌ ملخص الباب:

- ‌ المناقشة - بحث في الاحتجاج بالإجماع:

- ‌ الإمام أحمد والإجماع:

- ‌ المسلمون والسياسة:

- ‌ كلمات سياسية لبعض عظماء الإسلام:

- ‌ النحو العربي ومناهج السريان:

- ‌ الإسلام والفلسفة:

- ‌ بحث في مبايعة الخلفاء الراشدين، وأنها كنت اختيارية:

- ‌ بحث في قوة الإرادة:

- ‌ بحث في الخلافة والملك والقوة والعصبية:

- ‌ نظام الملكية لا ينافي الحرية والعدل:

- ‌ إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم:

- ‌ عدم تمييز المؤلف بين الإجماع على وجوب الإمامة، والإجماع على نصب خليفة بعينه:

- ‌ وجه عدم الاعتداد برأي من خالفوا في وجوب الإمامة:

- ‌ القرآن والخلافة:

- ‌ السنة والخلافة:

- ‌ الإجماع والخلافة:

- ‌ شكل حكومة الخلافة:

- ‌ وجه الحاجة إلى الخلافة:

- ‌ آثارها الصالحة:

- ‌الكتاب الثانيالحكومة والإسلام

- ‌البَابُ الأَوَّلُنظام الحكم في عصر النبوة

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض - بحث القضاء في عهد النبوة:

- ‌ العرب والسياسة الشرعية:

- ‌ القضايا التي ترفع إلى الحكام نوعان:

- ‌ البحث في تولية معاذ، وعلي، وعمر رضي الله عنهم القضاء:

- ‌ القضاء في عهد النبوة موكول إلى الأمراء:

- ‌ نبذة من مبادئ القضاء في الإسلام وآدابه:

- ‌ المالية في عهد النبوة:

- ‌ لماذا لم يكن في عهد النبوة إدارة بوليس

- ‌ احتمال الأذى في سبيل الذود عن الحق:

- ‌البَابُ الثَّانيالرسالة والحكم

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ الملك

- ‌ الرسول عليه السلام ذو رياسة سياسية:

- ‌ بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):

- ‌ الجهاد النبوي:

- ‌ الجزية:

- ‌ المخالفون أنواع ثلاثة:

- ‌ سر الجهاد في الإسلام:

- ‌ خطأ المؤلف في الاستدلال بآيات على أن الجهاد خارج عن وظيفة الرسالة:

- ‌ من مقاصد الإسلام: أن تكون لأهله دولة:

- ‌ تفنيد قول المؤلف: الاعتقاد بأن الملك الذي شيده النبي عليه السلام لا علاقة له بالرسالة، ولا تأباه قواعد الإسلام:

- ‌ التنفيذ جزء من الرسالة:

- ‌ وجه قيام التشريع على أصول عامة:

- ‌ مكانة الصحابة في العلم والفهم:

- ‌ الشريعة محفوظة:

- ‌ معنى كون الدين سهلاً بسيطاً:

- ‌البابُ الثَّالثُرسالة لا حكم، ودين لا دولة (في زعم المؤلف)

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ المؤلف يُدخل في الإسلام ما يتبرأ منه التوحيد الخالص:

- ‌ الاعتقاد بحكمة الأمر لا يكفي للعمل به:

- ‌ خطأ المؤلف في الاستشهاد بآيات على أن وظيفة الرسول لا تتجاوز حدود البلاغ:

- ‌ خطأ المؤلف في حمل آيات على القصد الحقيقي:

- ‌ خطأ المؤلف في فهم حديثين:

- ‌ الشريعة فصلت بعض أحكام، ودلت على سائرها بأصول يراعي في تطبيقها حال الزمان والمكان:

- ‌ الاجتهاد في الشريعة وشرائطه:

- ‌ فتوى منظومة لأحد فقهاء الجزائر:

- ‌الكتاب الثالثالخلافة والحكومة في التاريخ

- ‌الباب الأولالوحدة الدينية والعربية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض - سياسة الشعوب وقضاؤها في العهد النبوي:

- ‌ درة عمر بن الخطاب وإدارة البوليس:

- ‌ التشريع الإسلامي والزراعة والتجارة والصنائع:

- ‌ التشريع الإسلامي والأصول السياسية والقوانين:

- ‌ أحكام الشريعة معللة بالمصالح الدنيوية والأخروية والمصلحة الدنيوية منها هي ما يبحث عنه أصحاب القوانين الوضعية:

- ‌ لماذا لم يسم النبي صلى الله عليه وسلم من يخلفه

- ‌ بحث لغوي في خلف واستخلف:

- ‌ تحقيق أنه عليه السلام جاء للمسلمين بشرع يرجعون إليه في الحكومة بعده:

- ‌الباب الثانيالدولة العربية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ حكومة أبي بكر وسائر الخلفاء الراشدين دينية:

- ‌ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس:

- ‌ أسباب سيادة الإسلام لعهد الخلفاء الراشدين:

- ‌ بيعة أبي بكر اختيارية إجماعية:

- ‌ كلمة في سيرة أبي بكر:

- ‌الباب الثالثالخلافة الإسلامية

- ‌ ملخصه:

- ‌ النقض:

- ‌ أبو بكر لا يخاع الناس بالألقاب الدينية:

- ‌ هل يقال: "خليفة الله

- ‌ الخليفة عند المسلمين غير معصوم:

- ‌ حكم المرتدين في الإسلام:

- ‌ حكم مانعي الزكاة:

- ‌ سبب حروب أهل الردة ومانعي الزكاة:

- ‌ واقعة قتل مالك بن نويرة:

- ‌ محاورة عمر وأبي بكر في قتال مانعي الزكاة:

- ‌ حكمة رأي أبي بكر في تلك الحروب:

- ‌ معنى طاعة الأئمة من طاعة الله:

- ‌ السلطان ظل الله في الأرض:

- ‌ وجه ذكر مسألة الخلافة في علم الكلام:

- ‌ تعسف المؤلف وغلوُّه في إنكار فضل خلفاء الإسلام وملوكه:

- ‌ معنى الرجوع إلى أصول الشريعة في الحكم والسياسة:

- ‌ الخلافة والقضاء من الخطط الدينية السياسية:

- ‌ لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها:

الفصل: ‌ لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها:

بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على أن حكومة أبي بكر كانت لا دينية. وقد سقنا لكم الدليل إثر الدليل على أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن ظالماً، ولا فاسقاً، ولا كافراً، وأنه كان يحكم بكتاب الله، وسنّة رسول الله، فإن لم يجد نصاً في الكتاب والسنّة، استشار العلماء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ بالرأي الذي يرشده روح التشريع إلى قول الحق.

فدعوى المؤلف: "أن الخلافة والقضاء وغيرهما ليست في شيء من الخطط الدينية، وأن الدين لم يعرفها، ولم ينكرها" هي من سلالة آراء لا دينية، فلا دليل يركن إليها، ولا شبهة ظنّ تقوم بجانبها.

*‌

‌ لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها:

قال المؤلف في (ص 103): "لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلّوا له، واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم، ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم".

ليس في الإسلام نظام عتيق يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة، وليس في الإسلام نظام عتيق يعد الخاضع له مهاناً أو ذليلاً، وإن في أصول شريعتهم ما يثمر لهم قوانين تفوق قوانين البشر، وتأخذ بمصالحهم أخذ حكيم مقتدر.

فالمسلمون حقاً لا بدّ أن يكونوا أرجح عقولاً، وأرفع همماً من أن يسلوا أيديهم من أصول شريعتهم الفسيحة المجال، الناسجة على أحكم مثال، ويضعوها في تقليد أمم ليسوا بأصوب نظراً، ولا أدرى بالمصلحة.

ص: 299

فنصوص الشريعة متضافرة على أن الرياسة العامة، وما يتفرع عليها من نحو القضاء، خطط دينية سياسية. فصاحب الدولة إذا ساس الناس بمقتضى نظر الشريعة، كانت سياسته قيمة، وسمّي عند الله عادلاً، فإن خرج في سياسته عن النظر الشرعي، أصبح مسؤولاً بين يدي الأمة في الدنيا، ومؤاخذاً بها يوم يقوم الناس لرب العالمين.

والقاضي إذا صاغ حكمه على أصول الشريعة، كان قضاؤه صحيحاً، ووجب الإذعان له في السر والعلانية، فإن استند حكمه إلى قانون ما أنزل الله به من سلطان، كان حكماً جائراً، ولا يحتمله المسلم إلا أن يوضع عليه بيد قاهرة.

وإذا كانت القوانين لا يخضع لها المسلمون بقلويهم، ولا يتلقون القضاء القائم عليها بتسليم، كان تقريرها للفصل بينهم غير مطابق لقاعدة الحرية؛ إذ المعروف أن الأمة الحرة هي التي تساس بقوانين ونظم تألفها، وتكون على وفق إرادتها، أو إرادة جمهورها.

فالشعوب الإسلامية لا تبلغ حريتها إلا أن تساس بقوانين ونظم يراعى فيها أصول شريعتها. وكل قوة تضرب عليها قوانين تخالف مقاصد دينها، فهي حكومة مستبدة غير عادلة.

فالذين ينقلون قوانين وضعها سكان رومة، أو لندرة، أو باريز، أو برلين، ويحاولون إجراءها في بلاد شرقية؛ كتونس، أو مصر، أو الشام، إنما هم قوم لا يدرون أن بين أيديهم قواعد شريعةِ تنزل من أفق لا تدب فيه عناكب الخيال أو الضلال، وأن في هذه القواعد ما يحيط بمصالح الأمة حفظاً، ويسير بها في سبيل المدنية الراقية عَنَقاً فَسيحاً.

ص: 300

ولو قيض الله للشعوب الإسلامية رؤساء يحافظون على قاعدة حرية الأمم، لألّفوا لجاناً ممن وقفوا على روح التشريع الاسلامي، وكانوا على بصيرة من أحوال الاجتماع ومقتضيات العصر، وناطوا بعهدتهم تدوين قانون يقتبس من أصول الشريعة، ويراعى فيه قاعدة: جلب المصالح ودرء المفاسد. وبغير هذا العمل لا يملك المسلمون أساس حريتهم، ولا يسيرون في سبيل سعادتهم آمنين.

قام في زمن قريب بعض من تخبطه الجهل والغرور، وصاح في وجه حكومة شعب مسلم صيحة المعربد، منكراً عليها ما قررته في قانونها الأساسي؛ من جعل الإسلام ديناً رسمياً للدولة، وقد ردّد المؤلف في نتيجة أبوابه التسعة هذه الصيحة؛ إذ حاول أن يقطع الصلة بين الدين والسياسة، ويحارب آداب الإسلام القاعدة للإباحية الفاسقة في كل مرصد، ولكن الفرق بين ذلك الصائح وهذا الصدى: أن الأول وثب على المسألة وثوب أهبل لا يعرف يمينه من شماله، أما المؤلف، فقد أدرك أن الأمة مسلمة، وأن الإسلام دين وشريعة وسياسة، وأن هاتين الحقيقتين يقضيان على الدولة أن تضع سياستها في صبغة إسلامية، فبدا له أن يعالج المسألة بيد الكيد والمخاتلة، ويأتيها باسم العلم والدين، فكان من حذقه أن التقط تلك الآراء الساقطة، خلطها بتلك الشبه التي يخزي بعضها بعضاً، وأخرجها كتاباً يحمل سموماً، لو تجرعها المسلمون، لتبدلوا الكفر بالإيمان، والشقاء بالسعادة، والذلّة بالعزّة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].

ص: 301