الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشاهد يوضح أن المؤلف لا يفرق بين الإجماع على وجوب الخلافة، والاتفاق على مبايعة شخص بعينه.
*
وجه عدم الاعتداد برأي من خالفوا في وجوب الإمامة:
قال المؤلف في (ص 32): "لو ثبت الإجماع الذي زعموا، لما كان إجماعاً يعتد به، فكيف وقد قالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً، وكذلك قال الأصم من المعتزلة، وقاله غيرهم أيضاً؛ كما سبقت الإشارة إليه. وحسبنا في هذا المقام نقضاً لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف الأصم، والخوارج، وغيرهم، وإن قال ابن خلدون: إنهم شواذ".
لم يخالف في وجوب الإمامة جميع الخوارج، وإنما المخالفون طائفة منهم، وهم النجدات، وقد نقلنا لكم آنفاً قول ابن حزم (1) في كتاب "الفصل": اتفق جميع أهل السنّة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة يجب عليها الانقياد لإمام عادل
…
حاشا النجدات من الخوارج.
أما الأصم، فقد قال إمام الحرمين في تفنيد رأيه: "نصبُ الإمام عند الإمكان واجب، وذهب عبد الرحمن بن كيسان -هو الأصم- إلى أنه لا يجب، ويجوز ترك الناس أخيافاً يلتطمون ائتلافاً واختلافاً، لا يجمعهم ضابط، ولا يربط شتات رأيهم رابط. وهذا الرجل هجوم على شق العصا، ومقابلة الحقوق بالعقوق، لا يهاب حجاب الإنصاف، ولا يستوعر أصواب الاعتساف، ولا يسمى إلا عند الانسلال عن ربقة الإجماع؛ والحيد عن سنن الاتباع. وهو مسبوق بإجماع من أشرفت عليه الشمس شارقة وغاربة،
(1) سبقت ترجمته.
واتفاق مذاهب العلماء قاطبة".
فالتحقيق: أن مخالفة هذه الطائفة في قضية الخلافة لا يعتد بها، وليس لها في الطعن على الإجماع من أثر، ولا نجعل أقوالهم لاغية لكونهم من الطوائف التي يراها أهل السنّة على غير حق؛ فإن خلاف أمثالهم في الأحكام الشرعية يمنع من انعقاد الإجماع؛ كما هو المختار عند الغزالي (1)، والآمدي، وغيرهما، وإنما نصرف النظر عن مخالفتهم هذه لوجهين:
أحدهما: أن خلافهم طرأ بعد انعقاد الإجماع ممن تقدمهم على وجوب نصب الإمام، وحدوثُ قول بعد انقراض العصر الذي انعقد فيه الإجماع على حكم شرعي مردودٌ على وجه صاحبه.
ثانيهما: أنهم قيدوا مخالفتهم بحال، وعلقوها على أمر لم تجر به السنن الكونية في هذه الحياة، وهو تواطؤ الأمة على العدل، وتنفيذ أحكام الله فيما بينهم، وهذا التواطؤ مما دلت التجارب والمشاهدات الطويلة على أنه خارج عن طبيعة البشر، إلا أن ينقلب الناس ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
والأشبه أن يكون خارق الإجماع في مثل هذا الحكم الواضح مدفوعاً بهوى يعمى عليه الدليل الساطع، وكذلك نقل أَبو منصور البغدادي ما يؤيد أن الأصم كان يخرق الإجماع استسلاماً لأهوائه، فقال في كتاب "الفَرْق بين الفِرَقْ ": "قال -يعني: الأصم -: لا تنعقد-أي: الإمامة -إلا بإجماع
(1) محمد بن محمد الغزالي (450 - 505 هـ = 1058 - 1111 م) أَبو حامد، حجة الإسلام، الفيلسوف المتصوف، ولد وتوفي في الطابران بخراسان. له نحو مئتي مصنف.