الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينازع في صحته، أو يحرفه بالتأول عن مواضعه.
قال المؤلف في (ص 87): "فكيف إذا كان من عمله أن ينشئ دولة يترك أمر تلك الدولة مبهماً على المسلمين، ليرجعوا سريعاً من بعده حيارى يضرب بعضهم رقاب بعض؟! وكيف لا يتعرض لأمر من يقوم بالدولة من بعده، وذلك أول ما ينبغي أن يتعرض له بناة الدول قديماً وحديثاً؟! ".
ترك النبي عليه السلام المسلمين على بينة من أمر إمام يقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا، ولم يبق سوى أنه لم يعهد بالخلافة لأحد بعينه. والحكمة في عدم تعيين من يقوم مقام: تعليم الأمة المسلمة أن منصب الخليفة يرجع إلى اختيارهم، وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام المفرغة على قالب الحرية، ولكن المؤلف ينظر إلى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام بمرآة تعكس الحقائق، وتريها له في صبغة غير صبغتها الحسنى.
لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الدولة مبهماً على المسلمين، ولم يرجعوا سريعاً من بعده يضرب بعضهم رقاب بعض، وما هي إلا مناقشة دارت بينهم في سقيفة بني ساعدة، وسرعان ما طوي بساطها على وفاق وسلام. فإن كان المؤلف يلوّح إلى قتال أهل الردة، فأولئك قوم نزلت بهم ضلالة، أو استحوذت عليهم جهالة، ولو نص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة أبي بكر، لنازع أولئك الضالون أو الجاهلون في صحة ما يروى لهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يعدموا مغالطة يتملصون بها من عهدة ما تفرضه عليهم النصوص الصريحة، وكتاب "الإسلام وأصول الحكم" على ما نقول شهيد.
*
بحث لغوي في خلف واستخلف:
حكى المؤلف مذهب ابن حزم في أن النبي عليه السلام نص على
استخلاف أبي بكر بعده، وأن معنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه، لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه.
ثم قال في (ص 88): "والذهاب مع هذا الرأي تعسف لا نرى له وجهاً صحيحا، ولقد راجعنا ما تيسر لنا من كتب اللغة، فما وجدنا فيها ما يعضد كلام ابن حزم، ثم وجدنا إجماع الرواة على اختلاف الصحابة في بيعة أبي بكر، وامتناع أجلّة منهم عنها".
أما كلام ابن حزم، فلم يكن المؤلف أول ناقد له، فقد قال ابن تيمية في "منهاج السنّة" (1):"إن الخليفة إما أن يكون معناه: أن يخلف غيره، وإن كان لم يستخلفه؛ كما هو المعروف في اللغة، وهو قول الجمهور، وإما أن يكون معناه: من استخلفه غيره؛ كما قاله طائفة من أهل الظاهر، والشيعة، ونحوهم". وقال أيضاً: "قالوا: والخليفة إنما يقال لمن استخلفه غيره، واعتقدوا أن الفعيل بمعنى المفعول، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف على أمته، والذين نازعوهم في هذه الحجة قالوا: الخليفة يقال لمن استخلفه غيره، ولمن خلفه غيره، فهو فعيل بمعنى فاعل".
وأما ما ذكر من امتناع أجلّة من الصحابة عن مبايعة أبي بكر، فقد كان ذلك في مبدأ الأمر، ثم أطبقوا على مبايعته، ولم يبق سوى سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام في "منهاج السنّة" رداً على أحد الرافضة في مقالة له تشبه مقالة المؤلف: "وأما الذين عدهم هذا الرافضي أنهم تخلفوا عن بيعة الصديق من أكابر الصحابة، فذلك كذب عليهم، إلا على سعد بن عبادة؛ فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر وعمر أشهر من أن تنكر، هذا مما اتفق عليه أهل
(1)(ج 2 ص 175).