الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصل إلينا: أن أبا بكر شيع جيش أسامة (1) وهو ماش، وأسامة راكب، فقال له أسامة:"يا خليفة رسول الله! لتركبن، أو لأنزلن"(2). وبَعْثُ أسامة وقع عند ابتداء حركة الارتداد، ولكن الذي يطالع تاريخ ابن جرير الطبري يفهم أنه بعث قبل أن يكتب أبو بكر كتبه للقبائل، وعهده إلى أمراء الجنود.
قال المؤلف في (صحيفة 95): "لا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان زعيماً للعرب، ومناط وحدتهم على الوجه الذي شرحنا من قبل. فإذا قام أبو بكر من بعده ملكاً على العرب، وجمّاعاً لوحدتهم، على الوجه السياسي الحادث، فقد ساغ في لغة العرب أن يقال: إنه -بهذا الاعتبار- خليفة رسول الله، كما يسوغ أن يسمّى: خليفةً بإطلاق؛ لما عرفت في معنى الخلافة، فأبو بكر إذن بهذا المعنى خليفة رسول الله؛ لا معنى لخلافته غير ذلك".
لا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كان هادياً للعرب والعجم، ومناط وحدتهم على الوجه الذي شرحنا من قبل. فإذا قام أبو بكر من بعده إماماً للمسلمين، وجمّاعاً لوحدتهم على الوجه السياسي العادل، فقد ساغ في لغة العرب أن يقال: إنه -بهذا الاعتبار- خليفة بإطلاق؛ لما عرفت في معنى الخلافة، فأبو بكر كان إذن بهذا خليفة رسول الله، لا معنى لخلافته غير ذلك.
*
أبو بكر لا يخاع الناس بالألقاب الدينية:
قال المؤلف في (ص 96): "ولهذا اللقب روعة، وفيه قوة، وعليه
(1) أسامة بن زيد بن حارثة (7 ق. هـ - 54 هـ = 615 - 674 م) صحابي جليل، ولد بمكة المكرمة، وأقام بالمدينة المنورة في آخر حياته، وتوفي بالجرف، له 128 حديثاً.
(2)
"تاريخ ابن جرير"(ج 3 ص 212).
جاذبية، فلا غرو أن يختاره الصدّيق، وهو الناهض بدولة حادثة، يريد أن يضم أطرافها بين أعاصير من الفتن، وزوابع من الأهواء العاصفة المتناقضة، ويين قوم حديثي العهد بجاهلية، وفيهم كثير من بقايا العصبية، وشدة البداوة وصعوبة المراس، لكنهم كانوا حديثي عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم، والخضوع له، والانقياد التام لكلمته، فهذا اللقب جدير بأن يكبح من جماحهم، ويلين بعض ما استعصى من قيادهم. ولعله قد فعل".
بحث المسلمون في تاريخ أولئك الرجال المشهود لهم بالصدق فيما يقولون، والإخلاص فيما يفعلون، وقلبوه ظهراً لبطن، فلم يجدوا فيهم من يخادع الناس بالألقاب الدينية، ووجدوا كثيراً منهم لا ينخدعون لمظاهر المرائين، أو بهرج المحتالين، فأبو بكر أفضل من أن يخاع الناس بلقب:"خليفة رسول الله"، وأمةٌ فيها عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، أعقل من أن تنخدع للقبٍ لا ينطبق على معنى في صاحبه، وأتقى لله من أن تترك الألقاب الدينية تُنصب حبائل لاصطياد أغراض دنيوية، ورياسة ملكية.
ولو طالع المؤلف تاريخ أولئك الرجال بالعين التي طالع بها كتاب العلامة (المستر أرنولد)، لعرف أن في نفس الصدّيق شيئاً فوق "ما تستعد به شعوب البشر لأن يكونوا سادة ومستعمرين"، وذلك الشيء: يقينه بأن الله سيظهر دينه، وأن حركة الارتداد سحابة صيف لا تلبث أن تتقشع، يدرك هذا كل من وقف برهة على حالته النفسية، أو أطل عليها من الكلمات التي كانت تصدر عنه في ذلك الشأن.
وقع إلى المسلمين نبأ الفساد الذي ضرب في القبائل العربية، قبل مسير جيش أسامة إلى بلاد الروم، فقالوا لأبي بكر: "إن هؤلاء جلّ المسلمين،