الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البَابُ الثَّاني
الرسالة والحكم
*
ملخصه:
افتتح الباب بتهوين البحث في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملكا أم لا، وأخذ يستدرج القارئ إلى رأيه الصريح من بعد، ويخيل له أن الاعتقاد بأحد الطرفين- كونه رسولاً وملكاً، أو ملكاً فقط - ليس بدعاً في الدين، ولا شذوذاً عن مذهب المسلمين، ثم ذكر أن الرسالة غير الملك، وأن من الرسل من لم يكن ملكاً، وقال بعد هذا في صورة سائل: هل كان محمد صلى الله عليه وسلم ممن جمع الله له بين الرسالة والملك، أم كان رسولاً غير ملك؟ وادعى أنه لا يعرف لأحد من العلماء رأياً صريحاً في هذا البحث، واستنتج أن المسلم العامي يجنح غالباً إلى اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملكاً ورسولاً، وأنه أسس بالإسلام دولة سياسية. ثم قال: ولعله رأي جمهور العلماء، وساق عليه كلام ابن خلدون، وما نقله رفاعة بك من كتاب "تخريج الدلالات السمعية عن الوظائف والعمالات التي كانت قائمة في عهد النبوة".
ثم أخذ يمر بالقارئ على شعاب من التشكيك، فذكر أن في الحكومة النبوية بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكم السياسية، وتعرض لمسألة الجهاد، ورأى أن من الظاهر لأول وهلة أن الجهاد إنما يكون لتثبيت السلطان، وتوسيع الملك. وعلّل هذا بأن دعوة الدين لا قوام لها إلا البيان، وتحريك
القلوب بوسائل التأثير والإقناع. وضرب مثلاً آخر لمظاهر الدولة، وهو جمع المال من مثل: الزكاة، والجزية، والغنائم، وقال: لا شك أن تدبير المال عمل ملكي، وأنه خارج عن وظيفة الرسالة من حيث هي، وعزّز مسألتي الجهاد وجمع المال بثالث، وهو ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم وجّه إمارة اليمن، وفرّقها بين رجاله، وقال: من نظر إلى ذلك من هذه الجهة، ساغ له القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رسول الله تعالى، وكان ملكاً سياسياً. وتخلص من هنا إلى أن تأسيسه صلى الله عليه وسلم للمملكة الإسلامية خارج عن حدود رسالته، أم جزء مما بعثه الله به وأوحى به إليه؟.
وزعم أن القول بأن المملكة النبوية عمل منفصل عن الرسالة، وأنها من قبيل العمل الدنيوي الذي لا علاقة له بها، ليس بكفر، ولا إلحاد، وصرح بأن الرأي الذي تتلقاه نفوس المسلمين بالقبول، هو أن المملكة النبوية جزء من عمل الرسالة، وقال: إن هذا الرأي لا يمكن تعقله إلا إذا ثبت أن الرسول مبلِّغ ومنفذ معاً، وبعد أن نقل كلام ابن خلدون المتضمن: أن الإسلام يجمع بين الدعوة والتنفيذ، ادعى أنه لم ير لهذا القول دعامة، وأنه لا يلتئم مع ما تقضي به طبيعة الدعوة الدينية.
وخرج من هذا إلى مشكل آخر -فيما يزعم-، وهو: خلو الدولة السياسية النبوية من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم، ثم افترض جواباً، بل عذراً يقدمه إليه القائلون بأن من مقاصد الإسلام إقامة دولة، وهو أن للحكومة النبوية نظاماً بالغاً، وإحكاما سابغاً، ولكننا لم نصل إلى علم التفاصيل الحقيقية. ورده: بأن احتمال الجهل ببعض الحقائق لا يمنعه من الوثوق بما علم، واعتباره حقائق يبني عليها الأحكام، ويستخلص منها النتائج. ثم