الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - خلق القلب
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل: 78].
وقال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].
الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، والإنسان له ظاهر وباطن، وفي باطنه أكثر الأعضاء وأهمها كالقلب والكبد والمعدة.
ولفظ القلب يطلق على معنيين:
أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل، المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف، وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه، يدخل فيه الدم، ثم يدفعه بواسطة العروق لتغذية البدن.
الثاني: لطيفة ربانية روحانية، لها بذلك القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان.
وهو المخاطب والمطالب، والمثاب والمعاقب، ولهذه اللطيفة علاقة مع القلب الجسماني.
أما الروح: فهو جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، ينتشر بواسطة العروق إلى سائر أجزاء البدن.
وجريانه في البدن، وفيضان أنوار الحياة والحس، والسمع والبصر والشم منها على أعضائها، يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت.
وسريان الروح، وحركته في باطن الإنسان، يشبه حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه.
أما النفس: فتطلق على ذات الإنسان، وهي اللطيفة التي هي نفس الإنسان وذاته، وتطلق على المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان.
أما العقل: فهو ما يعقل الإنسان عما يشينه ويدنسه من الأقوال والأفعال وضده الجنون.
فيطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب.
ويطلق ويراد به تلك اللطيفة المدرك للعلوم فيكون هو القلب.
ولما خلق الله عز وجل الإنسان ابتلاه وامتحنه، بما يعرف به صدقه وكذبه، وطاعته ومعصيته وطيبه وخبثه.
فمزج في خلقته وتركيبه أربع شوائب، فلذلك اجتمع عليه أربعة أنواع من الأوصاف وهي:
الصفات السبعية .. والبهيمية .. والشيطانية .. والربانية ..
وكل ذلك مجموع في قلبه.
فهو من حيث سلط عليه الغضب يتعاطى أفعال السباع، من العداوة والبغضاء، والتهجم على الناس بالشتم والضرب والقتل.
وهو من حيث سلطت عليه الشهوة يتعاطى أفعال البهائم، من الشره والحرص والنكاح والشبق وغير ذلك.
وهو من حيث اختصاصه عن البهائم بالتمييز، مع مشاركته لها في الغضب والشهوة، حصلت فيه شيطانية، فصار شريراً يستعمل التمييز في استنباط وجوه الشر، ويتوصل إلى الأغراض بالمكر والخداع، ويظهر الشر في معرض الخير، وهذه أخلاق الشياطين.
ومن حيث أنه في نفسه أمر رباني، فإنه يدعي لنفسه الربوبية، ويحب الاستيلاء والاستعلاء في كل شيء، ويحب الاستبداد في الأمور كلها، والتفرد بالرياسة، والانسلال عن ربقة العبودية والتواضع.
ويدعي لنفسه العلم والمعرفة والإحاطة بحقائق الأمور.
والإحاطة بجميع الحقائق، والاستيلاء بالقهر على جميع الخلائق من أوصاف
الربوبية، وفي الإنسان حرص على ذلك.
وكل إنسان فيه شوب من هذه الأوصاف الأربعة.
فمعرفة القلب، وحقيقة أوصافه أصل الدين، وأساس طريق السالكين:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور: 40].
والقلب يغرق فيما يستولي عليه من محبوب أو مكروه أو مخوف.
فالمحبوب يطلبه، والمكروه يدفعه .. والخوف يحذره.
والرجاء يتعلق بالمحبوب .. والخوف يتعلق بالمكروه.
ولا يأتي بالحسنات والمحبوبات إلاّ الله، ولا يذهب بالسيئات والمكروهات إلاّ الله والله أعلم حيث يجعل رسالته:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [يونس: 107].