الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - قيمة العلم والعلماء
قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11].
وقال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 18].
أشرف العلوم على الإطلاق هو علم التوحيد، وأنفعها علم أحكام أفعال العبيد.
ولا سبيل إلى الحصول على هذين النورين إلا من مشكاة من قامت الأدلة القاطعة على عصمته، وصرح الكتاب العزيز بوجوب طاعته ومتابعته، الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه إن هو إلا وحي يوحى، محمد صلى الله عليه وسلم.
وأول ما نزل من القرآن أوائل سورة العلق، وقد ذكر الله فيها ما منّ به على الإنسان من تعليمه ما لم يعلم، وتفضيله الإنسان بما علمه إياه كما قال سبحانه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 1 - 5].
وطلب العلم فريضة على كل مسلم.
فالإيمان فرض على كل أحد، وهو مركب من علم وعمل، فلا يتصور وجود الإيمان إلا بالعلم والعمل، وشرائع الإسلام واجبة على كل مسلم، ولا يمكن أداؤها إلا بعد معرفتها والعلم بها.
وعبادة الله واجبة على كل إنسان ولا يمكن أداؤها إلا بالعلم.
والعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له، وأكملهم طاعة له.
وليس العلم كله وسيلة مرادة لغيرها، فإن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم، وهو مطلوب لنفسه مراد لذاته، كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12].
فالعلم بوحدانية الله تعالى، وأنه لا إله إلا هو، مطلوب لذاته، وإن كان لا يكتفى به وحده، بل لا بد معه من عبادته وحده لا شريك له، وكما أن عبادته سبحانه مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته.
وكمال العبد الذي لا كمال له إلا به أن تكون حركاته موافقة لما يحبه الله منه ويرضاه له، ولا يتم ذلك إلا بالعلم، ولهذا جعل اتباع رسوله دليلاً على محبته كما قال سبحانه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31].
وأشقى الناس وأخسرهم من لا يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرفه.
وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم وشرفهم بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه منقبة لهم دون غيرهم كما قال سبحانه {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)} [العنكبوت: 49].
وأخبر سبحانه أن أهل العلم يرون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق كما قال سبحانه: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)} [سبأ: 6].
وأمر سبحانه بسؤال أهل العلم والرجوع إليهم فيما يشكل كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43].
وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزل على الأنبياء والرسل.
وأخبر سبحانه أن الأمثال المضروبة في القرآن لا ينتفع بها إلا العلماء كما قال سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43].
ومما يدل على قيمة العلم والعلماء، أن الله شهد لمن آتاه الله العلم بأنه آتاه خيراً كثيراً كما قال سبحانه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة: 269].
وأفضل منازل الخلق عند الله منزلة النبوة والرسالة، فهم الوسائط بين الله وخلقه، في إبلاغ رسالاته، والتعريف به وبأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه، فهم أكمل الخلق علوماً وأعمالاً، وأشرفهم أخلاقاً.
وجعل أشرف مراتب الناس بعدهم مرتبة خلافتهم ونيابتهم في أممهم وهم العلماء، الذين يقومون بتعليم الأمة، وإرشاد الضال، وتعليم الجاهل، ونصر المظلوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهؤلاء أفضل أتباع الأنبياء، وهم ورثتهم حقاً دون الناس:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء: 69].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ» أخرجه مسلم (1).
والنجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وكذلك العلماء يهتدى بعلمهم في ظلمات الجهل والبدع.
والنجوم زينة للسماء، وكذلك العلماء زينة للأرض.
وكذلك النجوم رجوم للشياطين الذين يسترقون السمع ويكذبون على الخلق، فكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس والجن.
فقد جعلهم الله حراساً لدينه، وحفظة لشريعته، ورجوماً لأعدائه وأعداء رسله.
والعلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه الملك ولا المال ولا غيرهما.
وطلب العلم له أربع حالات:
فمن طلب العلم لله فهذا بأرفع المنازل .. ومن طلب العلم للدنيا فقط فهو آثم .. ومن طلب العلم لله وللدنيا فهذا ينقص أجره ولا إثم عليه .. ومن طلبه رياء فهو
(1) أخرجه مسلم برقم (2699).
آثم.
وأقرب الناس من درجة النبوة العلماء وأهل الجهاد.
فالعلماء دلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأهل الجهاد جاهدوا على ما جاءت به الرسل.
ومن فوائد العلم أنه يثمر اليقين الذي هو أعظم حياة للقلب، وبه طمأنينته وقوته ونشاطه، ولهذا مدح الله أهله في كتابه كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)} [البقرة: 4].
واليقين والمحبة هما ركنا الإيمان، وعليهما ينبني، وبهما قوامه، وهما يمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، ويثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم.
وبالعلم يعرف الإنسان مداخل الشيطان ومكايده في إفساد بني آدم، ولهذا جاء ذكر الشيطان في القرآن كثيراً جداً، لحاجة النفوس إلى معرفته لئلا يخدعها ويغرها، فتقع في حبائل مكره وكيده.
وقد أخبر الله آدم بعداوته من أول يوم فقال سبحانه: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} [طه: 117].
ونعمة العلم من أفضل النعم على العباد، وقد ذكر الله سبحانه فضله ومنته على أنبيائه ورسله وعباده بما آتاهم من العلم.
فذكر نعمته على خاتم أنبيائه ورسله بقوله: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} [النساء: 113].
وذكر سبحانه عباده المؤمنين بنعمة العلم وأمرهم بشكرها وأن يذكروه على إسدائها إليهم فقال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} [البقرة: 151، 152].
والجهاد نوعان:
جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير.
وجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة من العلماء، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه من الكفار والمنافقين كما قال سبحانه:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 51، 52].
والجزاء من جنس العمل، فمن سلك طريقاً يطلب فيه حياة قلبه، ونجاته من الهلاك، سلك الله به طريقاً إلى الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ» أخرجه مسلم (1).
وقد نفى سبحانه التسوية بين أهل العلم وغيرهم فقال سبحانه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزمر: 9].
وثواب العلم لا ينقطع، وهذا من أعظم الأدلة على شرف العلم وفضله وعظيم ثمرته، فإن ثوابه يصل إلى الرجل بعد موته ما دام ينتفع به، فكأنه حي لم ينقطع عمله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَاّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه» أخرجه مسلم (2).
وقد حصر الله خشيته في العلماء، وكفى بخشية الله علماً، فأهل العلم الإلهي هم أهل خشيته سبحانه كما قال عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر: 28].
(1) أخرجه مسلم برقم (2699).
(2)
أخرجه مسلم برقم (1631).
ولأهمية العلم وشرفه أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب المزيد منه فقال سبحانه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114].
ولا ينبغي لأحد أن يحسد أحداً حسد غبطة ويتمنى مثل حاله من غير أن يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في اثنتين: وهي الإحسان إلى الناس بعلمه أو بماله، وما عدا هذين فلا ينبغي غبطته ولا تمني مثل حاله، لقلة منفعة الناس به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (1).
وقيمة الشيء ترتفع بقدر ما فيه من المنافع، وبقدر ما فيه من الصفات، وكذلك قيمة المسلم عند الله ترتفع بقدر ما فيه من المنافع والصفات الإيمانية كما قال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11].
وكمال المسلم بإصلاح نفسه، وإصلاح غيره.
فالداعية: كالنهر يجري في كل مكان، ويكون سبباً لنبات الزروع والأشجار، وكالشمس تجري ويدخل ضوؤها في كل مكان.
والعالم: كالمصباح يستفيد منه كل من اقترب منه، وكالبئر يؤمه الناس ليرتووا منه، وفي كل خير.
وإذا كان الداعي يجتهد على الكفار والشاردين خارج المسجد، والعالم يعلم الناس أحكام الدين داخل المسجد، امتلأت الدنيا نوراً، وازدانت بأهل الإيمان والعلم والتقوى، وفتحت عليها بركات السماء والأرض:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5026)، ومسلم برقم (816) واللفظ له.
وبقدر توجه السامع الله يلهم المتكلم، فإن أعرض الناس عنه بقلوبهم التبس عليه الأمر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ خلفه أحد الصحابة في الصلاة:«مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» أخرجه أبو داود والترمذي (1).
والعلماء قسمان:
1 -
أهل الإيمان والتقوى وهم العلماء بالله وأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه، فهؤلاء في أعلى الدرجات، وهم ورثة الأنبياء.
2 -
علماء السوء، وهؤلاء كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب، وتبقى فيه النخالة، وتخرج من أفواههم الحكمة، ويبقى الغل في صدورهم، العلم يخرج من أفواههم، وأجوافهم منه مقفرة.
فهؤلاء يأكلون الدنيا بالدين، ويقولون على الله غير الحق، فهم أول من تسعر بهم النار؛ لأنهم ضلوا وأضلوا غيرهم.
وطلب العلم الشرعي وتعليمه فرض عين على كل من أعطاه الله فهماً وحفظاً، ولا يقال للعالم رباني حتى يكون عالماً معلماً عاملاً.
فالعالم الرباني سبب لبقاء أعمال الدين وأدائها على الوجه الصحيح، كما أن الداعي سبب لبقاء الدين ذاته وكثرة الداخلين فيه.
وكما وكل الله الشمس بالإنارة في العالم كله كذلك وكل الله المسلمين بنشر الهداية في العالم كله.
فالدعاة إلى الله يدعون البشرية إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والعلماء يعلمون الناس كيف يعبدون الله وحده لا شريك له.
فما أحوج البشرية إلى هؤلاء وهؤلاء.
وما أعظم أثرهم على البلاد والعباد.
(1) صحيح: أخرجه أبو داود برقم (826) وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود (736) وأخرجه الترمذي برقم (312)، صحيح سنن الترمذي رقم (257).
وما أعظم أجورهم وأكثر حسناتهم.
فالدعاة والعلماء ورثة الأنبياء، ويجب عليهم من البيان ما وجب على الأنبياء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً» أخرجه مسلم (1).
(1) أخرجه مسلم برقم (2674).