الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - فقه الاستعانة
قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
وقال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} [البقرة: 45].
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.
وقد ذكر الله سبحانه الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع أعماله وعباداته إلى الاستعانة بالله تعالى.
فإنه إن لم يعنه لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي.
فهو سبحانه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
وقد أمرنا الله عز وجل بالاستعانة بالصبر والصلاة على جميع الأمور.
ففي الصبر بجميع أنواعه -وهي الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، في الصبر على ذلك كله- معونة عظيمة على كل أمر من الأمور.
وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان وعلامته، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور.
وقلب الإنسان يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف وهما: الرياء، والكبر.
فدواء مرض الرياء بـ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5].
ودواء مرض الكبر بـ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
فإذا عوفي العبد من مرض الرياء بـ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ومن مرض الكبرياء والعجب بـ:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} ، ومن مرض الضلال والجهل بـ:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة: 6]، فقد عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم، الذين عرفوا الحق واتبعوه، غير المغضوب عليهم، وهم أهل فساد القصد كاليهود الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه، والضالين، وهم أهل فساد العلم كالنصارى الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه، فهم يعمهون في الضلال.
فالذين كملت نعم الله عليهم هم الذين جمعوا بين معرفة الحق لذاته، والخير لأجل العمل به وهم المؤمنون.
فإن اختل قيد العمل فهم الفسقة وهم المغضوب عليهم كاليهود، وإن اختل قيد العلم فهم الضالون كالنصارى.
ولا يمكن للعبد أن يعبد ربه إلا بتوفيقه وعونه، فلا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله.
فالله وحده خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وإلقاء الداعية في القلب، وإزالة الدواعي المعارضة لها ليست إلا من الله تعالى، ولا معنى للإعانة إلا ذلك.
والاستعانة هي طلب العون من الله تبارك وتعالى.
ويطلب من المخلوق ما يقدر عليه من الأمور.
وكل عبد مجبول على أن يقصد شيئاً ويريده، ويستعين بشيء ويعتمد عليه في تحصيل مراده، وصلاح العبد في عبادة الله والاستعانة به، ومضرته وهلاكه وفساده في عبادة غير الله والاستعانة بما سواه.
والإنسان ضعيف عاجز محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات.
فمن حقق الاستعانة بالله في ذلك كله أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله
واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولاً؛ لأنه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعاً إلا الله عز وجل.
فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المذموم المخذول كما قال سبحانه:{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء: 22].
والاستعانة حال للقلب ينشأ من معرفته بالله تعالى، والإيمان بتفرده بالخلق والتدبير، والضر والنفع، والعطاء والمنع، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فيوجب للعبد ذلك اعتماداً على ربه، واستعانةً به، وثقةً به، ويقيناً بكفايته.
والاستعانة تجمع أصلين:
الثقة بالله .. والاعتماد عليه.
فالعبد قد يثق بالواحد من الناس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقثه به لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به.
والله عز وجل هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو المعبود المستعان في كل أمر كما قال سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
والاستعانة جزء من العبادة، والعبادة حق الله الذي أوجبه على عباده، والاستعانة طلب العون على العبادة، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة له من الله أعظم.
والاستعانة بالله لها وجهان:
أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوي دواعيه، ويسهل الفعل عليه.
الثاني: أن يطلب باستعانته بقاء كونه قادراً على طاعة ربه مستقبلاً، بأن تجدد له القدرة حالاً بعد حال.
والناس في العبادة والاستعانة أربعة أقسام:
الأول: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهؤلاء أجل الأقسام وأفضلهم.
الثاني: أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة بالله، وهؤلاء هم شر البرية.
الثالث: من له نوع عبادة بلا استعانة أو باستعانة ناقصة، فهؤلاء لهم نصيب من التوفيق والنفوذ بحسب استعانتهم وتوكلهم، ولهم من الخذلان والضعف والمهانة والعجز بحسب قلة استعانتهم.
الرابع: الذين يشهدون تفرد الله بالنفع والضر، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولم يدوروا مع ما يحبه الله ويرضاه، ومع ذلك توكلوا عليه واستعانوا به على حظوظهم وشهواتهم، فهؤلاء لا عاقبة لهم، وما أعطوه من جنس الملك الظاهر والأموال التي لا تستلزم الإسلام فضلاً عن الولاية والقرب من الله تعالى.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.