الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - فقه التبتل
قال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} [المزمل: 8].
وقال الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 98، 99].
التبتل: هو الانقطاع إلى الله بالكلية، والانفصال بالقلب عن الخلائق.
والتبتل على أربع درجات:
الدرجة الأولى: انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله خوفاً منه، أو رغبة فيه، أو فكراً فيه، بحيث يشغل قلبه عن الله.
ثم اتصال القلب بالله، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له حباً له، وخوفاً منه، ورجاء له، وإنابة إليه، وتوكلاً عليه.
والذي يعين على ذلك حسم مادة رجاء الخلق من القلب، والرضا بحكم الله عز وجل، فمن رضي بحكم الله وقسمه لم يبق لرجاء الخلق في قلبه موضع.
ويحسم مادة الخوف من الخلق التسليم لله، فإن من سلَّم نفسه لله واستسلم له، علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه نصيب.
فإنه قد سلَّم نفسه إلى وليها ومولاها، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، فلا معنى للخوف من غير الله بوجه، وإذا سلَّمها لله فقد أودعها عنده حيث لا تنالها يد عدو، ولا باغ مهما كان.
وكذلك يرى كل شيء من الله وبالله، وفي قبضته، وتحت قهره، فلا يتحرك شيء إلا بأمره، ولا يسكن إلا بأمره، ولا يتغير شيء إلا بحوله وقوته، ولا ينفع ولا يضر أحد إلا بإذنه وعلمه.
فلا يبالي العبد بما سوى الله بعد هذا الشهود، وبذلك ينقطع عن الخلق، ويتصل بالخالق.
الثانية: الانقطاع عن النفس بمجانبة الهوى، وتنسم روح الأنس بالله عز وجل، فالنفس لا بدَّ لها من التعلق، فلما انقطع تعلقها من هواها وجدت روح الأنس بالله، فأبصرت جمال وجلال معبودها، وطريقة الوصول إليه، وما أعده من النعيم لأوليائه.
وأدركت عيوب النفس وآفات الأعمال ومفسداتها، فانقطعت لربها ومولاها، الذي هو نعم المولى ونعم النصير.
الثالثة: الإعراض عما سوى الله، ولزوم الإقبال عليه، والاشتغال بمحابه، فلما كانت الدرجة الأولى انقطاعاً عن الخلق، والثانية انقطاعاً عن النفس، فالثالثة طلباً للسبق، وذلك بتصحيح الاستقامة بالإقبال على الله، وأن يشغله طلب الوصول إليه عن كل شيء، ويعلم أن قيام الخلق كلهم بالحق وحده، وقيامه عليهم بالربوبية والتدبير والتصريف.
الرابعة: انقطاع العبد عن مراده من ربه إلى مراد ربه منه، فلا يريد منه، بل يريد ما يريده الله منه من عبادته، وطاعته وتوحيده، منقطعاً بذلك عن كل إرادة.
فيعبد ربه بما شرع، ويستعين به في جميع أموره، ويوحده بذلك كله، مريداً بذلك وجهه، منقطعاً بذلك عن كل حظ ومراد يزاحم حق ربه ومراده.
فالتبتل معناه: الانقطاع إلى الله بالكلية بعيداً عن ملاحظة الأعواض، فالمتبتل ليس كالأجير الذي لا يخدم إلا لأجل الأجرة، فإذا أخذها انصرف عن باب المستأجر، بخلاف العبد فإنه يخدم بمقتضى عبوديته لا من أجل الأجرة {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 98، 99].