الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - فقه التفويض
قال الله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)} [غافر: 44].
التفويض: أن يتبرأ العبد من الحول والقوة، ويفوض الأمر إلى الله.
والتوكل أوسع من التفويض، ولا يستقيم مقام التوكل إلا بالتفويض، فإنه إذا فوض أمره إلى الله اعتمد بقلبه كله عليه بعد تفويضه.
والتفويض على ثلاث درجات:
الأولى: أن يعلم العبد أنه لا يملك قبل عمله استطاعة، فلا يأمن من مكر، ولا ييأس من معونة، ولا يعول على نية.
فاستطاعة العبد بيد الله لا بيده، فهو مالكها دونه، إن لم يعطها له فهو عاجز، فهو لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه، فكيف يأمن العبد المكر وهو محرَّك لا محرِّك.
يحركه من حركته بيده، فإن شاء ثبطه وأقعده مع القاعدين كما قال فيمن منعه هذا التوفيق:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)} [التوبة: 46].
فهذا مكر الله بالعبد، أن يقطع عنه مواد توفيقه، ويخلي بينه وبين نفسه، ولا يبعث دواعيه، ولا يحركه إلى مراضيه ومحابه.
وليس هذا حقاً على الله فيكون ظالماً بمنعه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6311) واللفظ له، ومسلم برقم (2710).
هو مجرد فضله الذي يحمد على بذله لمن بذله، وعلى منعه لمن منعه إياه، فلله الحمد على هذا وعلى هذا.
وإذا كان الله تبارك وتعالى هو الذي تفرد بخلقه ورزقه، وهو أرحم الراحمين فكيف ييأس من معونته له.
وكذلك لا يعول على نيته وعزمه ويثق بها، فإن نيته وعزمه بيد الله تعالى لا بيده، وهي إلى الله لا إليه، فلتكن ثقته بمن هي في يده حقاً، لا بمن هي جارية عليه حكماً.
الثانية: أن يرى ضرورته وفاقته وحاجته التامة إلى الله، فنجاته إنما هي بالله لا بعلمه ولا بعمله، فلا يرى عملاً منجياً، ولا يرى ذنباً مهلكاً، بل يرى فضل الله، وسعة مغفرته ورحمته.
ومشاهدة شدة ضرورته وفاقته إليه يوجب له أن لا يرى ذنباً مهلكاً، ويمنعه من اقتحام الذنوب المهلكة.
ولا يرى سبباً حاملاً، بل الحامل له هو الحق تعالى لا الأسباب التي يقوم بها، فإنه وإياها محمولان بالله وحده.
الثالثة: شهود تفرد الحق بملك الخلق والأمر، والحركة والسكون، والقبض والبسط، فيشهد حركات العالم وسكونه صادرة عن الحق تعالى في كل متحرك وساكن، فيشهد تعلق الحركة باسمه الباسط، وتعلق السكون باسمه القابض، فيشهد تفرده سبحانه بالبسط والقبض.