الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - فقه البسط
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28].
وقال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} [الزمر: 22].
البسط: إرسال ظواهر العبد وأعماله على مقتضى العلم، ويكون باطنه مغموراً بالمراقبة والمحبة والأنس بالله، فيكون جماله في ظاهره وباطنه.
فظاهره قد اكتسى الجمال بموجب العلم، وباطنه قد اكتسى الجمال بالمحبة والرجاء، والخوف والمراقبة والأنس.
وقد جمع الله عز وجل بين جمال الظاهر والباطن في غير موضع كقوله سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف: 26].
والله تبارك وتعالى هو الذي يحيي قلوب أوليائه وأرواحهم بإكرامه، ولطفه وبسطه، وهؤلاء بسطهم الحق سبحانه على لسان رسوله، وبسطهم هو ما كان عليه أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام مع القريب والبعيد من سعة الصدر، ودوام البشر، وحسن الخلق، والسلام على من لقيه، والمزاح بالحق مع الصغير والكبير أحياناً، ولين الجانب.
وأهل البسط ثلاث طوائف:
فطائفة بسطت رحمة للخلق، جعل الله انبساطهم مع الخلق رحمة لهم كما قال سبحانه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].
فالله عز وجل بسط هؤلاء مع خلقه ليقتدي بهم السالك، ويهتدي بهم الحيران،
ويشفى بهم العليل، ويستضاء بنور هدايتهم ونصحهم، يقتدي بهم إذا سكتوا، وينتفع بهم إذا نطقوا.
فحركاتهم وسكناتهم، ونطقهم وسكوتهم لما كان بالله ولله وعلى أمر الله .. جذبت قلوب الصادقين إليهم، وهذا النور الذي أضاء على الناس منهم هو نور العلم والمعرفة.
والعلماء ثلاثة:
عالم استنار بنور العلم، واستنار به الناس، فهذا من خلفاء الرسل، وورثة الأنبياء.
وعالم استنار بنوره، ولم يستنر به غيره، فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه، فبينه وبين الأول ما بينهما.
وعالم لم يستنر بنوره، ولا استنار به غيره، فهذا علمه وبال عليه، وبسطته للناس فتنة لهم، وبسطة الأول رحمة لهم.
وطائفة بسطت لقوة معاينتهم، وثبات مناظر قلوبهم، ورؤية ربهم في جميع أوقاتهم وأحوالهم.
وطائفة بسطت أعلاماً على الطريق، وأئمة للهدى، ومصابيح للسالكين، فهذه الفرقة أعلى مما قبلها؛ لأنها اتصفت بما اتصفت به الأولى من الأعمال، واتصفت بما اتصفت به الثانية من الأحوال.
وزادت عليهما بالنفع للسالكين، والهداية للحائرين، والإرشاد للطالبين، فاهتدى بهم الحائر، واستقام بهم المعوج، وأقبل بهم المعرض، وكمل بهم الناقص.
وهؤلاء هم خلفاء الرسل، وهم أولو البصر واليقين، فجمعوا بين البصيرة والبصر كما قال سبحانه:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24].
فلا يستوي من شرح الله صدره للإسلام فاتسع لتلقي أحكام الله، والعمل بها،
قرير العين، مسرور القلب، ومن قلبه قاسٍ حجري لا يلين لكتابه، ولا يتذكر بآياته، ولا يطمئن بذكره:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} [الزمر: 22].
فما أعظم من شرح الله صدره للإسلام، وما أعظم ضلال من أعرض عن ربه ومولاه، ومَنْ كل السعادة في طاعته والإقبال عليه.