الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - أقسام العلم
قال الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)} [البقرة: 31، 32].
وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام: 104].
العلم: نقل صورة المعلوم من الخارج، وإثباتها في النفس.
والعمل: نقل صورة علمية من النفس، وإثباتها في الخارج.
والعلوم باعتبار منفعتها نوعان:
الأول: علم تكمل النفس بإدراكه والعلم به، وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ووعده ووعيده، وكتبه وأمره ونهيه.
الثاني: علم لا يحصل للنفس به كمال، وهو كل علم لا يضر الجهل به، فإنه لا ينفع العلم به، كدقائق علم الفلك ودرجاته، وعدد الكواكب ومقاديرها، ونحو ذلك.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.
والعلوم باعتبار مصدرها تنقسم إلى قسمين:
علوم شرعية .. وعلوم غير شرعية.
فالعلوم الشرعية: هي ما استفيد من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي قسمان:
منها ما يتعلق بالقلوب كالإيمان والتوحيد، والخوف والرجاء، والمحبة والتوكل ونحو ذلك.
ومنها ما يتعلق بالجوارح وهو علم المسائل والأحكام كالعلم بكيفية العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك.
والعلوم التي ليست بشرعية ثلاثة أقسام:
علم محمود .. وعلم مذموم .. وعلم مباح.
فالعلم المحمود: ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب، فالطب ضروري لبقاء الأبدان وسلامتها، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله، وأعد الأسباب لتعاطيه، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله، وهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وهو أفضل العلوم بعد علم الشرع، وفيه أجر بحسب نية صاحبه.
وكذلك الحساب، فإن تعلمه ضروري في المعاملات والبيوع، وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها، وهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الفرض عن الباقين.
فهذه العلوم وغيرها من أصول الصناعات كالفلاحة والخياطة والحياكة ونحوها مما يحتاجه عموم الناس في حياتهم، لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وتعرضوا للهلاك، وهي فرض كفاية.
فلا يجوز إهمالها لما فيها من منافع للناس في معاشهم، لكن نتعلم منها، ونعلم بقدر الحاجة فقط.
وأما المذموم منه: فعلم السحر والكهانة والشعوذة ونحوها مما يفسد البلاد والعباد والأخلاق.
وأما المباح منه: فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار والأحداث ونحو ذلك.
والعلوم باعتبار ذاتها ثلاثة أقسام:
قسم محمود قليله وكثيره .. وكلما كان أكثر كان أحسن وأفضل .. وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وخزائنه ووعده ووعيده.
وقسم مذموم قليله وكثيره .. وهو ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا، إذ فيه ضرر يغلب نفعه كعلم السحر والكهانة والنجوم ونحو ذلك.
وقسم يحمد منه مقدار الكفاية، ولا يحمد الفاضل عليه، والاستقصاء فيه، وهو علم الطب والحساب، وأصول الصناعات ونحوه من فروض الكفايات.
وأنواع العلم خمسة:
علم هو حياة الدين وأصله: وهو علم التوحيد.
وعلم هو غذاء الدين: وهو علم الإيمان، والتذكر، والتفكر في الآيات القرآنية والآيات الكونية.
وعلم هو دواء الدين: وهو علم المسائل، وعلم الفتوى، فإذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه بحكمها.
وعلم هو داء الدين: وهو الكلام المحدث، والقول على الله بلا علم.
وعلم هو هلاك الدين: وهو علم السحر والكهانة ونحوهما.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون الدين، فإذا ذهبوا إلى بيوتهم صاروا معلمين لأهلهم الدين، فإذا خرجوا إلى الأسواق والبلاد كانوا دعاة ومبلغين للدين، فإذا كانوا في ميدان الجهاد كانوا مجاهدين يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
والعلم الشرعي له شعبتان:
فضائل .. ومسائل.
فمذاكرة الفضائل تولد الشوق والطلب والرغبة لامتثال أوامر الله، وأوامر رسوله، وهي من الإيمان، ونتعلمها قبل الأحكام، فإن القلوب تتأثر من كلام الله ورسوله، وبها تُعرف قيمة الأعمال، فتتحرك الجوارح لأداء الطاعات بالرغبة والشوق.
والمسائل: هي الأحكام التي نتعلمها، ونعمل بها، ونعلمها للناس، والقصد من معرفتها أن تكون جميع أعمالنا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن الذين أوتوا العلم والإيمان، أرفع من الذين أوتوا الإيمان فقط، والعلم الممدوح هو الذي ورثه الأنبياء لأممهم، وهذا العلم ثلاثة أقسام:
الأول: العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص، وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر.
والناس في العلم بذلك متفاوتون، فمستقل ومستكثر ومحروم، والله عليم حكيم {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة: 269].
الثاني: العلم بما أخبر الله تعالى به مما كان من الأمور الماضية، أو ما يكون من الأمور المستقبلة والحاضرة، وفي مثله أنزل الله قصص الأنبياء مع أممهم، وأخبار اليوم الآخر، وما فيه من الوعد والوعيد ووصف الجنة والنار.
الثالث: العلم بما أمر الله به، وما نهى عنه، من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله، ومن معارف القلوب وأحوالها، وأحوال الجوارح وأعمالها، وهو دين الله وشرعه لعباده.
والعلم من حيث الحصول عليه ثلاث درجات:
الأولى: علم جلي، وهو ما يدرك بالحواس كالسمع والبصر والعقل، وهي طرق العلم وأبوابه، وكذلك ما يدرك بخبر الصادق، وما يحصل بالفكر والاستنباط.
والفرق بين العلم والمعرفة، أن المعرفة لب العلم، ونسبة العلم إليها كنسبة الإيمان إلى الإحسان.
الثانية: علم خفي، ينبت في القلوب الطاهرة من كدر الدنيا، والاشتغال بها، وفي الأبدان الزاكية التي زكت بطاعة الله، ونبتت على أكل الحلال.
فمتى خلصت الأبدان من الحرام، وطهرت الأنفس من علائق الدنيا، زكت أرض القلب، فقبلت بذر العلوم والمعارف.
الثالثة: علم لدني، وهو ما يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله، وتعريف منه لعبده.
والعلم اللدني: ثمرة العبودية والمتابعة، والصدق مع الله، والإخلاص له، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله، والانقياد له، فيفتح الله له من فهم
الكتاب والسنة بأمر يخصه به.
فالعلم اللدني الرحماني هو ثمرة هذه الموافقة والانقياد، والمحبة التي أوجبها التقرب بالنوافل بعد الفرائض.
واللدني الشيطاني: هو ثمرة الإعراض عن الوحي، وتحكيم الهوى والنفس والشيطان.
والعلماء ثلاثة أقسام:
الأول: عالم بالله، وبأمر الله، فهذا في أعلى الدرجات.
الثاني: عالم بالله، غير عالم بأمر الله.
الثالث: عالم بأمر الله، غير عالم بالله.
أما الأول فهو الذي عرف ربه وعظمته وجلاله، وعرف أحكام دينه وشرعه، فهذا سبيل الأنبياء والصديقين.
وعلامته أن يكون دائم الذكر لربه، خائفًا منه، مستحيًا منه، عابدًا له، مطيعًا له، محبًا له، معظماً له.
وهو أعلى وأفضل مما بعده، لكونه معلمًا للقسمين بعده، وكونه بحيث يحتاجان هما له، ويستغني هو عنهما.
وأما الثاني فهو الذي استولت المعرفة الإلهية على قلبه، فهو يرى عظمة الله وكبرياءه فلا يتفرغ لتعلم الأحكام إلا ما لا بد منه.
وأما الثالث فهو الذي عرف الحلال والحرام، وحقائق الأحكام، لكنه لا يعرف أسرار جلال الله وعظمته وجماله وحقوقه على عباده.
ومعرفة الله سبحانه نوعان:
أحدها: معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها جميع الناس، البر والفاجر، والمطيع والعاصي، كما قال سبحانه:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)} [الأعراف: 172].
الثاني: معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وخشيته، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، والتوكل عليه وحده، والناس فيها متفاوتون.
ولهذه المعرفة بابان واسعان:
الأول: باب التفكر والتأمل في آيات القرآن، والفهم الخاص عن الله ورسوله.
الثاني: باب التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمة الله فيها، ومعرفة عظمته في بديع صنعها.
وجماع ذلك: الفقه في أسمائه وصفاته سبحانه، والفقه في أوامره ونواهيه، والفقه في قضائه وقدره، فمن أوتيه فليحمد الله بالعمل به، والدعوة إليه:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4].
ومن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم الرسل بآيات تبين الحق وتظهره، وتوضح المشكل، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار، يرى بها الإنسان كل شيء جليًا كما قال سبحانه:{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام: 104].
فيا أيها الإنسان .. عش ما شئت فإنك ميت .. وأحبب من شئت فإنك مفارقه .. واعمل ما شئت فإنك ملاقيه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25، 26].
وكمال الإنسان لا بذاته، بل بإيمانه وعلمه وعمله، وأشرف العلوم وأجلّها وأكملها وأزكاها:
العلم بالله وأسمائه وصفاته .. والعلم بدينه وشرعه.
فالأول معرفة المعبود، والثاني معرفة ما يتقرب به العبد إلى المعبود، ولا بدَّ لكل عبد من هذا وهذا كل يوم.
الأول فيه غذاء قلبه وروحه، والثاني فيه عبودية بدنه وجوارحه.
وبذلك يكمل ظاهر الإنسان وباطنه، وسره وعلانيته، وقلبه وبدنه، ويسعد في
دنياه وآخرته.
والعلوم الشرعية تنقسم إلى قسمين:
علوم خبرية اعتقادية .. وعلوم طلبية عملية
فالأول: كالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بملائكته وكتبه ورسله، والعلم باليوم الآخر، وما فيه من البعث والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، ونحو ذلك.
الثاني: العلوم العملية الطلبية، وهي ما يتعلق بأعمال القلب والجوارح من الأحكام، من الأركان والواجبات، والسنن والمستحبات، والمحرمات والمكروهات، والمباحات.