الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - فقه النية
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِه فَهجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمنْ كانََتْ هجرتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» متفق عليه (1).
النية: هي عزم القلب على شيء ما خيرًا كان أو شرًا، ومحلها القلب.
وتطلق شرعًا على الإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء وجه الله تعالى.
والنية شرط لقبول الأعمال، فكل عمل لا قيمة له عند الله إلا بنية.
والناس في نياتهم متفاوتون:
فمنهم من يكون عمله للطاعات، وتركه للمعاصي إجابة لباعث الخوف من الله عز وجل.
ومنهم من يكون عمله إجابة لباعث الرجاء من الله.
ومنهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف والرجاء معًا، وهذا أكمل، كما قال سبحانه:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزمر: 9].
وثمة مقام أرفع من هذين: وهو أن يعمل الطاعة على نية جلال الله، لاستحقاقه الطاعة والعبودية، وهذه أعز النيات وأعلاها، وقليل من يفهمها فضلاً أن يتعاطاها:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].
والنية: هي انبعاث النفس وميلها إلى ما ظهر لها أنه مصلحة لها في الحال أو في المآل.
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1)، واللفظ له، ومسلم برقم (1907).
وكل إنسان مسؤول عن نيته وعمله كما قال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36].
والله عز وجل عليم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو مطلع على نية الإنسان المضمرة في صدره، وسيحاسب كل امرئ بما نوى:{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران: 29].
والنية تنقسم إلى قسمين:
الأولى: نية العمل، بأن ينوي الوضوء أو الغسل أو الصلاة مثلاً.
الثانية: نية المعمول له، وهو الله عز وجل فينوي بالوضوء أو الغسل أو الصلاة أو غيرها التقرب إلى الله وحده.
والنيتان مطلوبتان في كل عمل، لكن الثانية أهم من الأولى.
والنية في العمل لها أربعة أحوال:
الأول: أن يكون أصل الباعث له على العمل طاعة الله عز وجل، دون حصول أي مصلحةٍ دنيويةٍ وراء تلك الطاعة، فهذا عمله مقبول، وهذه أعلى المراتب عند الله عز وجل.
الثاني: أن يقصد بالعمل الدنيا فقط، ولا ينوي شيئاً من الآخرة:
فهذا عمله مردود، وهذا صنيع أهل النفاق:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142].
الثالث: أن يستوي عنده قصد الدنيا، وقصد الآخرة، فلا اعتبار لهذا العمل عند الله.
قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا
أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَ» أخرجه مسلم (1).
الرابع: أن يكون الباعث له على العمل هو نية الآخرة، ونية الدنيا حصلت تبعاً، فهذا لا يؤثر، وهو مأجور كما قال سبحانه:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)} [البقرة: 198].
والأعمال الظاهرة لها ميزان .. والأعمال الباطنة لها ميزان.
فميزان الأعمال الباطنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يتزوجها، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» متفق عليه (2).
وميزان الأعمال الظاهرة قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدُّ» متفق عليه (3).
فالأول يدل على وجوب الإخلاص، والثاني يدل على وجوب المتابعة، ولا يقبل الله العمل إلا إذا كان خالصًا لله، صوابًا على سنة رسول الله، موزونًا بما سبق كما قال سبحانه:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].
ولما كانت الأعمال بالنيات، فعلينا أن نوسع النية، لنحصل على الأجور الكثيرة، فإن الله واسع عليم.
ففي العبادة: ننوي القيام بالفرائض والنوافل، والسنن والمستحبات، إلى قيام الساعة، ونقوم بما نستطيع حسب الطاقة.
وفي الدعوة: ننوي هداية العالم، والله عز وجل يعطينا الأجر على قدر النية،
(1) أخرجه مسلم برقم (2985).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1)، واللفظ له، ومسلم برقم (1907).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697)، ومسلم برقم (1718) واللفظ له.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت نيته هداية العالم، ودعوتهم إلى الله، ولكنه لم يخرج من الجزيرة العربية، ولكن الله كتب له أجر كل من دخل في الإسلام إلى يوم القيامة.
وفي العلم: ننوي طلب العلم إلى يوم القيامة، وننوي تعليم الأمة ما جاء عن الله ورسوله من السنن والأحكام والآداب ابتغاء وجه الله، والله يعطينا الأجر على قدر النية.
وهكذا في باقي الأعمال، ننوي الاستعداد للقيام بأي عمل، فإذا قمنا به كان لنا الأجر بالعمل، والباقي بالنية.
فالنية أساس الأمر وعموده وأساسه، وأصله الذي يبنى عليه، فهي روح العمل وقائده وسائقه وحامله، والعمل تابع لها مبني عليها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها.
وبحسب النية تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.
فكم بين مريد بالفتوى مثلاً وجه الله ورضاه، والقرب منه وما عنده من الثواب، ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته، وما يناله منه خوفًا أو طمعًا، أو يطلب بها الرئاسة والشهرة.
فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة، أو يصليان الصلاة الواحدة، أو يؤديان الزكاة الواحدة، أو يقدمان النصيحة الواحدة، وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6491)، واللفظ له، ومسلم برقم (131).
بين المشرق والمغرب.
هذا نيته أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع، راغبًا في ثواب ربه، طالبًا مرضاته.
وذلك نيته أن يكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه، وجاهه هو القائم، سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما.
لكن من سنة الله سبحانه أن يلبس المخلص من المهابة والنور، والمحبة في قلوب الخلق، وإقبال قلوبهم إليه، ما هو بحسب إخلاص العبد ونيته ومعاملته لربه.
ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور، من المقت والمهانة والبغضاء ما هو اللائق به بحسب نيته.
والله عز وجل وضع الأقوال والأفعال بين عباده تعريفًا ودلالةً على ما في نفوسهم، فإذا أراد الإنسان من أخيه شيئًا عرف بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتب سبحانه على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ.
ولم يرتب الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة قول أو فعل، ولا على مجرد ألفاظ المتكلم بها لم يرد معانيها، ولم يحط بها علمًا.
بل تجاوز للأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به.
وتجاوز لها عما تكلمت به أو عملته مخطئة أو ناسية أو مكرهة أو غير عالمة به، إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به أو قاصدة إليه.
قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
ولما نزلت هذه الآية قال الله: «قَدْ فَعَلْتُ» أخرجه مسلم (1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَتَكَلَّمْ» متفق عليه (2).
(1) أخرجه مسلم برقم (126).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5269) واللفظ له، ومسلم برقم (127).
فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم، وهذا من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته، فإن خواطر القلوب، وإرادات النفوس، لا تدخل تحت الاختيار، فلو ترتبت عليها الأحكام، لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة، ورحمة الله تعالى وحكمته تأبى ذلك.
والغلط والسهو والنسيان وسبق اللسان بما لا يريده العبد، أو التكلم به مكرهًا وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية، لا يكاد الإنسان ينفك عن شيء منه، فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة، وأصابها غاية التعب والمشقة، فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله، حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر، وكذلك الخطأ والنسيان، والإكراه والجهل بالمعنى، وسبق اللسان بما لم يرده، والتكلم في الإغلاق، ولغو اليمين.
فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها، لعدم قصده ونيته، وعقد قلبه الذي يؤاخذ به، فالأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.
فالخطأ من شدة الفرح كما في حديث فرح الرب بتوبة عبده، وقول الرجل من شدة فرحه لما وجد راحلته:«اللَّهُمَّ! أنْتَ عَبْدِي وَأنَا رَبُّكَ أخْطَأ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» أخرجه مسلم (1).
وأما الخطأ من شدة الغضب فكما قال سبحانه: فلو أجاب الله دعاء من دعا على نفسه وولده حال الغضب، لأهلك الداعي من دعا عليه.
وأما الخطأ من السكر فكما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
فلم يرتب على كلام السكران حكمًا حتى يعلم ما يقول.
وأما الخطأ والنسيان فقد قال سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
(1) أخرجه مسلم برقم (2747).
فقال الله: «قَدْ فَعَلْتُ» أخرجه مسلم (1).
وأما المكره فقد قال سبحانه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].
وأما اللغو فقد رفع الله المؤاخذة به حتى يحصل عقد القلب عليه كما قال سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
وأما سبق اللسان بما لم يرده المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ، والخطأ في القصد، فهو أولى أن لا يؤاخذ به من لغو اليمين.
وأما الإغلاق فكل من أغلق عليه باب قصده وعلمه كالمجنون والسكران، والمكره والغضبان، فقد تكلم في الإغلاق.
والله سبحانه رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرهًا، لما لم يقصد معناها ولا نواها.
فكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق، والوقف واليمين والنذر مكرهًا، لا يلزمه شيء من ذلك لعدم نيته وقصده، وقد أتى باللفظ الصريح، فعلم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به.
والله سبحانه رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل، كما رفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة، ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقًا من غير قصد لفرح إو دهشة أو نحو ذلك.
ومن غصب مالاً وبنى به مسجدًا، أو حفر به بئرًا للناس والبهائم، فهذا النفع الحاصل للناس متولد من مال هذا، وعمل هذا، والغاصب وإن عوقب على ظلمه وتعديه، واقتص للمظلوم من حسناته، فما تولد من نفع الناس بعمله له،
(1) أخرجه مسلم برقم (126).
وغصب المال عليه.
وهو لو غصبه وفسق به لعوقب عقوبتين، عقوبة على الغصب، وعقوبة على الفسق به.
فإذا غصبه وتصدق به، أو بنى به مسجدًا، أو فك به أسيرًا، فإنه قد عمل خيرًا وشرًا:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8].
وأما ثواب صاحب المال المغصوب، فإنه وإن لم يقصد ذلك، فهو متولد من مال اكتسبه، فقد تولد من كسبه خير لم يقصده، فيشبه ما يحصل له من الخير بولده البار، وإن لم يقصد ذلك الخير.
وكذلك فإن أخذ ماله مصيبة، فإذا أنفق في خير، فقد تولد له من المصيبة خير، والمصائب إذا ولدت خيرًا، لم يعدم صاحبها منه ثوابًا.
والنية المجردة عن العمل يثاب عليها، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ» أخرجه مسلم (1).
والنيات محلها القلب، وإذا صح القلب صلحت النيات، وإذا فسد القلب فسدت النيات، وانعكست الآثار على الجوارح خيرًا أو شرًا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه (2).
والمحاسبة عند الله عز وجل على ما في القلب من النيات والأعمال التي تتبعها. أما الأجساد والصور والألوان فليست محل محاسبة عند رب العالمين كما قال سبحانه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج: 37].
(1) أخرجه مسلم برقم (1911).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وأموالكم، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعماكم» أخرجه مسلم (1).
ولا يقبل الله عز وجل من النيات والأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» أخرجه مسلم (2).
وكل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، وإذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» متفق عليه (3).
ويؤجر المسلم على جميع الأقوال والأعمال الصالحة إذا كانت مقرونة بالنية الشرعية، وهي التقرب بذلك العمل إلى الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «ولست تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلا اُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللقمة تجعلها فِي فِي امْرَأتِكَ» متفق عليه (4).
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
(1) أخرجه مسلم برقم (2564).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2985).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (31)، ومسلم برقم (2888).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (56)، ومسلم برقم (1628).