الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - فقه أمراض القلوب وعلاجها
قال الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} [البقرة: 10].
مرض القلب: هو نوع فساد يحصل له، ويفسد به تصوره وإرادته.
ففساد تصوره يكون بالشبهات التي تعرض له، حتى لا يرى الحق، أو يراه خلاف ما هو عليه.
وفساد إرادته يكون ببغض الحق النافع، وحب الباطل الضار.
فلهذا يفسر المرض تارة بالشك كما قال سبحانه عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10].
وتارة يفسر بالشهوة كما قال سبحانه: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
والمريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح، والمرض في الجملة يضعف الإنسان، ويجعل قوته ضعيفة لا تطيق ما يطيقه القوي.
والمرض يقوى بمثل سببه ويزول بضده، فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه، وزاد ضعف قوته، حتى ربما هلك.
ومرض القلب: ألم يحصل في القلب كالغيظ من عدو استولى عليك، فإن ذلك يؤلم القلب.
وكذلك الشك والجهل يؤلم القلب، وشفاء العي السؤال.
والمرض دون الموت، فالقلب يموت بالجهل المطلق، ويمرض بنوع من الجهل، فللقلب موت ومرض، وحياة وشفاء .. كالبدن تماماً.
وحياة القلب وموته، ومرضه وشفاؤه، أعظم من حياة البدن وموته، ومرضه وشفائه.
فلهذا مريض القلب إذا ورد عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه، وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من أسباب صلاحه وشفائه.
والقرآن شفاء لما في الصدور، ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات، ففي القرآن من البينات ما يزيل الحق من الباطل.
فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه.
وفيه من الحكمة، والموعظة الحسنة، والقصص التي فيها عبرة، ما يوجب صلاح القلب، فيرغب فيما ينفعه، ويحذر ما يضره.
فالقلب يتغذى من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويشفيه، كما يتغذى البدن من الطعام والشراب بما ينميه ويقومه، فزكاة القلب مثل نماء البدن.
والقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد، حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له، ولا بدَّ مع ذلك من منع ما يضره.
فالصدقة مثلاً تزكي القلب، وكذلك ترك الفواحش والمعاصي يزكو بها القلب، فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن.
فإذا استفرغ البدن من الأخلاط الرديئة، استراح البدن ونما، وكذلك القلب إذا تاب من الذنوب، كان استفراغًا من تخليطاته، حيث خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا.
فإذا تاب العبد من الذنوب والمعاصي، تخلصت قوة القلب وإرادته للأعمال الصالحة، واستراح القلب من تلك المواد الفاسدة التي كانت فيه.
فصلاح القلب في العدل وهو التوحيد والإيمان، وفساده في الظلم وهو الشرك والكفر.
ولهذا جميع الذنوب يكون العبد فيها ظالمًا لنفسه، وظالماً لغيره.
والعمل له أثر في القلب، من نفع وضر، وصلاح وفساد، قبل أثره في الخارج.
وصحة القلب وصلاحه في العدل، ومرضه من الزيغ والانحراف والظلم.
والظلم كله من أمراض القلوب بأنواعه الثلاثة:
الظلم في حق الرب .. والظلم في حق النفس .. والظلم في حق الخلق.
وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام: 122].
ومن أمراض القلوب الحسد: وهو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود.
والحسد نوعان:
أحدهما: كراهة الإنسان للنعمة على غيره مطلقًا، وهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه، فيكون ذلك مرضًا في قلبه، ويلتذ بزوال النعمة عنه، وإن لم يحصل له نفع بزوالها، لكن نفعه زوال الألم الذي كان في نفسه.
الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله، أو أفضل منه، فهذا حسد، وهو الذي يسمى الغبطة والمنافسة.
وهذا وإن كان مباحاً، إلا أن السالم من هذه الأمور أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة.
ويعرض لكل قلب مرضان عظيمان وهما:
مرض الرياء .. ومرض الكبر.
فدواء مرض الرياء بـ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5].
ودواء مرض الكبر بـ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
فإذا عوفي المسلم من مرض الرياء بإياك نعبد .. ومن مرض الكبر بإياك نستعين .. ومن مرض الجهل والضلال باهدنا الصراط المستقيم .. فقد عوفي من أمراضه وأسقامه .. وكان من المنعم عليهم، غير المغضوب عليهم .. وهم الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه .. ولا الضالين .. وهم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.
وزكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} [النور: 21].
وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14، 15].
فأصل ما تزكو به الأرواح والقلوب هو التوحيد والإيمان، الذي بهما يزكو القلب، وينشرح الصدر.
فإن ذلك يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وذلك طهارته، وإثبات إلهيته سبحانه، وهو أصل كل زكاة ونماء.
فإن التزكي وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة، فإنه كذلك يحصل بإزالة الشر.
فلهذا صار التزكي ينتظم الأمرين جميعًا.
فمن غض بصره عما حرم الله عز وجل، عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه، فمن أمسك نور بصره عن المحرمات، أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره، ولم يغضه عن محارم الله تعالى، وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه.
والقلوب تمرض كما تمرض الأبدان، وتعتريها الآفات كما تعتري الأعضاء والجوارح.
وكما أن للأبدان غذاءً ودواءً، فكذلك للقلوب غذاء ودواء.
وعلامة صحة القلب قبوله ما ينفعه ويغذيه من الإيمان، ومعرفة ربه، ومعرفة
أسمائه وصفاته وأفعاله، وحب الطاعات والأعمال الصالحة، والإعراض والنفرة عما سوى ذلك.
وعلامة فساد القلب، عدوله عن الأغذية النافعة إلى الأغذية الضارة، من الكذب والنفاق والرياء، والحقد والحسد، والعجب والكبر، والجهل والظلم، ونحو ذلك من حب المعاصي والفواحش والمنكرات.
وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا بصّره بعيوب نفسه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، بسبب موت قلوبهم أو مرضها أو نقص إدراكها، بحيث لا تميز بين القبيح والمليح وما يزينها وما يشينها، وما ينفعها وما يضرها:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].
والله عز وجل خلق طبيعة الغضب من النار، وغرزها في الإنسان، فإذا صدَّ الإنسان عن غرض من أغراضه، اشتعلت نار الغضب، وثارت ثورانًا يغلي به دم القلب، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار.
وقوة الغضب محلها القلب، ومعناها: غليان دم القلب بطلب الانتقام، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها، وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها.
والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها ولا تسكن إلا به.
والأسباب المهيجة للغضب هي:
الزهو .. والعجب .. والمزاح .. والهزل .. والهزء .. والتعيير .. والغدر .. وشدة الحرص على فضول المال والجاه .. ونحوها من الأخلاق الرديئة .. ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب.
فلا بدَّ من إزالة هذه الأسباب المهلكة بأضدادها المنجية:
فتميت الزهو بالتواضع .. وتميت العجب بمعرفتك بنفسك .. وتزيل الفخر بأنك
من جنس عبدك .. وإنما الفخر بالفضائل.
والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل، وأشدها هلاكاً للعبد.
وأما المزاح فتزيله بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر، من الذكر والعبادة، والعلم والدعوة.
وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل، والأخلاق الحسنة، والعلوم الشرعية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة.
وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس، وبصيانة النفس عن أن يُستهزأ بها.
وأما التعيير فتزيله بالحذر عن القول القبيح، وصيانة النفس عن مُرّ الجواب.
وأما شدة الحرص فتزال بالقناعة بقدر الضرورة، طلبًا لعز الاستغناء، وترفعًا عن ذل الحاجة.
فهذا حسم لمواد الغضب، وقطع لأسبابه، حتى لا يهيج، فيهلك صاحبه:
فإذا جرى سبب هيجانه، فعند ذلك يجب الصبر والتثبت، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه.
وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم .. والعمل .. والصبر.
أما العلم فيعلم العبد فضل كظم الغيظ، والعفو والحلم، وما في ذلك من الثواب، فتمنعه شدة الحرص على الثواب من التشفي والانتقام، فيسكن غضبه، ويخوف نفسه بعقاب الله، ويقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان.
ويحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام، وتشمر العدو لمقابلته والسعي في هدم أغراضه، ويفكر بقبح صورته عند الغضب، وأنه كالكلب الضاري، والسبع العادي.
أما الحليم الهادي فهو كالأنبياء والأولياء في علمه وحلمه، وكالقمر في نوره.
ويقول لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة،
وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة، وأنه يوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه.
وأما العمل، فإنه يقول من أصابه الغضب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن لم يزُلْ بذلك فاجلس إن كنت قائمًا، واضطجع إن كنت جالسًا، فإن لم يزل بذلك فليتوضأ بالماء البارد وليصلّ. وأما الصبر فيتذكر عاقبته، وثوابه الجزيل في الدنيا والآخرة.
وأما الحقد، فإن الغضب إذا لزم كظمه، لعجز عن التشفي في الحال، رجع إلى الباطن واحتقن فيه، فصار حقدًا ينشأ عنه الحسد للإنسان، وهجره، والاستصغار له، وذمه، والاستهزاء به، وإيذاؤه، ومنعه حقه من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة، وكل ذلك حرام.
والحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ولا حسد إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان:
الأولى: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها.
والثانية: أن لا تحب زوالها عنه، ولا تكره وجودها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، فالأولى حرام، والثانية جائزة.
وأشد أسباب الحسد العداوة والبغضاء، فمن آذاه شخص وخالفه أبغضه قلبه، وغضب عليه وحقد عليه، وانتقم منه إن قدر.
ومنها التعزز، فإن أصاب أحد أقرانه ولاية أو مالاً أو علمًا ثقل عليه، وخاف أن يتكبر عليه، ولا يطيق تكبره فيحسده.
ومن أسباب الحسد الكبر، وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه، ويستصغره ويستخدمه، فإذا نال نعمة خاف ألا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته.
ومنها العجب، فيتعجب أن يفوز برتبة عالية من دونه، وهو أقل منه فيما يرى
فيحسده.
ومنها الخوف من فوت المقاصد، ومنه تزاحم الضرات على مقاصد الزوجية، وتزاحم الأخوة على نيل المنزلة في قلب الأبوين.
ومنها حب الانفراد بالرياسة، وطلب الجاه لنفسه، كمن يحب أن يكون عديم النظير، ليس مثله أحد، ليقال أنه فريد عصره.
ومنها خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله، فيضيق ذرعًا إذا سمع بأحد نال نعمة، ويفرح بإدبار أحوال الناس، نعوذ بالله من ذلك الخلق الشيطاني.
ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا، فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين، أما الآخرة فلا ضيق فيها، ومجال المسارعة والمسابقة إلى الخيرات مفتوح لجميع العباد.
والله عز وجل يحدث في قلب من يشاء من عباده ما شاء، ويطلعه على أمور تخفى على غيره، وقد يمسكها عنه بالغفلة عنها، ويواريها عنه بالغين الذي يغشى قلبه، وهو أرق الحجب .. أو بالغيم، وهو أغلظ منه .. أو بالران، وهو أشدها.
فالأول: وهو الغين يقع للأنبياء والرسل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ» أخرجه مسلم (1).
والثاني: وهو الغيم، يكون للمؤمنين.
والثالث: وهو الران، يكون لمن غلبت عليه الشقوة، كما قال سبحانه:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14].
والحجب التي تحول بين القلب وبين الله عشرة:
الأول: حجاب التعطيل والكفر، وهو أغلظها، فلا يتهيأ لصاحب هذا الحجاب أن يعرف الله، ولا يصل إ ليه البتة.
(1) أخرجه مسلم برقم (2702).
الثاني: حجاب الشرك، وهو أن يعبد مع الله غيره.
الثالث: حجاب البدعة القولية، كحجاب أهل الأهواء.
الرابع: حجاب البدعة العملية، كحجاب أهل السلوك المبتدعين في طرقهم.
الخامس: حجاب أهل الكبائر الباطنة، كحجاب أهل الكبر والعجب، والرياء والحسد، والفخر والخيلاء، ونحوها.
السادس: حجاب أهل الكبائر الظاهرة، وهؤلاء حجابهم أرق وأخف من حجاب أهل الكبائر الباطنة مع كثرة عبادتهم وزهدهم كالخوارج، وكبائر هؤلاء أقرب إلى التوبة من كبائر أهل الكبائر الباطنة.
السابع: حجاب أهل الصغائر.
الثامن: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات.
التاسع: حجاب أهل الغفلة عن استحضار ما خلقوا له، وما أريد منهم، وما لله عليهم من دوام ذكره وشكره وعبوديته.
العاشر: حجاب المجتهدين السالكين المستمرين في السير عن المقصود.
فهذه عشرة حجب تحول بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى.
وهذه الحجب تنشأ من أربعة عناصر:
عنصر النفس .. وعنصر الشيطان .. وعنصر الهوى .. وعنصر الدنيا.
فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة.
وهذه الأربعة تفسد القول والعمل والقصد أن يصل إلى القلب، وما وصل إلى القلب قطعت عليه الطريق أن يصل إلى الرب.
فإن حاربها العبد، وخلص العمل إلى قلبه دار فيه، وطلب النفوذ من هناك إلى الله، فإنه لا يستقر دون الوصول إليه:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)} [النجم: 42].
فإذا وصل إلى الله عز وجل أثابه عليه مزيدًا من الإيمان واليقين، وجمل به ظاهره وباطنه، فهداه به لأحسن الأخلاق والأعمال، وصرف عنه به سيئ
الأخلاق والأعمال.
وأقام الله سبحانه من ذلك العمل جندًا يحارب به قطاع الطريق للوصول إليه.
فيحارب الدنيا بالزهد فيها، وإخراجها من قلبه.
ويحارب الشيطان بترك الاستجابة لداعي الهوى، فإن الشيطان مع الهدى لا يفارقه.
ويحارب الهوى بتحكيم الأمر الشرعي المطلق، والوقوف مع الهدى.
ويحارب النفس بقوة الإخلاص، وتقديم مراد الله على مرادها.
وإن دار العمل في القلب، ولم يجد منفذًا إلى الله، وثبت عليه النفس فأخذته وصيرته جندًا لها، فصالت به وعلت وطغت:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يوسف: 53].