الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماتريدية دراسة وتقويمها
المؤلف/ المشرف:
أحمد بن عوض الله بن داخل الحربي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار العاصمة - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1413هـ
تصنيف رئيس:
فرق وملل ونحل
تصنيف فرعي:
ماتريدية
الخاتمة
وفي خاتمة هذا البحث، وبعد دراسة ومناقشة أهم جوانب عقيدة الماتريدية، أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة، وهي كما يلي:
1 -
أن نشأة الاختلاف والتفرق في الأمة الإسلامية كانت لعدّة أسباب ومؤثرات خارجية وداخلية.
2 -
أن لأهل السنة والجماعة منهج متميز في تلقي العقيدة وتقريرها، وهو يقوم على أصولٍ راسخةٍ، وقواعد متينة.
3 -
ذكرت بعض الأسباب التي يمكن بها تفسير عدم ورود ذكر الماتريدي والماتريدية في كثيرٍ من المؤلفات، ثم ترجمت للماتريدي ولأشهر أعلام الماتريدية.
4 -
أن السبب في خلاف الباحثين المعاصرين في تحديد منهج الماتريدية وتمييزه عن منهج الأشاعرة، والمعتزلة، يرجع إلى التداخل بين المدارس الكلامية الثلاث. وذلك أنها جميعاً انطلقت من أصلٍ واحد، وهو جعل العقل أساساً لمعرفة العقيدة.
5 -
أن منهج الماتريدية يقوم على قواعد وأسس، أهمها:
أولاً: مصدرهم في التلقي في الإلهيات والنبوات هو العقل.
ثانياً: أن معرفة الله واجبة بالعقل قبل ورود السمع.
ثالثاً: القول بالتحسين والتقبيح العقليين.
رابعاً: القول بالمجاز في اللغة والقرآن والحديث.
خامساً: التأويل والتفويض.
سادساً: القول بعدم حجية أحاديث الآحاد في العقائد.
6 -
أن توحيد الله عند الماتريدية ليس هو التوحيد الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، إذ أن مفهوم توحيد الله عندهم: أنه تعالى واحدٌ في ذاته لا قسيم له أو لا جزء له. وواحدٌ في صفاته لا شبيه له، وواحدٌ في أفعاله لا شريك له.
7 -
أن الماتريدية اعتمدت في إثباتها لوجود الله تعالى على دليل حدوث الأعراض والأجسام. وهذه الطريقة في الاستدلال طريقة مبتدعة باطلةً، قد طعن فيها السلف والأئمة وجمهور العقلاء من الفلاسفة والمتكلمين.
كما أن الماتريدية استدلت على وحدانية الله بدليل التمانع، وهو دليل صحيح على إثبات امتناع صدور العالم على اثنين، ولكن اعتقاد الماتريدية بأن هذا الدليل هو المقصود بقوله تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(الأنبياء: 22) اعتقاد باطل.
8 -
أن الماتريدية تقول بوجوب إثبات جميع أسماء الله، وأن الأصل في ثبوتها السمع. ولكنهم لم يفرقوا بين باب التسمية وباب الإخبار.
وأما بالنسبة لمدلولات الأسماء، فهم إما أن يجعلوا مدلول الاسم هو الذات، وهذا في اسم (الله) فقط. وإما أن يكون المدلول مأخوذاً عندهم باعتبار ما أثبتوه من الصفات.
9 -
تُعد الماتريدية من الصفاتية، وذلك لأنهم يثبتون ثمان صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين. وهم خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها؛ لأن العقل دل عليها عندهم دون غيرها.
وتخصيصهم هذه الصفات بالإثبات دون غيرها تخصيص من غير مخصص، ولا دليل عليه لا من العقل ولا من النقل.
10 -
قالت الماتريدية بنفي جميع الصفات الخبرية التي وردت في الكتاب والسنة، وذلك لأن مصدرهم في التلقي هو العقل، ولاعتقادهم أن إثبات هذه الصفات على حقيقتها يستلزم التشبيه والتجسيم، واحتجوا لقولهم هذا بشُبه فاسدة تقدم معنا بيان بطلانها.
11 -
ترى الماتريدية أن جميع صفات الأفعال المتعدية ترجع إلى صفةٍ واحدةٍ وهي التكوين. وقالوا إن التكوين غير المكون، وأنه أزلي لا يتجدد ولا تعلق له بالمشيئة والقدرة.
وقولهم بمغايرة التكوين للمكون حق وصواب، وأما نفيهم لتجدد الفعل وتعلقه بالمشيئة والقدرة باطل ترده الأدلة العقلية والنقلية.
12 -
نفت الماتريدية الصفات الفعلية اللازمة، وذلك لأن الأصل في ثبوتها الخبر، ولأنها صفات اختيارية، وهم يمنعون أن تقوم بالله صفة اختيارية حذراً من التشبيه وفراراً منه، وقولهم هذا باطل عقلاً ونقلاً، كما تقدم بيانه.
13 -
قالت الماتريدية في كلام الله: أنه معنىً واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشيئته تعالى وقدرته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، وأنه كلام نفسي، وأنه لا يسمع إنما يسمع ما هو عبارة عنه.
وقولهم هذا لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن أحدٍ من سلف هذه الأمة.
14 -
يرى جمهور الماتريدية أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة. بحجة أن المعجزة وحدها التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسول.
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء، ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تُعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح، بل هو باطل عقلاً ونقلاً.
15 -
تعريف الماتريدية للمعجزة بأنها: أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة، تعريف غير منضبط، بل هو مضطرب وغير مستقيم.
16 -
قول الماتريدية بأن جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر لا تعلم إلا بالسمع قولٌ غير صحيح. بدليل أن العقل قد دل على اليوم الآخر. والسمع قد نبه على دلالة العقل.
17 -
أن الماتريدية تثبت جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر كنعيم القبر وعذابه، وأشراط الساعة .. وذلك لاعتمادهم السمع كمصدر للتلقي فيما يتعلق باليوم الآخر.
18 -
أن إثبات الماتريدية للرؤية مع نفي الجهة والمقابلة، قول متناقض. فهم بقولهم هذا أثبتوا ما لا يمكن رؤيته.
19 -
أن حقيقة قول الماتريدية في أفعال العباد: أن للعباد إرادة غير مخلوقة، وهي مبدأ الفعل. فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم استقلال تام كما يشاؤون، وخلق الله لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم الجزئية غير المخلوقة.
20 -
أن مذهب جمهور الماتريدية في الاستطاعة: أنها تفعل على نوعين: الأول، سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل، والثاني: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل، وتكون مع الفعل.
وقولهم هذا هو القول الصحيح في المسألة، وهو الذي قد دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية.
21 -
أن الماتريدية وافقت المعتزلة في مسألة التكليف بما لا يطاق، وقالوا بعدم جوازه، والصواب في المسألة هو التفصيل وعدم إطلاق القول بالجواز أو المنع.
22 -
ذهبت الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وقال بعضهم بأنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان. ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه. كما أنهم قالوا بأن الإيمان والإسلام مترادفان ولا فرق بينهما.
ولا ريب أن القول الحق هو: أن الإيمان: اعتقاد بالجنان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويجوز الاستثناء فيه، والمقصود به عدم تزكية النفس. وأما الإسلام والإيمان فإنهما متلازمان: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
23 -
أن الماتريدية قالت بصحة إيمان المقلد مع الإثم على ترك النظر والاستدلال وقولهم هذا باطل؛ لأنه بني على أصلٍ باطل، وهو أن النظر والاستدلال أصل الدين والإيمان.
24 -
أن قول الماتريدية بأن مرتكب الكبيرة فاسق، وليس بكافر حق وصواب. لكن زعمهم بأن الفسق ليس له أثرٌ على الإيمان، فهو بلا ريب قولٌ باطل ترده الأدلة الصحيحة. والحق أن مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان، لا يعطى اسم الإيمان المطلق.
25 -
أن هناك توافقٌ كبيرٌ بين الماتريدية والأشاعرة، وسر هذا التوافق أن كلتا الفرقتين انبثقتا من الكلابية. وما بينهما من خلاف فإنما يقع في مسائل معدودة.
26 -
أن الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة خلافٌ كبير. ورغم هذا الخلاف فإن الماتريدية قد تأثرت بالمعتزلة، ووافقتها في عدة مسائل.
27 -
أن أهل السنة والجماعة يقولون في الماتريدية بالعدل وينصفونهم، ويعترفون بما معهم من الحق للمجتهد أو طالب الحق منهم، ويذمون الظالم والمتعصب ومن كان متبعاً للهوى.
وبعد: فهذه مجمل النتائج التي توصلت إليها، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.