الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحكام المترتبة على الفسق في الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
فوفانا آدم
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مكتبة دار المنهاج - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1425هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
فسق
الخاتمة: الحمد لله على التوفيق والإعانة، على استمرار العمل إلى النهاية، فله في ذلك الفضل والمنّة، وأشكره على نعمه الظاهرة والباطنة. ففي ختام هذه الرحلة الطويلة مع الفسق وما يترتب عليه من الأحكام، أجمل أهم النتائج التي توصلت إليها خلال البحث فيما يلي:
1 -
اتفقت دلالة الكتاب والسنة واللغة، واصطلاح العلماء من المحدثين والأصوليين والفقهاء – رحمهم الله، على أن الفسق هو الخروج عن الطاعة. وقد يطلق على غيره كالكفر، والمعصية، والفجور، والإثم، والكذب، وجميع أنواع السيئات. 2 - إن الذنوب تتفاوت فيما بينها، فمنها الكبيرة ومنها الصغيرة، والفسق يحصل بارتكاب الكبيرة، أو بالإصرار على الصغيرة. فالكبيرة هي كل ذنب قرن والصغيرة ما كان دون ذلك، أو ما لم يقرن بما سلف. والإصرار عليها يكون بالإقدام عليها مع العزم على معاودتها، ثم تكرارها بناءً على هذا العزم السابق. وضابط التكرار هو تكرر الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاة المذنب بدينه، إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك. 3 - البدعة هي ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من عقيدة أو عمل. وهي أيضاً متفاوتة، فمنها المفسقة والمكفرة، فالمكفرة ما تضمنت مخالفة أصل فيه دليل مقطوع به، من كتاب أو سنة متواترة، أو إنكار أمر مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. فمن تلبس بالمفسقة كان حكمه حكم الفاسق بالكبيرة، ومن تلبس – والعياذ بالله – بالمكفرة، كان حكمه حكم الكافر، لا تصح إمامته في الصلاة، ولا ولايته على المسلمين، وتبطل بها الولاية إن طرأت على الوالي، ويجيز الخروج عليه بشروطه، ولا يصلي عليه إن مات، ولا يزوج من المسلمات، ولا يعتد بقوله في انعقاد الإجماع، ولا تقبل فتاواه، ولا شهادته.
4 -
لفظ الفسق اصطلاح شرعي كالكفر، لا يجوز إطلاقه على معين إلا بعد توفر الشروط، وانتفاء الموانع، وإقامة الحجج والبينات.
5 -
إذا ثبت فسق المرء لم يقبل خبره في أمور الديانة، كخبره بطهارة الماء أو بنجاسته، وخبره بدخول وقت الصلاة، ودلالته غيره على القبلة، ولا يرجع الإمام لتسبيحه في الصلاة، ولا يقبل خبره برؤية هلال رمضان وغيره من الأهلة، لكن يستحب له إخبار الحاكم برؤيته، ولا تقبل فتاواه إن كان عالماً. 6 - إقرار الفاسق يلزم نفسه، فإذا أقر بحق لزمه، وكذلك خبره، فإن أخبر برؤية هلال رمضان ورد خبره، لزمه الصوم، فإن أفطر وجب عليه ما يجب على الفطر وحده سراً، لكن إذا كمل الثلاثين في صومه الذي رأى وحده الهلال، ولم يطلع الهلال ليلة إحدى وثلاثين، لم يفطر إلا مع الجماعة؛ لتبين خطؤه حينئذ. وهكذا المجتهد الفاسق، إذا اجتهد في مسألة فأدى به اجتهاده فيها إلى حكم، لزمه في حق نفسه دون غيره. 7 - إن الفاسق ليس من أهل الترخص، فلا يجوز له الترخص بالرخص الشرعية في سفره للمعصية، كالمسح على الخفين، وقصر الرباعية، والجمع بين صلاتين، وسقوط الجمعة، وعدم استقبال القبلة عند التنفل على الراحلة، والفطر في رمضان. ولا يعطى من الزكاة إذا كان غارماً في معصية، أو كان ابن سبيل في سفر المعصية، ولا تجوز له صلاة الخوف إذا كان في قتال، أو هروب من عدو هو فيهما عاص. أما إذا كان في سفر مباح أو واجب، غير أنه يعصي الله فيه، فيجوز له الترخص بهذه الرخص كلها، وكذلك إذا تاب؛ لخروجه من المعصية وصيرورته من أهل الرخصة.
8 -
إن رد خبر الفاسق، ومنعه الترخص بهذه الرخص، زجر له عن فسقه ومعصيته، ومن صور زجر الفساق وعقوبتهم: جواز إظهار سجود الشكر أمام الفاسق؛ ليرتدع من معصيته التي يفسق من أجلها، وعدم صلاة الأئمة وأولي الفضل على الفاسق إذا مات، وعدم إيتائه من الزكاة إذا كان يستعين بها على المعصية، ومنع الولد الفاسق من الهبة إذا كان يستعين بها على المعصية، ومنع الوالد الفاسق من الاتهام لولده، وعدم إجابة دعوة الفاسق إلى الوليمة، ومنعه من التزوج بالصالحة العفيفة، ونزع اللقطة واللقيط منه إذا التقطهما، وعدم الاعتداد بتعريفه اللقطة، ومنع الفاسقة من حقها في حضانة طفلها، ومنع الناشزة من حقها في القسم والنفقة، وندب تطليق الفاسقة، إذا كان فسقها بالزنا، أو بتفريط في حقوق الله الواجبة، إذا عجز الزوج عن إجبارها عليها، وجواز اختلاع المرأة من الزوج إذا كان كذلك
…
9 -
للخوف من الفساق أثر في تغير بعض الأحكام، كخوف المرأة على نفسها الفساق عند الماء، وخوف واجد اللقطة عليها في ممر الفساق والخونة، فيباح التيمم للأولى، ويوجب الالتقاط على الثاني، ويسقط وجوب الحج على المرأة إذا لم تجد في سفرها إليه غير محرم فاسق، أو رفقة فاسقة غير مأمونة، كما يباح للمعتدة الانتقال من مسكنها الذي تعتد فيه، إذا كان بجوار الفسقة.
10 -
لا يؤثر فسق السيد على تصرفاته في مملوكه، فتثبت له الولاية عليه، ويجوز له تزويج أمته، وإقامة الحد على رقيقه إذا زنى.
11 -
الفاسق من أهل القرب، وعباداته صحيحة إذا أداها على الوجه المطلوب، فيصح وقفه، ووصيته لغيره ما لم تكن الوصية في كفالة الأولاد، وتصح مشاركته في الجهاد. ما لم يكن مخذلاً أو مرجفاً أو خائناً يتجسس للكفار، ويطلعهم على عورات المسلمين.
12 -
يجب تجهيز الفاسق والصلاة عليه إذا مات، سواء كان فسقه باعتقاد أو بارتكاب الكبيرة، ويجب بره على أبنائه مع فسقه، وتحرم الخطبة على خطبته، وتصح ولايته في نكاح نسيبته، وتصح وكالته في التزويج، ويصح لعانه، وأمانه لآحاد الكفار، وتقبل دعواه على العدل ويطالب باليمين إذا أنكر. فهذه مسائل لا فرق فيها بين الفاسق والعدل.
13 -
يقبل خبر الفاسق في المعاملات، إلا إذا كان الفاسق المخبر فضولياً، ففي قبول خبره فيها خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، بناءً على أن هذا الخبر هل هو شهادة، أو خبر في المعاملات؟.
14 -
الفاسق جائز التصرف، فيصح منه البيع والشراء، والإجارة، وتجوز مشاركته مع الكراهة، ويصح ضمانه وكفالته، ويصح التقاطه اللقطة واللقيط، غير أنهما ينزعان منه، ويملك اللقطة إذا لم يعثر على صاحبها بعد مدة التعريف، ويجوز وضع الرهن عنده إلا إذا كان الرهن أمة أو خنثى، أو كان الرّاهن والمرتهن، أو هما معاً متصرفين عن الغير، وكان الفاسق يخرج بفسقه عن الأمانة، ويجوز إيداع الوديعة عنده، إذا كان فسقه بغير معصية مالية، ولا يخشى منه عليها. وتجوز وكالته فيما يجوز له التصرف فيه.
15 -
لا تنفسخ المساقاة بظهور الفسق من العامل، وإنما يتحفظ منه رب المال، فإن عجز ساق عليه الحاكم، وتكون أجرة العامل الثاني على الأول الخائن. ولا تنفسخ الإجارة كذلك بفسق المستأجر، وإنما على المؤجر أو الحاكم منعه من الفسق.
16 -
فسق الرقيق عيب مثبت للخيار، إذا كان بارتكاب الكبائر، واختلفوا في فسق الاعتقاد. وكذلك ظهور الفسق من الأجير حيث لا يمكن التحفظ ولا التحرز من ضرره، وظهوره من المستأجرة للرضاعة مثبت للخيار.
17 -
يحرم العقد على المنافع المحرمة، في الإعارة والإجارة، كما يحرم التوكيل في المعصية، والوصية بالمعصية أو الوقف عليها.
18 -
الفاسق ليس من أهل الولايات الدينية ابتداءً، فإذا ولي عليها صحت في بعضها، كإمامة الصلاة والأذان وغسل الميت، ولا تصح في الولايات المالية، كالنظر على الوقف، والوصية، والعمل على الزكاة وخرص الثمار. وكذا الولاية على النفس، ويعزل عنها ولو طرأ عليه الفسق بعد توليته. وهكذا ولاية القضاء، لا تصح ولايته، وإذا ولي وحكم لم ينفذ حكمه، إلا إذا ولاه ذو شوكة، فينفذ للضرورة، وينعزل بالفسق نفسه إذا طرأ عليه، وعلى الإمام تعيين قاض آخر مكانه؛ يتصفح قضاءه السابق، فما وافق الحق أمضاه، وما جانبه نقضه. أما الولاية الكبرى فلا تصح تولية الفاسق فيها، ولا العهد إليه بها، وإذا تولاها بالغلبة، أو فسق بعد عدالته، وجب نصحه وطاعته في المعروف، ويجزئ دفع الزكاة إليه، والجهاد معه، وتولي القضاء منه إذا كان يمكن القاضي من القضاء بالحق، ولا يجوز عزله ولا الخروج عليه، ولو كان فسقه فسق اعتقاد ما لم يبلغ حد الكفر البواح. وهذا كله عند السعة وتوفر العدول، فإذا عدم العدول وكان الموجودون كلهم فساقاً ولي أقلهم فسقاً وفجوراً.
19 -
لا يصح تحكيم الفاسق في تحديد جزاء الصيد إذا قتله محرم، ولا للإصلاح بين الزوجين، أو بين الخصوم، ولا يقبل نزول الكفار إذا حوصروا على حكمه.
20 -
لا يجوز للقاضي الاستعانة في قضائه بفاسق، لا في النيابة عنه، ولا في الاستشارة، أو الكتابة، أو الحجابة، أو الترجمة، أو القسمة، أو التزكية والسؤال عن الشهود.
21 -
تصح المكاتبة بين القضاة، فإذا كتب أحدهم إلى آخر، ثم فسق الكاتب بعد الحكم بكتابه، لم يغير ذلك في الحكم شيئاً، وإن فسق قبل الحكم بكتابه، فإن كان الكتاب بحكم مبرم أمضي ونفذ، وإن كان بسماع شهادة رد ولم يحكم به الثاني. وإن فسق المكتوب إليه عمل المتولي بدله بالكتاب، سواء كان بحكم مبرم، أو بسماع بينة.
22 -
إذا غلب البغاة على بلد وأخذوا منهم الزكاة أجزأتهم، ولا يكلفون بإعادته إذا غلب عليهم إمام أهل العدل. أما قضاء قاضيهم، فإن كانوا خوارج وأهل بدع لم يصح قضاء قاضيهم. وإن كانوا مجرد بغاة، فلا يخلو قاضيهم من أن يكون منهم، أو من أهل البلد الذين ظهروا عليهم، فإن كان القاضي من أهل البلد عدلاً صالحاً للقضاء صح قضاؤه، وإن كان من البغاة أنفسهم، صح ونفذ ما كان صواباً من قضائه، ورد ما خالف الصواب كقاضي أهل العدل.
أما إذا كتب قاضيهم من أهل البلد العدل بالعدالة، أو بمخالفتهم للبغاة، قبل كتابه، وإن لم يكونوا كذلك لم يقبل كتابته، وأما كتاب القاضي من البغاة الموافق للصواب، فالمستحب عدم قبوله، وإن قبله قاضي أهل العدل وعمل به جاز. وتقبل شهادة البغاة إذا لم يقاتلوا أهل العدل، ولم يستحلوا دماءهم، فإذا قاتلوهم واستحلوا دماءهم ردت شهادتهم ولم تقبل.
23 -
العدالة المطلوبة في الشهود هي الظاهرة والباطنة، وذلك عند أداء الشهادة لا عند تحملها، فيصح تحمل الفاسق الشهادة على أن يؤديها إذا تاب، وإذا لم يتب حتى دعي لأدائها لم تلزمه الإجابة. وشهادة الفاسق مردودة مطلقاً سواء كان فسقه بارتكاب كبيرة، أو ببدعة، وإذا قبل الحاكم شهادته وحكم به لم يصح الحكم.
24 -
إذا قبل القاضي شهادة عدلين، ثم فسقا قبل الحكم بشهادتهما، رد شهادتهما ولم يحكم بها. وإذا حدث الفسق منهما بعد الحكم وقبل الاستيفاء، فإن كان الحكم في مال استوفاه، ولم يؤثر الفسق في الاستيفاء، وإن كان المحكوم به حدا لله أو لآدمي كحد قذف أو قصاص لم ينفذ ولم يستوف. وإن حدث الفسق بعد الاستيفاء لم يتأثر به الحكم.
25 -
إذا ظهر للقاضي فسق الشهود الذين قضى بشهادتهم بعلمه هو، نقض حكمه إذا لم يتهم في قضائه بعلمه، وإن كان بشهادة شاهدين، فإن أسند الفسق إلى وقت الحكم، نقضه القاضي، وإن شهدا مطلقاً لم ينقض الحكم بذلك. وإذا نقض الحكم في الحالين الأوليين رد القضايا والحقوق إلى أهليها، فلو كان الحكم المبني على شهادتهم في طلاق، أو عتق، أو عقد، أو لعان، رده. وإن كان في مال حكم بقضائه. وإن كان في قصاص في نفس أو عضو، كان الضمان على الشهود إن علموا، وإلا فعلى عاقلة القاضي.
26 -
إذا شهد عدلان عند القاضي المتولي أن القاضي قبله كان قد حكم بشهادة فاسقين، أحضر القاضي السابق، فإن أنكر كان القول قوله، وإذا ثبت أنه حكم بشهادة فاسقين، أحضر القاضي السابق، فإن أنكر كان القول قوله، وإذا ثبت أنه حكم بشهادة فاسقين نقض حكمه السالف.
27 -
إذا أشهد فاسق على شهادته عدلاً لم تصح شهادته على شهادته، وإذا تحمل الفرع العدل شهادة الأصل العدل، ثم طرأ الفسق على الأصل، بطلت شهادة الفرع على شهادته، سواء كان قبل أدائها، أو بعد أدائها وقبل الحكم بها. وإذا تاب قبل أداء الفرع شهادته على شهادته قبلت من الفرع الشهادة. ويصح تحمل الفاسق شهادة الأصل العدل، على أن يؤديها عنه عند عدالته، ولو كان عدلاً عند التحمل ثم طرأ عليه الفسق، منع الحكم بشهادته إلى أن يتوب، ولا يؤثر فسقه على شهادة الأصل.
28 -
القذف كبيرة من الكبائر، ومن قال لأخيه: يا فاسق، عزر ولم يحد، ما لم يجر العرف بتخصيصه بالزنا، أو يرد القائل نسبته به إلى الزنا وحد القذف لا يجب بقذف الفاسق بالزنا غير العفيف، أما سائر الفساق فيجب بقذفهم الحد.
29 -
شهادة القاذف لا تخلو من أربعة أحوال:
الأولى: أن يشهد قبل الحد والتوبة، فتقبل شهادته ما لم يثبت كذبه.
الثانية: أن يشهد قبل الحد وبعد التوبة فتقبل أيضاً.
الثالثة: أن يشهد بعد الحد وقبل التوبة فلا تقبل شهادته
الرابعة: أن يشهد بعد التوبة والحد فتقبل شهادته.
30 -
المحدود في القذف ليس من أهل الولاية ولا الشهادة عند الحنفية، ففسقه مؤبد عندهم لا ترفعه توبته، وهو بمثابة الفاسق قبل التوبة عند الجمهور، إلا في مسألة واحدة وهي صحة حلفه أيمان القسامة كالعدل، وذلك بمني على أنها أيمان لا شهادة، لذلك لا يجيزون توليه القضاء، ولا يصححون لعانه لأن الأيمان فيه شهادات عندهم، ولا يقبلون شهادته، ولا يجيزون نزول الكفار على حكمه إذا حوصروا
…
بخلاف الفاسق عندهم، فهو من أهل الولاية والشهادة لكن الأفضل ألا يول القضاء، وألا تقبل شهادته، فإذا ولي القضاء وحكم، أو قبلت شهادته وحكم بها صح.
31 -
المحدود في غير القذف تقبل شهادته بعد توبته اتفاقاً، وكذلك شهادة التائب من سائر الذنوب، ما لم يعد شهادته المردودة لفسقه السالف.
32 -
تقبل التوبة من جميع المعاصي، إذا كانت خالصة لله تعالى، وأقلع العاصي من الذنب، وندم على ما فات، وعزم على عدم العودة، وكانت توبته قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها. وإن كان الذنب في حقوق الآدميين رد المظالم إلى أهلها. وإن كانت المعصية قذفاً أكذب نفسه فيما قذف به أخاه. وإن كانت بدعة اعترف بها ورجع عنها، واعتقد ضد ما كان يعتقده من مخالفة السنة، فإن كان داعية إلى بدعته، دعا إلى ضد ما كان يدعو إليه من قبل.
ولا بد بعد هذا من استبراء التائب مدة يصلح فيها العمل، ويتحقق خلالها صدقه في توبته.
33 -
لا يؤثر الفسق في القسامة، فتصح أيمانها من الفساق على العدول وعلى أمثالهم الفساق، وتعتبر شهادة الفساق لوثاً موجباً للقسامة، وعن مالك في اعتبار شهادة الفاسق الواحد لوثاً موجباً للقسامة روايتان.
وقول الفاسق المقتول في العمد: دمي عند فلان لوث عند المالكية، كما أن القسامة تبطل بتكذيب بعض الورثة بعضاً في تحديد المدّعي عليه، ولو كان المكذب فاسقاً.
34 -
إذا أدلى المدعي بشهوده، فإما أن يعرفهم القاضي، وإما ألا يعرفهم، فإن عرفهم بالفسق أو بالعدالة عمل بعلمه. وإذا لم يعرفهم بحث عن عدالتهم، فإن تبين جرحهم وفسقهم، سترهم القاضي وطالب المدعى عليه قبل الحكم، فإن عدلهم قبل تعديله، وإن فسقهم لم يقبل منه إلا ببينة، فإن كانت حاضرة سمعها القاضي منه، وإن كانت غائبة واستمهل القاضي ليأتي بها أمهله، فإن أتى بها، وإلا حكم القاضي عليه بشهود المدعي.
35 -
جرح الشهود لا يقبل إلا مفسراً، سواء كان من المزكين أو من المدعى عليه، فلا يكفي أن يقول: هو فاسق، إلا إذا بين سبب فسقه.
هذا أهم ما توصلت إليه خلال هذا البحث، وهو جهد طالب علم يرجو من ربه المزيد من العلم، فما وافق الصواب فمن الله، وما جانبه فمني ومن الشيطان، والفقه الإسلامي منه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب – عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام -.
وإذ أن المولى سبحانه وتعالى قد أبى العصمة إلا لكتابه، فإني أناشد الله كل قارئ يطلع على زلة أو ملحوظة في هذا العمل أن يبادر بإشعاري – جزاه الله خيراً - وسيجد صدراً رحباً لقبول وجهة نظره.
والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه موجباً لرضوانه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.