الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام اليتيم في الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
عبدالأحد ملا رجب
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار أطلس - الرياض ̈بدون
سنة الطبع:
بدون
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
يتيم
الخاتمة: أحمد الله – سبحانه وتعالى – على أن هداني إلى كتابة هذا البحث، وأعانني على إتمامه وفق ما رسمته، وأسأله – جلت قدرته – المزيد من فضله والتوفيق لما يحبه ويرضيه. ولا بد من القول هنا إنني لم أضف جديداً فيما كتبت، ولن أدعي بأنني أتيت بما لم يأت به الأوائل من علمائنا الأجلاء، بل كل جهدي كان في جمع أقوال العلماء ومذاهبهم في موضوعات هذا البحث، وترتيب هذه الأقوال وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وترجيح ما رأيته أقوى دليلاً وتعليلاً من هذه الأقوال.
وأما أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، فأذكر طرفاً منها فيما يلي:
1 -
أن هذا البحث يبرز بوضوح حالة هذا المخلوق الضعيف في المجتمع الجاهلي، وما كان يعامل به ويعانيه ويكابده من ضروب الإيذاء وسلب الحق والحرمان من الميراث، وحالته في الإسلام. فبينما كانت الجاهلية تحرمه من الميراث محتجة في ذلك بأنه لا يركب فرساً ولا ينكأ عدواً، جاء الإسلام فأعطاه حقه من الميراث وسائر الحقوق المالية، حتى ولو كان لا يزال في بطن أمه لم يخرج إلى الدنيا بعد، فجعله يرث من مال أبيه المتوفى وهو لا يزال جنيناً، وجعله أهلا لصحة الوصية له والوقوف عليه.
وبما أن الغذاء لا يصل إليه – ما دام جنيناً في بطن أمه – إلا بواسطة الأم، أوجب نفقتها على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم – إن لم يكن له مال -، فإن كان له مال، وجبت نفقتها في ماله. ثم بعد خروجه إلى الدنيا، أوجب له حقوقاً أخرى تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة، فأوجب نفقته وأجرة رضاعه وحضانته وختانه – إن لم يكن له مال – على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم، وأوجب نفقته في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له من أقاربه من يستطيع الإنفاق عليه، وجعل له حقاً في خمس الغنيمة والفيء يجب أن يكون بيت المال حافظاً له عليه، إذا وجد، دفع إليه. وإذا لم يقم بيت المال بالإنفاق عليه، فعلى جماعة المسلمين أن يبادروا إلى إغاثته وتفريج الكربة عنه. فعلى المسلمين، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، العناية به بتوفير ما يضمن له ضروريات الحياة، من السكن والغذاء واللباس والتعليم والعلاج، وانتشاله من هذا الضعف والفقر والتشرد والضياع بكل وسيلة مشروعة، كإنشاء دور الأيتام والمدارس لهم، وإن كان من الأفضل أن يعيش اليتيم في كنف أسرة تقية ينشأ مع أبنائها، ويعامل كما يعاملون؛ لأن دور الأيتام لا توجد الحنان كما توجد الأسرة.
2 -
وبما أن اليتيم ضعيف لا يقوى على الانفراد بمواجهة هذه الحياة وتحمل أعبائها إلا بعد أمد طويل يستغرق سنوات، وهو في هذا الضعف يحتاج إلى رعاية تامة تتعلق بنفسه وماله، شرع الإسلام الولاية عليه من الناحية النفسية والمالية، وأرشد الولي إلى فعل ما فيه الخير والصلاح له في حاضره ومستقبله، فأوجب عليه أن يبذل كل ما في وسعه لإصلاح ماله ونفسه، فيصلح نفسه بالتعليم والتربية والعطف والحنان، ويحفظ ماله بالحفظ والتنمية، وبالنسبة لمال اليتيم، حمل الولي عليه في ماله واجبات يجب أن يقوم بها، وتتلخص هذه الواجبات فيما يلي:
الأول: المحافظة على مال اليتيم: فيجب على الولي أن لا يدفع إلى اليتيم أمواله ما دام صغيراً لا يستطيع التصرف في ماله بوجه أحسن، فكان الحجر عليه؛ صيانة لأمواله.
ومع ذلك يجب على الولي أن يأذن له بإبرام العقود والمعاوضات المالية؛ ليتدرب على التجارة، وليعرف مدى حسن تصرفه ونجابته في تصريف ماله، ومن ثم يسلم إليه ماله عند قناعته التامة بأنه رشيد. ويجب على ولي اليتيم أن يبذل كل ما في وسعه لحفظ ماله من أسباب التلف والهلاك، فيكون تصرفه مبيناً على المصلحة والغبطة، فلا يتصرف لمصلحته هو، إلا ما يأخذه مقابل ولايته عليه. وقد أعنى العلماء عناية تامة بهذا الجانب، فكانوا يصدرون فيما يقررونه من أحكام في تصرفات الولي في مال اليتيم من منطق تحقيق المصلحة لليتيم وطلب الأحسن له، ولذلك نراهم يعللون بالأحظ والأصلح والغبطة والأحسن أو عدمها، وما جرى بينهم من خلال في بعض التصرفات، مرده في جملته إلى تفاوت مقاييسهم في تحديد المصلحة لليتيم.
الثاني: إخراج ما يجب في مال اليتيم: أوجب الله – سبحانه وتعالى – في مال المسلم واجبات يقوم بها، فإذا كان المال لليتيم، قام مقامه وليه في إخراج هذه الوجبات. وأهم ما يجب في مال اليتيم ويلزم الولي إخراجه ما يأتي:
1 -
النفقة: الأصل أن نفقة الإنسان في ماله إن كان له مال، فيخرج الولي من مال اليتيم مقدار نفقته بالمعروف، من غير إسراف ولا تقتير.
2 -
الزكاة والأضحية: يجب على الولي أن يخرج زكاة ماله إذا بلغ نصابه، من غير فرق بين الزروع والثمار وسائر الأموال، وأن يضحي عنه من ماله.
3 -
ضمان ما أتلفه اليتيم: يجب على الولي أن يخرج من مال اليتيم قيمة ما أتلفه اليتيم، إذا لم يكن الإتلاف بتفريط من مالكه، وأن يخرج أروش جناياته.
الثالث: دفع مال اليتيم إليه: يجب على الولي أن يدفع لليتيم ماله بمجرد بلوغه رشيداً، من غير حاجة إلى فك الحاكم، ومن غير تفرقة بين رشد اليتيم واليتيمة. وإذا دفع إليه ماله، يجب عليه أن يشهد عند الدفع؛ لتظهر أمانته وبراءة ساحته. وإذا بلغ غير رشيد، يجب عليه أن لا يدفع إليه ماله، وإن بلغ ما بلغ. هذا طرف من أبرز ما توصلت إليه في هذا البحث المتواضع من النتائج، ولا أرى حاجة إلى سرد الموضوعات التي تطرقت بحثها؛ تجنباً للتكرار، مكتفياً في ذلك بالفهرس التفصيلي لها.
وختاماً، أتوجه بالنصح إلى أولياء اليتامى وأوصيائهم أن يتقوا الله فيهم ويراعوا حقهم، كما لو كانوا لهم أبناء فيحسنوا تأديبهم وتعليمهم ما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، كما أن عليهم أن يحفظوا أموالهم ويسعوا في إصلاحها وتنميتها، وأن لا يعرضوها للتلف أو النقص أو الاستئثار بشيء منها.
وليكونوا في الإشراف عليهم في حذر من غضب الله، وليعلموا أن الإهمال في حق اليتيم لا يقتصر ضرره على اليتيم، بل هو ضرر تتفشى جراثيمه وتنتشر سمومه في جسم الأمة، فيعتريها الضعف والانحلال، وتبوء بالخزي والدمار.
وليذكروا أن ما جاء عليهم يجوز في أولادهم، فإن خشوا أن يصيب أولادهم ظلم من بعدهم، فليتقوا الله فيهم، وليقولوا لهم قولاً سديداً. ثم ليعلموا أن من كفل يتيماً وأحسن كفالته، ليس له جزاء إلا الجنة، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)). وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.