الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصوفية في حضرموت – نشأتها – أصولها – آثارها
المؤلف/ المشرف:
أمين بن أحمد بن عبدالله السعدي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار التوحيد – الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1429هـ
تصنيف رئيس:
فرق وملل ونحل
تصنيف فرعي:
تصوف - صوفية
الخاتمة:
انتهى – بفضل الله وإعانته – ما أردته من هذا البحث، الذي تعرض لدراسة الصوفية في حضرموت (نشأتها وأصولها وآثارها)، فلله الحمد أولاً وآخراً على ما أسبغ علي من نعمه الظاهرة والباطنة، وأجلها نعمة الإسلام والسنة، ثم سلوك طريق علم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، وفي ختام هذا البحث أسجل النتائج التي أختم بها هذه الرسالة وهي كالآتي:
1 -
حضرموت لفظ مكون من كلمتين: (حضر) و (موت) ركبت تركيباً مزجياً فصارت كلمة واحدة، وقد اختلف في سبب تسميتها بذلك على أقوال بينتها في فقرات البحث، وتبين أن حضرموت اسم موضع واسم قبيلة.
2 -
تبين من خلال البحث أن حضرموت كانت بها أديان مختلفة قبل دخول الإسلام إليها، فقد وجدت بها عبادة الشمس، وعبادة الأصنام ونحو ذلك، ثم دخلتها اليهودية، ثم النصرانية وبعد ذلك دخلها الإسلام فرحل بعض رجالها إلى المدينة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم ولتعلم دين الله تعالى.
3 -
أن دخول الإسلام لحضرموت كان مبكراً بالنسبة لغيرها من البلدان، وكان لها أثر واضح في نشر الإسلام بعد ذلك، ولكنه عكر هذا الإسلام المصفى ما نشره المتصوفة فيما بعد من الشركيات والبدع.
4 -
تعددت الأقوال في أصل اشتقاق التصوف وفي معناه، وقد ذكرنا بعض تلك الأقوال، وترجح أن التصوف نسبة إلى الصوف؛ لأنه كان غالب لباس الزهاد.
وأما معنى التصوف فالذي يظهر أنه يختلف المعنى بحسب العصور التي يمر بها التصوف، فقد نشأ التصوف في بدايته لأسباب أهمها: نزعة الزهد لدى البعض، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت المجتمع في ذلك الوقت، ثم دخلت عليه نظريات فلسفية أبعدته عن دين الله تعالى، فالتصوف عند بعضهم رياضات يقوم بها السالك لهذا الطريق ليصل من خلالها إلى وحدة الوجود ويشعر أن الكون والله شيء واحد – تعالى الله عن ذلك-.
5 -
إن دخول التصوف إلى حضرموت كمنهج له قواعده وأصوله ورجاله كان في القرن السادس، وتمكن في القرن السابع على يد محمد بن علي العلوي الملقب بالفقيه المقدم، وإن وجد قبله بعض الشخصيات التي تشربت بالتصوف إلا أنه لم يكن لها دور كبير في تأسيس التصوف بحضرموت، وكان لدخول التصوف أسباب بينتها في ثنايا هذا البحث، منها: الجهل، ووجود العلويين القادمين من العراق، والاتصال ببعض البلدان التي دخل التصوف إليها مبكراً وغير ذلك.
6 -
تبين لي من خلال البحث وجود صلة قوية بين أهل حضرموت وبين صوفية العالم الإسلامي خاصة صوفية المغرب، وصوفية زبيد، وإن كان هناك بعض الغموض في التاريخ الحضرمي حيث لم تعرف تفاصيل تلك الصلات، وتتضح الصلة ببلاد المغرب، وذلك بإرسال مندوبين لحضرموت، من قبل شعيب أبي مدين التلمساني؛ لنشر خرقة التصوف هناك، وتحكيم بعض الشخصيات الحضرمية؛ لنشر الطريقة المدينية بتلك الجهة.
7 -
قام الصوفية الأوائل في حضرموت بنشر التصوف بتلك الجهة وإلى جهات أخرى في اليمن وخارجها، وكان لهم تلاميذ نشروا هذا الفكر في مناطقهم بينا أبرزهم ودورهم في ذلك.
8 -
إن الطريقة المنتشرة في حضرموت، هي الطريقة العلوية نسبة إلى آل باعلوي، الذين قدموا من العراق واتخذوا حضرموت موطناً لهم، وتبين من خلال البحث أن هذه الطريقة عبارة عن مزيج من الطريقتين الشاذلية والغزالية، لها طقوسها وشعائرها التي يسلكها المريد ليصل إلى الغايات المزعومة التي يروج لها شيوخ الصوفية.
وقد تفرعت من الطريقة العلوية طرق كثيرة انتشرت في حضرموت وفي بعض بلدان العالم الإسلامي: كالعيدروسية، والحدادية، والعطاسية وغيرها.
كما وجدت بعض الطرق الصوفية بحضرموت، كالعبادية، والعمودية لها ارتباط بالطريقة العلوية في كثير من طقوسها وأهدافها.
9 -
وجد في حضرموت بعض الصوفية الغلاة الذين اعتنقوا فكرة وحدة الوجود وسطروا ذلك في مؤلفاتهم، منهم: عبد الله العيدروس، وابنه أبو بكر، وأبو بكر بن سالم العلوي، وعبد القادر العيدروس، وأحمد باعشن، وهناك بعض المتصوفة لهم إشارات وعبارة توحي بالقول بهذا العقيدة، ويرجع السبب في ذلك إلى التعمق في التصوف بالإطلاع على كتب الغلاة كابن عربي، والحلاج، وابن الفارض، بل قد قام بعضهم بشرح تلك الكتب، كما فعل أبو بكر العيدروس، وأحمد باعشن.
10 -
واتضح من خلال البحث أن الصوفية تتواجد بكثرة بمدينة تريم منذ نشأتها إلى اليوم، إذ تعتبر القاعدة التي بث منها المتصوفة أفكارهم المنحرفة إلى بقية مناطق حضرموت، ثم بقية بلاد اليمن، ثم إلى البلدان الأخرى خارج اليمن: كالهند، وأندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وبلدان شرق أفريقيا.
وأما ما يتعلق بأصول صوفية حضرموت العقدية وآثارها والجهود المبذولة في مقاومتها فيتضح فيما يلي:
عند دراسة عقائد صوفية حضرموت اتضح لي أن القوم بنوا اعتقاداتهم على القصص والحكايات، ومسائلة مشايخهم ونحو ذلك، فهم ليسوا كغيرهم من الفرق الذين كتبوا مؤلفات مستقلة في بيان اعتقادهم، فهذا أمر قليل عند صوفية حضرموت، وإنما تجد تقرير عقائدها مندرجاً في التراجم، وكتب المناقب والكرامات، وكتب التاريخ، وفي الأشعار والحضرات، وكتب الأوراد والأذكار ونحوها.
وتبين أن صوفية حضرموت اتخذت مصادر للتلقي تختلف عن المصادر التي اعتمدها أهل السنة والجماعة؛ فاتضح انحراف صوفية حضرموت في ذلك وتلقيها من غير الكتاب والسنة، وأما نصوص الكتاب والسنة فقد أولوها وفوضوها؛ بل وفسروها بتفاسير باطنية أبعدتها عن معانيها المرادة.
واعتمد القوم الكشف والرؤى والمنامات في تلقي أمور دنيهم؛ بل ادعوا التلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، وكذا من الخضر عليه السلام، ومن مشايخهم الأموات.
وأما التوحيد فقد انحرفوا في جميع أنواعه الثلاثة، ففي توحيد الربوبية: اعتقدوا أن مشايخهم وأولياءهم أقطاب وأغواث يتصرفون في الكون، ويملكون صفات وأفعال الرب تعالى من علم الغيب، والإحياء، والإماتة، والتصرف بالدنيا والآخرة وغير ذلك.
ومن انحرافهم في الربوبية أيضاً: قول كبار مشايخهم بعقيدة وحدة الوجود، وهي الاعتقاد أن الوجود واحد وليس هناك خالق ومخلوق – تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً – وهذه العقيدة نسف لدين الإسلام من أساسه.
وفي توحيد الأسماء والصفات مع قول كبار مشايخهم بوحدة الوجود وجعل صفات الرب للمخلوق فأنهم كذلك اتبعوا منهج المتكلمين – الأشاعرة – وسلكوا طريقهم في هذا الباب، فقالوا بإثبات بعض الصفات دون بعض، وقالوا بالتأويل والتفويض البدعيين في صفات الله تعالى، ونفوا كثير من صفات المولى سبحانه كصفة العلو، والاستواء، والنزول، والكلام. وقالوا في الرؤية أنه تعالى يرى لا في جهة، كما أنكروا صفة الوجه، واليدين، والقدم، والصفات الفعلية – الاختيارية – لله تعالى، كالرحمة، والغضب، والرضا، وقد ذكرت نصوصهم في ذلك ورددت عليها بالأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم.
وأنكرت صوفية حضرموت أن يكون القرآن كلام الله تعالى، وقالوا: هو عبارة عن كلام الله؛ لأن كلامه تعالى – بزعمهم – معنى واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشية الله وقدرته، ليس بحرف وصوت، وإنما هو كلام نفسي.
وتبين أن الإيمان عند صوفية حضرموت مجرد التصديق، فمن أتى بالتصديق عندهم وترك العمل فهو مؤمن عندهم، فهم على مذهب المرجئة في هذا الباب.
وأغفلت صوفية حضرموت توحيد الألوهية فلم يعرفوا معنى هذا التوحيد الذي بعثت به الرسل، ولم يعرف القوم كذلك أول واجب على المكلف، ولا معنى العبادة التي أمر بها العباد، فقادهم ذلك للوقوع في الشرك الأكبر وطلبهم من الأولياء والشيوخ الأموات قضاء الحاجات، ودعاءهم، والاستغاثة بهم، وجعلهم شفعاء عند الله، وكذا توسلوا بهم لعدم معرفتهم بالتوسل المشروع فتوسلوا بذات الشخص وبجاهه، فالتوسل بذات الشخص معناه: جعله واسطة بين الله وبين خلقه، وحرفوا هذه المصطلحات الشرعية ليسوغوا شركياتهم وبدعهم.
كما انحرفت صوفية حضرموت في عدم معرفة نواقض التوحيد، فوقعوا في الشرك، وصححوا شركيات مشايخهم وأوليائهم، وزعموا أن ذلك ليس بشرك، وإنما هم واسطة بينهم وبين الله لا يريدون منهم سوى أن يقربوهم إلى الله تعالى؛ لمنزلتهم الرفيعة عند الله تعالى، فشابهوا في زعمهم هذا قول المشركين تماماً في ذلك، وينطبق عليهم قول الله تعالى:{والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه مختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} [الزمر: 3].
وفي النبوة: انحرفت صوفية حضرموت في هذا الركن الذي يعد الركن الرابع من أركان الإيمان، حيث رفعوا منزلة مشايخهم وأوليائهم إلى مرتبة النبوة، واعتقدوا أن إلهام الولي كالوحي للنبي، وقالوا بعصمة الأولياء، بل وفضلوا علوم أوليائهم على علوم الأنبياء.
واضطربوا في النبوة كذلك، فقال بعضهم بأقوال الفلاسفة من أن النبوة تكتسب بالرياضات والمجاهدات ونحو ذلك، ولم يعبأوا بنصوص الوحي، وإنما اعتمدوا مصادر المكاشفات والأذواق والمنامات ونحوها.
وغلا القوم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا بالحقيقة المحمدية، وأنه أول مخلوق، وأن الوجود خلق من نوره صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا حياته صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا، وتصرفه بالخروج إليهم، ومحادثتهم، والتلقي عنه، كما اعتقدوا تجزؤ جسد النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا إحاطة علمه بالأولين والآخرين، وأنه مرسل إلى جميع الملائكة والنبيين ونحو ذلك من مظاهر الغلو التي نهى عنها الشرع.
وفي القدر: انحرفت صوفية حضرموت في باب القدر الذي يعتبر الركن السادس من أركان الإيمان التي يجب الإيمان بها، فتناقضت فيه حيث قررت أن أولياءها يخلقون فعل أنفسهم؛ بل ويتصرفون في الكون كله ومن فيه – كما هي عقيدة القطبية – نجدها في المقابل اعتمدت عقيدة الجبرية، وسموها كسباً تبعاً للمذهب الأشعري، فنفت وجود قدرة للعبد مؤثرة في الفعل، كما نفت الأسباب أن تكون أسباباً، ونفت الحكمة والتعليل في أفعال الله، وقالت بقول المتكلمين في التحسين والتقبيح، وكذا انحرفت في مفهوم التوكل الصحيح حيث دعت لترك الأسباب، وادعت أنهم بترك الدنيا تسخر لهم الأكوان.
كما ادعى القوم معرفة ما في اللوح المحفوظ، وتصرفهم فيه كيف شاءوا.
وانحرف القوم في الركن الخامس من أركان الإيمان، وهو الإيمان باليوم الآخر، فتكلموا في أمور المعاد بلا علم، وأولوا بعضها بكلام يشبه كلام الباطنية، وادعوا تصرفهم فيها، فقد زعموا أن أولياءهم يحشرون يوم القيامة أمة لوحدهم، ويتصرفون في الصراط فيمرون عليه، بل وإمرارهم لمن يشاءون من الناس ثم إدخالهم الجنة. في الصراط، ومرورهم عليه بسلام وإمرار غيرهم معهم إلى الجنة. كما ادعوا التصرف في الجنة والنار، وتكلموا في شأنهما بلا علم، وزهد كبارهم في الجنة ولم يبال بالنار، وادعوا معرفة مصير الخلق في الآخرة، وضمان الجنة لمن يشاءون، وإخراج من يشاءون من النار.
وفي عذاب القبر ونعيمه: زعموا أن أولياءهم ومشايخهم يطلعون على أمور البرزخ، ويتصرفون فيه أحياءً وأمواتاً، وخاضوا في الكلام فيما يقع بعد الموت بلا علم ولا دليل، وقالوا بعدم انقطاع عمل الولي بعد موته.
وأما آثار صوفية حضرموت فكثيرة نجملها في الآتي:
الغلو في الأولياء والصالحين: وهذا الأثر أعظم الآثار التي تتميز به الصوفية في كل زمان ومكان، إذ دينهم قائم على تقديس الأشخاص، حيث أعطوا أولياءهم ومشايخهم صفات الرب تعالى، واعتقدوا رعايتهم – أحياء وأمواتاً – للناس، وبالتالي صرفوا لهم أنواعاً من العبادات، ولو لم يكن من آثار صوفية حضرموت إلا هذا الأثر لكفى؛ لكون جل المخالفات والانحرافات سببها الغلو في الذوات والأماكن ونحوها.
وغلت صوفية حضرموت في القبور فصرفت لها كثيراً من العبادات، وسبب ذلك الغلو في الأموات، فقد بنوا قبورهم، واتخذوها مساجد، ووضعوا عليها السرج وزخرفوها وأحاطوها بالتقديس والتعظيم، ونشروا الحكايات في عقوبة من لم يعظمها، وروجوا لزيارة قبور مشايخهم ومعظميهم بوسائل كثيرة، وشدوا الرحال إليها لاعتقادهم بركتها لاسيما قبور كبارهم الذين ادعوا لهم مطلق التصرف في أمور الدنيا والآخرة أحياءً وأمواتاً.
وأما العبادات الشركية والبدعية عند صوفية حضرموت فقد ظهرت عبادات شركية وبدعية كثيرة، مثل: الخلوات الصوفية، والاحتفالات البدعية، والأوراد والصلوات الصوفية بل كثير من تلك الأوراد تحتوي علي الشرك الأكبر.
ومن آثارهم: نشر الفكر الصوفي بوسائل متعددة، منها: التأليف والنشر وهي أكثر الوسائل انتشاراً، كما كان لهم أثر في الرحلات التي يقوم بها مشايخهم إلى مناطق مختلفة لبث عقائدهم وأعمالهم الشركية والبدعية، وكان لانتشار المكتبات والتسجيلات الصوفية ونحوها أثر في بث فكر هذه الطائفة.
ومن آثارهم أيضاً نشر الأربطة والزوايا: التي تعتبر محاضن الصوفية حيث تضم مختلف شرائح المجتمع، فقد بنوا تلك الزوايا والأربطة في مناطق مختلفة من بلاد اليمن بل وخارجها.
ومما تقدم يتضح خطورة الصوفية وعقائدها، ومناقضتها لأصول الإسلام وتأثيرها الهدام على العقيدة والعبادة والأخلاق، وما تركته من انحرافات علمية وعملية في مجتمع حضرموت وفي غيره من البلدان التي هاجر متصوفة حضرموت إليها خير شاهد على ذلك.
ورغم تلك الآثار السيئة التي خلفتها الصوفية في بلاد حضرموت وغيرها من البلدان التي وجدت بها إلا أن هناك من قام بمحاربة هذه الآثار السيئة على تلك البلدان، ومن أوائل أولئك أهل حضرموت أنفسهم، فقد وجد بها علماء من العلويين وغيرهم قاموا بمحاربة التصوف بوسائل مختلفة، كما بينا ذلك في مبحث الجهود ضد هذه الطائفة الدخيلة على أرض حضرموت، وتمثلت تلك الجهود بأمور كثيرة، منها: التأليف، والتحذير، والمقاومة لتلك الأعمال بقدر المستطاع، وكذا شاركهم إخوانهم من بلاد اليمن وخارجها، كما كان لبعض الولاة وبعض القبائل جهود مشكورة في نصرة الحق ومحاربة الباطل وأعوانه، واستمر هذا العطاء والبذل من أهل العقيدة الصحيحة إلى يومنا هذا، فقد وجد أهل العلم الذين يدرسون العقيدة الصحيحة، وأنشئت المراكز العلمية لتدريس دين الله تعالى، وانتشر دعاة الحق في بلاد حضرموت، وقام بعض أهل العلم بالرد على مخالفات صوفية حضرموت بالكتب والنشرات، والأشرطة الصوتية، وعبر مواقع الإنترنت وغيرها من الوسائل، فنفع الله تعالى بتلك الجهود حتى عاد الكثير من الناس إلى الحق بعد أن بقوا في شرك التصوف مدة طويلة.
كما تبين من خلال هذا البحث خوف أهل الباطل من الحق وأهله، حيث أدرك متأخرو صوفية حضرموت وأتباعهم الباطل الذي هم عليه ومضى عليه سلفهم، فاضطروا لحذف كثير من الانحرافات التي احتوتها كتب سلفهم؛ كما فعل محمد بن أحمد الشاطري في المشروع الروي حيث حذف كثيراً من خرافاته لأنها – بزعمه – لا تناسب العصر، وكما يفعله هذه الأيام أبو بكر بن علي المشهور في كثير من كتبه من تخريج العبارات الشركية لسلفه.
وكذا اتضح لي من خلال البحث في مؤلفات القوم في هذا الزمان خوفهم من ذكر أسمائهم على مؤلفاتهم وخاصة ما تعلق بالعقيدة، حيث يضعون عليها الأسماء المستعارة ثم ينكشف أمرهم بذكر هذه المؤلفات في كتبهم الأخرى، وقد ذكرنا أمثلة على ذلك في ثنايا هذا البحث، وهذا يبين إدراك القوم خطر ما هم عليه من الباطل وخوفهم من الحق وأهله.
كما يتضح من خلال البحث استعمال متصوفة حضرموت العبارات البراقة – التي تخفي تحتها السموم –،مثل تسمية أنفسهم بدعاة الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف، ودعاة منهج أهل البيت المظلوم في هذا الزمان، وغيرها من العبارات؛ التي تهدف لاستمالة قلوب العوام والجهلة بمذهبهم المنحرف.
إن ما يذكرونه عن مشايخهم وصالحيهم من الكفر والضلال وإقرار المنكرات، إما أن يكون: كذباً عليهم ويلزم الأتباع التبرئة ممن قاله، أو افتري على مشايخهم، وإلا فإنهم مقرون بالباطل، ثم إن هذه ليست بكرامة؛ لأن الوقوع في الباطل أو إقراره ليست كرامة، إنما هي إهانة وضلال، ودليل على عدم اهتداء فاعل ذلك للحق والهدى، فأنت ترى أهل السنة موفقون في أقوالهم وأفعالهم، وإن جهل حال بعضهم فأقوالهم وأفعالهم الحميدة تدل على سلوكهم طريق الهداية، ولكل نصيب من ولاية الله تعالى كل بحسبه؛ فإن الولي هو المؤمن التقي، والله المستعان.
وتبين أن الصوفية في القرنين الرابع والخامس عشر أقل تأليفاً عن سابقيهم، لقلة البضاعة والضعف العلمي، والجمود على بدع وضلالات سابقيهم، والتمسك بها دون الحيدة عنها، بالإضافة إلى الانشغال بالدنيا، وإن تكلموا فيرددون الشبه القديمة التي مضى عليها أسلافهم، كما استغل بعضهم مسألة النسب لنشر باطلهم ودعوة الناس إليه.
ينبغي التنبيه أن الصوفية المعاصرين يدعون – كسلفهم –،أن التصوف: هو معالجة القلوب التي أظلمت عليها المعاصي، وزخارف الدنيا
…
إلخ، وكذا ادعاؤهم أنهم شافعية، وأن منهجهم منهج الوسطية والاعتدال البعيد عن التطرف، وأن مدرستهم هي المدرسة الأبوية التي يجب الانضمام إليها؛ فبنوا المراكز الصوفية لنشر فكرهم، وساعدتهم على ذلك الإمكانيات الكبيرة، والعلاقة الكبيرة بكبار الأغنياء في بلدان مختلفة أعانوهم على ذلك، وكل ذلك لن يجدي شيئاً؛ فالحق واضح وقوي، وإن رفع الباطل رأسه في بعض الأوقات فلن يستمر طويلاً.
وفي ختام هذا البحث الذي أسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يتقبله، وأن ينفع به فإني أوصي بما يلي:
أوصي نفسي وإخواني في الله بوصية الله تعالى للأولين والآخرين وهي تقوى الله تعالى، كما قال تعالى:{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131] فمن تمسك بهذه الوصية رزقه الله العلم النافع والعمل الصالح، اللذين بهما سعادة العبد في الدارين.
وأوصي إخواني الباحثين بدراسة الفرق التي ظهرت في بلاد اليمن، ومعرفة أصولها وعقائدها وآثارها السلبية على المجتمع اليمني، وإبراز الجهود ضد تلك الفرق والطوائف، حيث وجدت جهود مشكورة بذلها أهل السنة في محاربة الفرق التي ظهرت هنالك: كالإسماعيلية، والصوفية، والإباضية، والزيدية، والمعتزلة والأشعرية، فينبغي القيام بهذا الأمر واحتساب الأجر من الله تعالى.
كما اقترح دراسة المسائل العقيدة في الكتب التاريخية، فإن تاريخ اليمن عموماً، وتاريخ حضرموت خصوصاً احتوى على كثير من المسائل العقيدة المبثوثة، فحبذا لو جمعت تلك المسائل ودرست في رسالة.
كما أوصي بدراسة تاريخ حضرموت دراسة علمية صحية متجردة، وبيان سبب الغموض الذي ساده، وكذلك إبراز جهود أهل العقيدة الصحيحة الذين حاربوا التصوف الدخيل على بلاد حضرموت من أول يوم، فإن كتب التاريخ وكذا كتب الصوفية أشارت إلى وجود خلاف من بعضهم ولم تفصل؛ لأن بيان ذلك يضرها.
كما أوصي بدراسة أثر الدعوة السلفية على حضرموت خصوصاً وعلى اليمن عموماً، خصوصاً دعوة شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب – رحمهما الله تعالى -.
وأوصي بالبحث في تاريخ حضرموت المشرق، الذي احتضن دعوة أهل السنة منذ فجر الإسلام، وقام أهله بدور بارز في نصر الإسلام والمسلمين داخل اليمن وخارجها؛ فقد كان منهم المجاهدون أصحاب الفتوحات، ومنهم العلماء والمحدثون والقضاة فحبذا لو درس هذا الجانب المضيء من تاريخ هذا الإقليم الكبير من بلاد اليمن.
والوصية أيضاً بالإسهام في إظهار جهود علماء حضرموت السلفيين – الذين تجاهلهم كثير من المؤرخين الحضارمة – سواء بالمحاضرات، أو إصدار الكتب والكتيبات التي تبين دورهم في نصر دين الله تعالى، وتحفيزهم أهل حضرموت للتأسي بمنهجهم الرشيد في بيان التوحيد ومحاربة الشرك والبدع.
كما أوصي القائمين على المدارس والجامعات اليمنية بالتحذير من فرقة الصوفية وغيرها من الفرق؛ وذكرت الصوفية لملاحظة نشاطهم الواضح في الآونة الأخيرة في بلاد اليمن العزيزة.
وينبغي عدم التهاون بشأن هذه الفرقة، بل الواجب التحذير منها ومن شيوخها الذين يبثون شرهم بأسماء براقة، منها: دعاة الوسطية، والاعتدال، ومدرسة أهل البيت ونحو ذلك من التسميات التي لا تغير من الحقيقة شيئاً.
كما أوصي بعقد الندوات والمؤتمرات الإسلامية؛ لتوحيد الجهود ضد هذه الفرقة ومن على شاكلتها، وبيان عقائدها وبدعها لتحذير الأمة من شرها.
كما ينبغي تحذير دور النشر من نشر أو طباعة الكتب التي يبثها المتصوفة؛ لإعادة المسلمين إلى عهد الجاهلية الأولى من عبادة غير الله؛ وأتباع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشر العقيدة الصحيحة بين أفراد الناس بمختلف الأساليب، منها: إرسال الدعاة من العلماء، وطلبة العلم الأقوياء، والدعاة المتميزين؛ لنشر الحق في تلك الأماكن، وكذا إرسال الكتب والأشرطة ونحو ذلك واحتساب المثوبة من المولى جل في علاه.
تكثيف الجهود في القضاء على الجهل الذي وجد في حضرموت في فترات من الزمن، ولا يزال موجوداً في بعض الأماكن التي يندر أو يقل فيها دعاة الحق، كما أن للزيارات الدعوية دوراً هاماً في القضاء على الجهل، وكذلك الواجب على الدعاة نشر الكتب السلفية والأشرطة الداعية إلى التوحيد والمحذرة من الشرك والبدع.
ومن الوصايا الصبر في الدعوة، وسعة الصدر في ذلك، وإظهار صفات الداعية السني الذي يجب أن يتمتع بالخلق الحسن؛ إذ أن صوفية حضرموت تختلف كثيراً عن صوفية البلدان الأخرى، لما يتمتع به متصوفة حضرموت من الأخلاق، والصبر، وطول البال – كما يقال – في دعوتهم، وكذلك السخاء الذي يبذلونه للناس الذي جر الجهال بحقيقة مذهبهم إلى التمسك بما هم عليه؛ بل والدفاع عنهم لاسيما من بعض القبائل الموالية للصوفية.
ومن التوصيات كذلك: السعي لدعم دعاة الحق وتزويدهم بالكتب، والمراجع التي تهتم بمسائل التوحيد، والرد على طوائف الباطل بما فيهم الصوفية، للاستفادة منها من الرد على شبهاتهم التي يتداولها اللاحق عن السابق.
انتهاز الفرصة للحوار مع كبارهم، لاسيما وهم ينادون. بالحوار، ويكون الحوار لمن له أهلية في العلم، ويتمتع بآداب الحوار، ولديه الصبر، بشرط أن يجعل الحكم بين الجميع الكتاب والسنة وفق مذهب السلف دون غيره، مع مراعاة المصالح والمفاسد، ويكون ذلك لأهل العلم الذين يقدرون الأمور قدرها.
تمكين أهل حضرموت من المنح الدراسية في الجامعات الإسلامية في المملكة، لما تلعبه تلك الجامعات من دور كبير في توضيح العقيدة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح؛ لينهل الطلاب من معينها الصافي ثم يعودون إلى وطنهم دعاة هدى داعين إلى سبيل ربهم على بصيرة.
الدعوة لفتح معاهد سلفية تتبع المملكة في عموم بلاد اليمن وبلاد حضرموت، لما سيكون لذلك –بإذن الله- من أثر بالغ في المجتمع الحضرمي؛ لاسيما والناس على فطرة ومحبة للتوحيد ودعاته.
الاهتمام بالصحف التي تعالج أوضاع الناس، وتجيب على استفساراتهم، وتبين لهم دينهم، وكيفية التعامل بما يرضي ربنا جل وعلا، وتكون غايتها الاهتمام ببيان العقيدة الصحيحة والتحذير مما يضادها، وتصدر هذه الصحف والمجلات عن هيئة حكومية يقوم عليها أهل العلم السلفيون.
بث العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح وذلك: بالمحاضرات، والدروس بواسطة الوسائل الحديثة في هذا العصر؛ كالأشرطة الصوتية، وأقراص الكمبيوتر، وعبر شبكات الإنترنت في حضرموت وفي غيرها من البلدان الأخرى التي بث فيها المتصوفة شرورهم، وبلغات تلك البلاد؛ كبلاد الهند، واندونيسيا، وماليزيا، ونحوها.
المساهمة في نشر الدورات العلمية الصيفية في حضرموت وغيرها لتدريس كتب التوحيد والسنة والمحاضرات الهادفة لتصحيح العقيدة، والإجابة على استفسارات الناس في أمورهم الدينية والتحذير من الشرك والبدع.
وأوصي ولاة الأمور في بلدي – وفقهم الله لما يرضيه – بالقيام بإزالة المنكرات التي خلفتها الصوفية في بلاد الإيمان والفقه، ويكون ذلك بهدم القبور المرتفعة، وتسويتها بالأرض تنفيذاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإزالة المشاهد المبتدعة، ومحاربة الشركيات والبدع التي بثتها الصوفية في أنحاء كثيرة من اليمن، ومنع كتب الصوفية من التداول ومنع تدريسها في المساجد والمجالس والمناسبات؛ لأن ذلك سبب لغضب الله تعالى، وزوال نعمه من بلاد اليمن التي دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فلا نكون سبباً في إزالة النعم بالسكوت عن المنكرات المخلة بدين الإسلام.
وأوصيهم – مأجورين – بإتلاف كتب المتصوفة وغيرهم من أهل البدع والضلال التي نشروها في بلاد اليمن الغالية؛ لما تحويه تلك المؤلفات من الشركيات والخرافات والبدع.
كما أوصي القائمين على الدعوة في اليمن بعدم إغفال أمر الصوفية والاستمرار في الرد عليهم من بعض أهل العلم؛ لأنه ظهر تهوين بعضهم – في الآونة الأخيرة – من أمر الصوفية في حضرموت، وهذا له خطورته، فلا ينبغي الاستهانة بالخصم، ولعل ذلك من الأسباب التي جعلت القوم ينشطون في الآونة الأخيرة، ليس على مستوى حضرموت واليمن فقط، بل على مستوى العالم الإسلامي.
والوصية بالانتباه لخطر الصوفية والشيعة في اليمن، فهم يتحينون الفرص لينقضوا عل أهل السنة، ويعيدوا الأمة إلى الجاهلية الأولى بتشييد الأضرحة وإحياء الشرك، وطمس التوحيد والسنة – والله المستعان.
الوصية بتدريس كتب الأئمة والعلماء عموماً، وتدريس كتب علماء الشافعية؛ أهل المعتقد الصحيح – خصوصاً – وذلك لإلزام القوم بما عند هؤلاء العلماء من الحق الذي أضاعه المتصوفة، وبيان أن الدين دين الله تعالى وليس دين فلان أو فلان، وإنما العز والتمكين لمن حكم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على نفسه ومن يليه ولزم طريق السلف الصالح قال تعالى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين] [الأعراف: 128].
وأخيراً أوصي صوفية حضرموت ومن اغتر بهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي أبناء المسلمين الذين يجرونهم إلى هاوية الجحيم، فإن الأمر عظيم، وسيقفون غداً بين يدي الله تعالى فعليهم أن ينقذوا أنفسهم وأهليهم من النار، وأن يتبرأوا من التبعات التي ارتكبوها والمخالفات التي جنوها، وينصحوا لأنفسهم وللمسلمين قبل أن يداهمهم هادم اللذات، ولات ساعة مندم.
وأذكر أهل حضرموت أن أسلافهم كانوا على السنة، ولم يعرفوا التصوف ومظاهر انحرافاته إلا في القرن السابع، لذا تقدم في البحث اهتمام سلفهم بالعلوم الفقهية ولم يعرفوا التصوف ورسومه المنحرفة، بل إنكار علماء حضرموت المتقدمين لبدع القبور ورفعها، وقد شهد بذلك الصوفية العلويون فضلاً عن غيرهم، فكيف لأهل حضرموت أن يستبدلوا الخير الذي مضى عليه أسلافهم من العلم النافع والعمل الصالح بالذي هو أدنى وهو التصوف المنبوذ عند كل صاحب عقيدة سليمة.
وأقول أخيراً: إن النهضة الإسلامية التي شهدتها بلاد اليمن في السنوات الأخيرة بعد خروج الشيوعيين من البلاد لتبشر بخير ومستقبل للإسلام، وأن النصر والبشرى لمن تمسك بهذا الدين العظيم، فنسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.