الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقد مجازفات حمزة المليباري
المؤلف/ المشرف:
أحمد بن صالح الزهراني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الإمام مالك - أبو ظبي ̈الأولى
سنة الطبع:
1425هـ
تصنيف رئيس:
علوم حديث
تصنيف فرعي:
نقد كتاب أو فكر
رأينا فيما سبق أن الدعوى العريضة التي ينادي بها الدكتور المليباري ومن يشايعه دعوى لا تستند إلى واقع علمي، ولا إلى معطيات تاريخية، وكل ما هنالك أن هذه الدعوى اتسعت لتخدم أغراضا لأكثر من اتجاه، وكلهم وظفها لتمرير ابتكاراتهم ومخترعاتهم، التي ما كان لها أن تروج وأن تلقى قبولا لدى بعض الطلبة، لولا أنها استخدمت عنصر المتقدمين، فإن المتقدمين أو السلف لهم في ذهنية أهل السنة مكانة عظيمة من التوقير والاحترام، والرجوع إليهم وإلى مناهجهم وأصولهم يعتبر ركيزة في التلقي والاتباع، لهذا فقد وظف هذا المصطلح بقوة غاب معها عن ذهن المتلقي ماذا يعني السلف للسلفيين، وماذا يعني التقدم الزماني بالنسبة لأهل السنة؟
الإجابة على هذا السؤال هي حقيقة منهج السلف في الإيمان والتلقي والاتباع، إن السلف بأشخاصهم وأفرادهم واجتهاداتهم لا يشكلون صورا نمطية يجب على اللاحقين لهم تكرارها واستنساخها، أبدا، بل هذا هو لب خلاف أئمة السلف مع المتعصبة والمقلدة، حتى أعلنها أئمة المذاهب الأربعة صريحة: لا تقلدني. و: خذ من حيث أخذنا. نهي عن التقليد، وأمر بالأخذ من حيث أخذوا، فمنهج السلف إذن أن نأخذ من حيث أخذوا، وبالطريقة والمنهج الذي به أخذوا، ولا يهم بعد ذلك أن نوافقهم في النتيجة أم نخالفهم، وهذا هو الأصل في كل مجالات الاتباع، سواء في ذلك مجال المنهج والاستنباط، أو مجال العلم والاتباع.
ولهذا كان الواقع التطبيقي والتاريخي في العلم والمنهج والتلقي هو هو عند السلف وأتباع السلف، أيا كان العلم الذي هو مجال البحث.
ففي الفقه مثلا والأحكام العملية: المصادر واحدة، ومنهج الفهم والتلقي واحد، بينما الأحكام مختلفة
وهنا في علوم السنة: المصادر واحدة، ومنهج الفهم والتلقي واحد، بينما الأحكام مختلفة.
ثم ماذا بعد؟
لكن الاجتهاد واتباع الدليل والبرهان أمر مزعج غاية الإزعاج بالنسبة لمن عاش بين ركام الروايات، والأوجه، والتخريجات، والتفريعات. لا أقول على ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وإنما على ما جاء عن إمام المذهب أو المشايخ.
تصور أن عشرات التفريعات والأقوال والخلافات تنتهي عن المحدثين بإبطال النص الذي قامت عليه لأنه ضعيف لا يثبت.
تصور أن عشرات المنكرات والعظائم في مذهب ما تمارس علنا عند المحدثين؛ لأن النص الذي جاء بالمنع منها لا يثبت.
تصور عشرات البدع عند أئمة المذاهب، يمارسها المحدثون؛ لأنه جاء بها الأثر الثابت على أنها سنة متبعة.
تصور عشرات السنن عند المذاهب ينكرها المحدثون؛ لأنها قائمة على الرأي الباطل.
إن هذا يقرب للناظر سبب تلك الهجمة الشديدة الطاحنة على السلفية كمنهج متحرر من قيود التبعية والتقليد، يأخذ بالدليل عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الميامين، فمن وافق الحق من الأئمة والعلماء عرفناه بالحق، واتبعناه؛ لما معه من الحق والبرهان الملزم.
ومن خالف الحق من الأئمة والعلماء اجتهادا، خالفناه وعذرناه واحترمناه، وأحببنا فيه اجتهاده وحرصه على الحق، فنحن وإن خالفناه في النتيجة، إلا أننا نوافقه في المنهج والطريقة، مادام متبعا للسلف.
وأما من خالف الدليل الساطع والحجج والآثار لقول إمام المذهب وشيخ الطريق ومفتي البلد ومعلم الحلقة، فهذا نخالفه ولا نعذره ولا كرامة ولا نعمة عين.
وهذا الصنف هو الذي يؤلب على أهل الحق، ويرميهم بالعظائم التي من أعظمها كذبا وأكثرها رواجا عدم تقدير السلفيين للأئمة والعلماء المتقدمين، لماذا؟ لأنهم لا يقلدونهم؟!
لقد كانت تلك دعوى المقلدة من قديم ضد السلفيين وأهل الحديث، لكنها مع تقادم العهد أصبحت حجة بالية، خصوصا في البيئات العلمية التي تأثرت بالدعوة السلفية. لكن الباطل له تلون، ففي كل مكان يظهر بلون لا يتميز به عما حوله.
فظهرت نعرة التقليد والدعوة إليها، لكن الآن من عمق منهج السلفيين ومنهجهم، وبلباس عجيب: لباس نبذ التقليد!!
وجاء أصحابها بعنوان جميل براق: العودة إلى منهج المتقدمين في الحديث. وهذا يعني أمورا عدة: أهمها أن المتأخرين والمعاصرين ليسوا على هذا المنهج القديم.
وبناء عليه فإن النتائج الإصلاحية للمتأخرين والمعاصرين من سنن أحيوها، وبدع أماتوها تحتاج إلى مراجعة ونقد.
ثم بعد تفتيش تجد هذه الدعوى ومن ينادي بها لا يخرج عن أطر:
فإما هو من متعصبة المذاهب أو الطرق الذين أعياهم القدح في منهج التلقي والاتباع الذي انتشر وطغى على طرائق الصوفية والمذهبيين في تبجيل وتقديس الأئمة والعلماء فوق النص.
وإما هو للأسف ممن أعماهم الحسد لبعض العلماء والأئمة الذين كتب لهم القبول، كالشيخ ناصر الدين رحمه الله فلم يجد في نفسه من الثقل العلمي ما يؤهله للقدح في الشيخ ومنهجه، فاستعان بالمتقدمين والتباكي على منهجهم، وبعض هؤلاء للأسف من أهل العلم!
وإما هو جاهل مغرر به، دفعه شيوخه وأصحابه دون وعي لتبني هذه الفكرة وترويجها، ووضعوه في الواجهة لتلقي صدمة الإنكار الأولى من رموز السلفيين وشيوخهم، وعلى رأسهم الشيخ ناصر الدين رحمه الله.
وبطبيعة الحال فإن دعوة وتسهل وتسهم في الطعن بمنهج أحد أئمة السلفية في العصر الحديث، وهو الشيخ ناصر الدين رحمه الله ستكون موجة يركبها كل من يريد الوصول بها إلى هدف له، وفعلا تجد أصحاب هذه الدعوى أخلاط من شتى الاتجاهات، وكثير منهم للحق والحقيقة غوغاء دهماء لا وزن لهم، وإنما سمعوا بهذه الدعوى، ووظفوها كأصحاب منهج التكفير والخروج، وكبعض الصوفية وشيوخ الطرق، وبعض متعصبة المذاهب. نسأل الله العافية.
ومن هنا حرصت في هذا الكتاب على بيان وهاء الأسس التي بنى عليها المليباري ومن معه هذه الدعوى، خصوصا وأنه من أجلها بدأ يخلط ويهدم ويبني، فهو يخلط الحق بالباطل، وهو يهدم الحق إذا خالف توجيهه، ويبني باطلا ويؤسسه؛ نصرة لنظرة معينة تؤيد فكرته، ولهذا وقع في التناقض العجيب، وساعد على ذلك اجتهاده وحرصه، لكنه اجتهاد وحرص في غير محله، وأظن الدكتور وقع ضحية توجيه من أحد شيوخه، أو ممن استفاد منهم وأقنعه بالفكرة، خصوصا وأنه يخالف منهجه الحالي صراحة في رسالته الدكتوراة، وبيننا وبينها سنوات معدودة فقط، مما يدلل طراوة الدكتور وفكرته التي لا أظنها تيبس أبدا، فما بني على باطل فهو باطل.
أعود لأقول: إننا لا نتحفظ أبدا على نقد الشيخ ناصر الدين الألباني، ولا أي شخص نقدا بناء هدفه الحق، والوصول إلى الحق، فليس عند السلفيين وأهل الحديث معصوم إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الهجمة لم تستهدف الشيخ ومن قبله من الأئمة في مسائل تفصيلية جزئية، مما نختلف نحن أيضا مع الشيخ فيها.
وإنما استهدفت الطعن في منهج الشيخ في التصحيح والتعليل، بل سحبت هذا الحكم ـ مبالغة في البغي ـ على عدة قرون ممن تطلق عليهم مصطلح المتأخرين، تحكما وتصنيفا لا مستند له.
وإن كان علي من شكر أتقدم به، فإني ـ بعد شكر الله تعالى ـ أشكر من قرأ الكتاب وشجعه من الإخوة والمشايخ الفضلاء، وأخص بالشكر الشيخ علي رضا، وفقنا الله وإياه الذي كان بحق أسرعهم استجابة وبذلا لوقته، وأفادني بملحوظاته القيمة التي انتفعت بها حقا، فجزاه الله خيرا، ونفع الله به.
ورجائي ـ كما دعائي ـ أن ينفع الله بهذا الكتاب الموافقين والمخالفين، وأن يغفر لنا الزلل والخطأ، فوالله ما تعمدته، إلا أن تكون غفلة البشر ونقصهم وعجزهم، فما فيه من خطأ وعيب فعيبي ونقصي وعجزي، ونفسي هي سولت لي والشيطان، وما فيه من صواب فهدى الله هداني إليه، وبتوفيقه وفقني وأعانني عليه، فله الحمد أولا وآخرا، وله المنة من قبل ومن بعد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.