الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصطلح منهج المتقدمين والمتأخرين - مناقشات وردود
المؤلف/ المشرف:
محمد بن عمر بن سالم بازمول
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الآثار - مصر ̈الأولى
سنة الطبع:
بدون
تصنيف رئيس:
علوم حديث
تصنيف فرعي:
دراسات حديثية
الخاتمة: تلخيص مجمل الكتاب وما جاء فيه:
فأقول:
المشكلة:
صعوبة دراسة علم الحديث، إذ طالب الحديث المبتدئ يعسر عليه ما يلاحظه من المفارقة بين الدرس النظري والتطبيقي.
كما أن مخالفة أحكام الأئمة ليست بالأمر السهل، إذ حقيقة شمولية وعمق ومباشرة أئمة الحديث للرواة، وواقع الرواية يجعل لأحكامهم من المزية ما ليس لغيرهم، فما بالك بمخالفتهم في التصحيح والتضعيف؟!
وهذا بدوره يؤدي إلى عدم وضوح النتيجة العملية في التصحيح والتضعيف، فهل يعمل بالحديث الذي صححه الأئمة وضعفه من جاء بعدهم، وهل يترك العمل بحديث ضعفه الأئمة وصححه من جاء بعدهم؟
أسباب المشكلة:
1 -
مفارقة القواعد المقررة في علم الحديث نظرياً عن الواقع في تخريج الحديث في أحيان كثيرة.
2 -
وجود عبارات لأئمة الحديث لا تتطابق في الظاهر مع ما هو مقرر في علم الحديث عند تعريف الأنواع ومصطلحاتها.
3 -
وقوع تساهل في تقوية أحاديث هي معلولة عند أئمة الحديث، أو تضعيف أحاديث هي صحيحة عند أئمة الحديث.
4 -
إدخال كلام الأصوليين وترجيحاتهم أثناء عرض مسائل علم الحديث، بل وتبني بعض أهل الحديث لما هو راجح عند الأصوليين لا ما هو راجح عند المحدثين، مثل مسألة زيادة الثقة.
حل المشكلة:
سلك الدارسون لهذه المشكلة عدة اتجاهات لعلاجها، أجملها في مسلكين:
المسلك الأول: مسلك الدفع والمفاصلة.
المسلك الثاني: مسلك الاحتواء والتوجيه.
ولنشرح هذا نقول:
شرح المسلك الأول: مسلك الدفع والمفاضلة
رصدت في هذا المسلك اتجاهين متوازيين، ينتهيان إلى ما سميته بـ:(الدفع والمفاضلة)، وهما:
الاتجاه الأول: طرح كلام المتأخرين جملة وتفصيلاً، لأنه لا يمثل ما عليه أهل الحديث المتقدمون، ولأنه يفارق عباراتهم وكلامهم على الحديث وتعليله جملة وتفصيلاً، ويدعو إلى إعادة كتابة علم الحديث، ونبذ تقريرات ابن الصلاح ومن بعده إلى ابن حجر، بل حتى ما كتبه ابن حجر العسقلاني رحمه الله في (نزهة النظر) يمثل خطرا شديدا على علم الحديث، فهو قد جرى في بعض مباحث كتابه (نزهة النظر) على منهج خطر على السنة وعلومها، وهو ما عبر به عنه بـ:(منهج تطوير المصطلحات).
ومن نافلة القول: إن هذا المنهج يجري على دفع أحكام المتأخرين على الأحاديث، وإعادة النظر في كل كلامهم على الأحاديث تصحيحا أو تضعيفا، فما وجد من كلام المتأخرين موافقا لكلام الأئمة المتقدمين فهو مقبول، وما لا فهو مردود، لا التفات إليه أصلا.
الاتجاه الثاني: يقرر أن هناك منهجا للمحدثين ومنهجا للفقهاء والأصوليين، لكنه يتحكم في هذه القضية، فهو يخرج من أهل الحديث من عرف بالتساهل أو التشدد، ويرى أنه لا يمثل أهل الحديث وإن كان متقدما بالزمن، فابن حبان والحاكم ومن قبلهم الترمذي وقس عليه من عرف بالتساهل من أهل الحديث هم عندهم ليسوا من أهل الحديث، ولا تعد أقوالهم التي يظنون أنهم تساهلوا فيها ضمن أقوال أهل الحديث المتقدمين. وقد يغلو بعض هؤلاء فيردون أحكام المتأخرين على الأحاديث بلا تفصيل.
ويختلف هؤلاء عن من قبلهم في أنهم لا يدعون إلى إعادة كتابة علم الحديث، إنما ينبهون إلى حصول تساهل فيها من جهة إدراج بعض أقوال الفقهاء والأصوليين فيها، أو أنها تضمنت في مواضع ترجيحات في مسائل لا تمثل أهل الحديث.
شرح المسلك الثاني: مسلك الاحتواء والتوجيه:
يقرر هذا المسلك حصول مفارقة بين التطبيق والدراسة النظرية في بعض الأحيان، كما يقرر أن بعض عبارات الأئمة غير منطبقة تماما مع تعريف بعض الأنواع والمصطلحات في كتب علم الحديث، ويبرر هذا بأمور:
- أن لكل حديث نظرا خاصا به.
- أن مصطلحات كل إمام من أئمة الجرح والتعديل تحتاج إلى دراسة يتبين منها مراده، وما زال الأمر بحاجة إلى مزيد من الدرس والتدقيق؛ للوصول إلى برد اليقين في ذلك.
- أن عامة كلام الأئمة إنما خرج تعليقا على حال راو، أو على حديث، مما يبعد معه الجزم أن مراد الإمام بتلك العبارة التقعيد العام، بل الظاهر بقرينة الحال وملاحظة مخرج الكلام أن مراده بعبارته كشف الحال المعين الذي يتكلم فيه، إما الراوي أو الحديث، لا غير ذلك.
وهذا والله أعلم أوجد نوعاً من الصعوبة توجب التريث والتأني قبل الجزم بأن هذا هو مراد الإمام بعبارته هذه دون غيره.
يقرر هذا المسلك أن للمحدثين منهجا في دراسة علم الحديث يختلف عن منهج الفقهاء والأصوليين، لكن لا يلزم من ذلك أن كل ما عند الأصوليين والفقهاء يخالف ما عند المحدثين، فقد لوحظ أن جملة كثيرة من أقوال الفقهاء والأصوليين ترجع إلى أقوال لبعض أهل الحديث، وإن كانت مرجوحة عند المحدثين. وأن ليس كل ما هو راجح عند الفقهاء والأصوليين يخالف ما عند المحدثين. بل قد يؤدي اجتهاد فقيه أصولي إلى ترجيح قول في المسألة هو كقول أهل الحديث، والعكس صحيح.
وبناء عليه؛ فإن باب التدقيق والنظر والاجتهاد مشرع، فلا يحصر الصواب مع أحد دون الآخر، والعبرة في النظر إلى الدليل، أو على الأقل ملاحظة منهج الفريقين عند التعامل معه.
ويقرر أن علماء الحديث منهم المتشدد ومنهم المتساهل ومنهم المعتدل، وأن الكلَ من أهل الحديث، والعبرة إنما هي في الدليل، فلا يقال عن المتساهل أنه على منهج الفقهاء والأصوليين، بل العبرة كما سبق هي بالحجة والدليل.
ويقرر أن ما صنعه ابن الصلاح هو محاولة تقريب العلم وتقعيده، وقد نبه رحمه الله في أغلب الأنواع الحديثية التي أوردها على مواضع الاختلاف، بل ونبه إلى التعاريف الأخرى التي تخالف التعريف الذي قدمه أو اعتمده، وأن مرجع ذلك أنه رحمه الله كان يتقصد إيراد التعريف الذي يتناسب مع مقصده من تعريف الصحيح الذي أورده بحسب ما عليه جمهور أهل الحديث.
فهو لم يزعم في موضع من هذه المواضع المشار إليها أن ما ذكره هو المعتمد عند جميع أئمة الحديث.
وقرار أصحاب هذا المسلك أن من أسباب المشكلة طريقة تدريس كتب علم الحديث، فإن من لم يلاحظ هذه المقاصد المشار إليها قبل قليل يقع في تحكم يوقع في هذه المفارقة، وأن الواجب عند تدريس هذا العلم تنبيه الطالب إلى هذه الأمور التي أشار إليها ابن الصلاح ومن بعده.
ومن أسباب المشكلة أيضاً: أن بعض من اختصر كلام ابن الصلاح أو نظمه اقتصر على ذكر التعريف الذي اعتمده ابن الصلاح دون الإشارات التي أشار إليها ابن الصلاح من وجود مخالف، أو أن هذا التعريف لا يمثل كل أهل الحديث، وهذه أمور توقع في الشعور الزائد بهذه المفارقة المشار إليها، والواجب تجنب ذلك، والتنبيه على ما فيها.
ويقرر هؤلاء أنه لا يوجد استقرار نهائي للمصطلح بحيث نقول: إن جميع أهل الحديث على هذا التعريف، أو على هذا المصطلح بحرفيته، لما قدمته لك من أن مصطلحات الأئمة نفسها بحاجة إلى درس لمعرفة حقيقة مرادهم.
ملاحظاتي:
1 -
إن منحى (الدفع والمفاصلة) لم يظهر إلا في هذا الوقت، مع قدم المشكلة بحسب توصيفها! مما يدل أنه لا توجد مشكلة أصلا، وإلا لتكلم عنها العلماء وبينوها!
غاية ما في الأمر أن هؤلاء القائلين بمنهج المتقدمين لم يفهموا كلام المتأخرين ولم يستوعبوه، ورأوا أن طلب كلام المتقدمين أولى، مع ما فيه من تعدد الألفاظ وتنوع المصطلحات، وخصوصية المحل غالبا، فليست أحكامهم عامة إلا في القليل النادر، فلما استحكمت الحلقات على هؤلاء قالوا بهذا المنهج، فلا لكلام المتأخرين فهموا، ولا بكلام المتقدمين أخذوا.
2 -
ارتبط ظهور هذه الدعوى بالهجوم على الألباني رحمه الله على الأقل من بعضهم، مما يشعر بأن سمة هذه الدعوى أنها ردة فعل.
3 -
أن علماء الحديث المعاصرين لم يتبنوا هذا المنهج، فالشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ حماد الأنصاري والشيخ الألباني والشيخ ربيع – رحمهم الله – وهم من كبار أهل الحديث لم يتبنوا هذا المسلك، بل وقفوا ضده، وحذروا منه.
4 -
ضبابية الرؤية لدى القائلين به، وذلك يظهر في جوانب منها:
أ- في بيان حد (المتقدمين) و (المتأخرين)، ففي أول الأمر جاء في عباراتهم ما يشعر أنهم يحدون ذلك بالزمن، ثم تطور الأمر فصاروا يحدون ذلك بطريقة التصنيف والاعتماد فيها على الأسانيد والرواية، ثم تطور بهم الحال، فجاء في عباراتهم ما يشعر بأنهم يفرقون بين المتقدمين والمتأخرين بمنهج التعليل، فمن جرى في كلامه إيراد العلل والطرق وإيراد كلام المتقدمين فهو من المتقدمين، ومن لا فلا! ثم استقروا أخيرا على أن المتقدمين هم أهل الحديث الذين لم يوصفوا بالتساهل، والمتأخرين هم من كان على طريقة الفقهاء والأصوليين والمتساهلين من أهل الحديث منهم.
ب- ضبابية الرؤية عندهم في تحديد طريقة أهل الحديث، فهم تارة يجعلون أهل الحديث مقابلاً للفقهاء والأصوليين، وتارة يخرجون المتساهلين والمتشددين من أهل الحديث!
ج- ومن ذلك أنك تراهم يبيحون لأنفسهم ما يمنعون غيرهم منه، فلهم الحق في التقعيد على كلام المتقدمين وفهمه، وغيرهم لا حق له، وما يقررونه هو الصواب الذي لا معدل عنه، وكلام غيرهم لا التفات إليه، حتى لو كان هذا الغير من العلماء الكبار، كابن الصلاح ومن جاء بعده إلى ابن حجر وإلى يومنا هذا، رحم الله الجميع!
د- لم يتحرر لدي موقفهم من كلام أئمة الحديث إذا اختلفوا في الحكم على الرجل أو الحديث، ماذا يصنعون؟ هل يقبلونه على تعارضه، أم يردونه؟ وإذا رجحوا فعلى أي أساس؟ وهل كلام الأئمة عندهم من الأخبار التي يجب قبولها؟ أو هي من الاجتهاد الذي ينظر فيه؟ أو بعضه كذا وبعضه كذا؟
هـ- أن الدعوة إلى المتقدمين والمتأخرين على هذا المسلك (مسلك الدفع والمفاصلة)، وبخاصة الاتجاه الأول منه يترتب عليها ويستلزم منها أمور باطلة؛ من ذلك:
- أن في هذه المقالة خروج عن سبيل المؤمنين الذي سلكوه من زمن ابن الصلاح إلى يومنا هذا.
- ومنها: أن في هذه المقالة: مخالفة الحديث الوارد في أن الأمة لا تجتمع على ضلالة.
- ومنها: أن في هذه المقالة منابذة للعلم والعلماء في شتى الفنون، وخاصة علوم الشريعة، بل وإساءة الظن بهم – رحمهم الله.
- ومنها: أن محصلة هذه الدعوى أنها تحصيل حاصل.
- ومنها: أن تأخذ في بعض أوضاعها موقف التقليد المتعصب المذموم، لا الجائز.
- ومنها: أن في هذه الدعوى ما يؤدي إلى رفع منار أهل البدعة والضلالة.
- ومنها: أن فيها هدم للحديث، بل وللدين!؛لأن معنى هذا أن جميع الأحكام على الأحاديث تصحيحا وتضعيفاً التي بنيت على تقعيد ابن الصلاح ومن بعده بحاجة إلى إعادة نظر، فانظر هل يبقى من أحكام الشرع بعد هذا شيء مستقر في مكانه؟!
والذي يظهر لي أن حل المشكلة بما عليه المسلك الثاني هو المتفق مع قواعد العلم المتقررة عند العلماء، إذ حقيقة الحال: أن العلماء استوعبوا كلام المتقدمين في مسائل علم الحديث، وفهموه ودرسوه وقعدوا هذه القواعد لتقريب العلم، وتسهيل السبيل أمام الطالب ليرقى فيه، ولا ضير عليهم إذا جاء هؤلاء ولم يفهموهم، ولم يحسنوا الظن بهم!!