الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكفير في القرآن والسنة قديما وحديثا
المؤلف/ المشرف:
نعمان عبدالرزاق السامرائي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1428هـ
تصنيف رئيس:
علوم قرآن
تصنيف فرعي:
التكفير - ضوابط وشروط
الخاتمة
إن الله تعالى أرسل نبينا عليه الصلاة والسلام داعيا لا قاضيا وهاديا لا جابيا ومبشرا وليس منظرا وحين امتدحه قال {وإنك لعلى خلق عظيم} [سورة القلم الآية: 4]
وبين له بوضوح سر اجتماع القلوب عليه، فقال:{ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [سورة آل عمران، الآية: 159]
وأود أن يعلم الشباب أن الإخلاص ضروري لنجاح العمل وحصول الأجر، ولكن كما قيل: ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، وأقول: ليس بالإخلاص وحده ينجح العمل، والحق تعالى يقول:{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [سورة يوسف: الآية: 108]
ومعلوم أن من يريد تغيير مجتمع، فعليه أولا معرفة قوانين التغيير، والسنن الكونية والبشرية، وإلا فسيتكلف الكثير، ثم لا يربح القليل.
على الشباب أن يدرس بعمق وعناية لماذا تفلح أحزاب هزيلة منبوذة في الوصول إلى الحكم أولا، والاستمرار فيه عشرات السنين ثانيا، بينما حرم ذلك على أي جماعة مسلمة؟!
أريد من الشباب أن يتركوا خطابهم الوعظي " الفوقي" ويتعلموا كيف يخاطبون مجتمعاتهم على اختلاف تنوعها.
أريد أن يعلم الشباب أن نقل مجتمع من وضع إلى آخر، يوازي نقل جبل من مكانه، وأن الأمة التي أمضت قرونا ـ وهي تبتعد عن دين الله ـ فلن تعود بيوم وليلة، ولا بخطبة حماسية، ولا بتكفير الناس حكاما ومحكومين.
وأخيرا هناك قوى كبرى لا تريد الإسلام، ولا ترضى أن نتمسك به، وهي
متحالفة مع قوى في الداخل، ويسرها جدا تنطع بعض شبابنا، وإطلاق بعض التشنجات، كي تستعمل ذلك في التخويف. منذ أيام رأيت مستشرقا فرنسيا
على شاشة فضائية عربية، يسأل: لماذا هذه الحرب على الإسلام، ومن خلفها؟
قال الرجل: خلفها ثلاث جهات؛ هي: الحكومات الغربية، الإعلام الغربي،
والجماعات المتطرفة، ثم شرح ما يعنيه؛ فقال: إن الإعلام يترك المعتدلين، ويتوجه
لهؤلاء المتطرفين، يستفزهم ليستخرج منهم تصريحات متشنجة، ثم ينشرها
ليخوف العالم بها.
ومثل هذا " بالضبط" حصل أيام السادات؛ إذ جمع كل أعداء الإسلام، وعلى رأسهم ممثل لإسرائيل وأمريكا، ليستشيرهم في حربه للإسلام، والإسلاميين،
فكان مما أشاروا: السماح لبعض الشباب بجمع قطع من السلاح، ثم ضبطها
وإحالتهم للمحاكم، واستفزازهم للحصول على تصريحات سيئة، ثم نشرها في الصحف، فإذا أضيف لكل ذلك تحريف ما يقال والتلاعب به، علمنا كيف
يحارب الإسلام، وما خفي أكبر وأعظم.
إن تكفير الناس حكاما ومحكومين: لن يخدم الإسلام في شيء، ومن قبل
قامت الكنيسة الكاثوليكية بتكفير كل من خالفها ـ بالحق والباطل ـ فاضطرت لإقامة "محاكم التفتيش " وهي أسوأ محاكم عرفها العالم، وعلى منوالها تجري بعض المحاكم العربية، لتحكم ـ السنين ـ بقوانين الطوارئ " القرقوشية".
ويقدر من عرض على محاكم التفتيش بأكثر من 350 ألف إنسان، بينهم الكثير من مسلمي الأندلس، وقد حكم على أكثر من 150 ألف بالموت، بعضهم عن طرق الحرق أحياء، ولكن النتيجة كانت فاجعة للكنيسة، حيث ألحد العلماء، ورفعوا شعار " المتدين لا يكون عالما، والعالم لا يكون متدينا" وهكذا ساقوا شعوب الغرب نحو التفرق؛ ففي أمريكا اليوم أكثر من مائة كنيسة، كل واحدة تعد دينا مستقلا، ثم انزوى الدين وتحجم، فصار محصورا بين جدران الكنيسة، التي لا يزورها إلا قلة قليلة من الشيوخ والعجائز.
إن الدين يقوم على القناعة الكاملة، والله تعالى أعلم حين قال:{لا إكراه في الدين} ولو علم أن الإكراه ينفع لم يمنعه، بل لأباحه.
فعلى الشباب أن يستوعب ذلك جيدا ولا يعيد لنا سيرة " الخوارج" مرة ثانية،
فالتجربة الأولى مرة كمرارة " الحنظل" أو أشد، وحرام أن نعيد تجارب فاشلة، وقد قال الشاعر ابن دريد:
من لم تعظه عبرا أيامه كان العمى أولى به من الهدى
من قاس ما لم يره بما رأى أعجزه نيل الدنى بله القصى
إن أمتنا تعاني من أمراض كثيرة، كثيرة تطاول عليها الزمن، فأفرزت أمراضا جديدة، فلا نضيف أمراضا أخرى، ومصائب جديدة.
لن ينفع الأمة أن يتحول شباب، في عمر الزهور إلى قضاة، يحكمون لهذا بالإسلام، ولذلك بالكفر، ليس هذا عملهم ولا ميدانهم. المطلوب من شباب الأمة أن يحمل هموما، ويعمل على الدفاع عنها، ومحاربة الفساد فيها، وليس أن يتحول إلى مجرد قضاة، يحكمون بإسلام فلان وكفر فلان.
قد يقول البعض: ومن للفساد والحكام الفاسدين المفسدين؟!
فأقول: فساد الحاكم ونفاق المنافقين لا يفلة ولا يقتله " التكفير" بل العمل الجاد الواعي، الذي يعرف قوانين " اللعبة" ويجيد قواعد التغيير والتحالف، ويعمل على جمع الأمة حوله، والعمل بدأب وعدم استعجال.
أقول هذا وأنا أعلم جيدا أن الحاكم الفاسد يشد أزره طبقة من المثقفين المنافقين، وتأتيه
النصائح والخبرات من وراء البحر، كما يأتيه الدعم من هناك وكم من حاكم في البلاد
العربية والإفريقية والآسيوية، ليس له من مقومات الحكم قليل أو كثير، لكنه باق بفضل الملايين التي تدفع له ولحكومته، والنصائح الغالية والخبرات العالية التي تقدم له.
لقد صار من قوانين عالم اليوم: " اخدم اليهود، وامدح إسرائيل، وتحالف مع أمريكا، وسب واشتم الإرهاب يوميا، والمطالبين بتطبيق الإسلام، ثم افعل ما شئت فأنت باق" هذه قوانين عالم اليوم ـ ولو في نظري المتواضع ـ فهل يستوعب ذلك الشباب أم يخترعون واقعا، ويرسمون حلولا، فتكون كمن يعالج " الإيدز" بحبة "بنادول"؟!!!!