الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخوارج والحقيقة الغائبة
المؤلف/ المشرف:
ناصر بن سليمان السابعي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1420هـ
تصنيف رئيس:
فرق وملل ونحل
تصنيف فرعي:
خوارج
خاتمة الكتاب: وفي نهاية مطاف هذا الكتاب، يجمل بنا أن نحرر أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة والمتمثلة فيما يلي:
1 -
أن في أهل النهروان أو معارضي التحكيم عدداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفق المصادر على ثلاثة منهم: زيد بن حصن الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي وهو غير ذي الخويصرة وغير المخدج، والخريت بن راشد السامي الناجي.
2 -
الصواب في قضية التحكيم مع معارضيه، وما ينسب إلى ابن عباس أنه خصمهم في حروراء غير ثابت.
3 -
لم يكن أهل النهروان راضين عن مقتل عبدالله بن خباب، بل قتله أحد الذين انضم إليهم فيما بعد وهو مسعر بن فدكي التميمي، وقد طرده أهل النهروان. نسبة التكفير إلى أهل النهروان غير ثابتة، وإن ثبتت فيحمل على الكفر بمعنى المعصية كما وردت بذلك نصوص القرآن والسنة النبوية.
5 -
ظهر مصطلح الخوارج بعد ظهور الأزارقة عام أربعة وستين من الهجرة النبوية، وبرز في عام اثنين وسبعين.
6 -
ينحصر معنى الخوارج الاصطلاحي فيمن يحكم على مخالفيه بالشرك أو الكفر المخرج من الملة الذي ترتب عليه جواز الاستعراض؛ أي قتل المخالفين ومعاملتهم بأحكام المشركين.
7 -
يجمع المحكمة الآراء التالية:
أ- رفض التحكيم.
ب- جواز أن تكون الإمامة في غير قريش.
ج- جواز الخروج على الأئمة الجورة.
د- الحكم بالكفر على عصاة الأمة، لكن يحمل على كفر النعمة عندهم فيما قبل عام أربعة وستين من الهجرة، أما بعد ذلك فلم يلتزم به سوى الإباضية.
8 -
مقتل الإمام علي كرم الله وجهه على يد عبدالرحمن بن ملجم لم يكن بتدبير من المحكمة.
9 -
الفرق التي يصح أن تنسب إلى الخوارج هي الأزارقة والنجدات والصفرية دون الإباضية بسبب تبني الفرق الثلاث الحكم على المخالفين بالشرك المخرج من الملة، أما الإباضية فإنهم يعاملون مخالفيهم معاملة المسلمين بكل أوجهها.
10 -
حديث المروق حديث صحيح ثبت عن عشر طرق عن الصحابة.
11 -
يمكن أن يحمل حديث المروق على الخوارج الذين ظهروا بعد عام أربعة وستين من الهجرة، وذلك لانطباقه على صفاتهم المتمثلة في كثرة العبادة مع الانحراف في توجيه بعض الآيات والنصوص الشرعية المتعلقة بالمشركين بجعلها متوجهة إلى أهل القبلة، فيرتب عليه استباحة القتل مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ هذا الحديث:(يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).
وينسحب هذا الحكم على كل من يتبنى الفكر الخارجي قديماً وحديثاً.
12 -
حديث المخدج لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو زيادة شاذة.
13 -
حديث شيطان الردهة حديث منكر.
14 -
حديث المتعبد حديث ضعيف.
15 -
حديث الإمام علي: "لقد علمت عائشة بنت أبي بكر أن أهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم" حديث ضعيف.
16 -
حديث الإمام علي: "أمرت بقتال الناكثين والفاسطين والمارقين" حديث موضوع.
17 -
حديث (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق) صحت بعض أسانيده، لكنه غير صريح في قوم مخصوصين.
وأما إن حمل على أهل النهروان فلا يصح بالزيادة، والصحيح منه بلفظ (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة).
18 -
حديث (الخوارج كلاب النار) لا يصح رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقرب أنه موقوف على أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان.
هذا، وقد تجلى للقارئ الكريم أن أهل النهروان ومعارضي التحكيم الذين قيل عنهم ما قيل طوال القرون الغابرة، والذين طالما شوهت حقيقتهم ونالهم من ظلم الفرق الأخرى ومن حيف كثير من المؤرخين والكتاب الشيء الكثير، كانوا – في الحقيقة – طلاب حق أصابوه، وإن قيل عنهم غير ذلك، بل كانوا هم أصحاب الرأي الحازم والنظرة النافذة في أعماق الأحداث، وقد جرت الأمور على ما توقعوه، والمتأمل في المجريات التاريخية يتبين له صدق هذه النتيجة.
ولا غرابة في ذلك، فقد كانوا من أهل الفضل والعلم، وكان فيهم جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الأقدمين منهم. كما وصفوا بأنهم أصحاب البرانس والسواري، وفي ذلك دلالة واضحة على اتصافهم بنعوت الخير والتقى والزهد في الحياة، ووصفوا بالقراء الذي كان لقباً للعلماء والفقهاء يومئذ، وقد تقدم عن ابن عباس ما يكفي للتأكد على صحة هذا الوصف، فقد قال لعتاب بن الأعور التغلبي – أحد معارضي التحكيم – كما سبق إحالته إلى ابن أبي شيبة في مصنفه:"إني أراك قارئاً للقرآن، عالماً بما قد فصلت ووصلت"، الأمر الذي دعا راوي القصة – وهو كليب بن شهاب الجرمي – إلى وصفه بقوله:"كأنما بنزع بحاجته من القرآن في سورة واحدة". إضافة إلى ما سبق ذكره من الأمور الأخرى التي تشهد لقوة ما صاروا إليه في مسألة التحكيم. وبناء عليه فلا مجال لقبول تأويل حديث المروق الصحيح أو غيره فيهم. وقد بان جلياً أن حديث المخدج الذي يقتضي أن يراد به أهل النهروان غير ثابت، بل حكمت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم حسبما تقدم ذكره وذكر النقاش فيه. كما تجلى أيضاً أنهم بريئون من وصمة الخوارج التي تلصق بهم. والأمر نفسه يجري على من نهج نهجهم دون غلو ولا شطط كما هو حال الأزارقة والنجدات والصفرية الذين حكموا على مخالفيهم بالشرك والكفر المخرج من الملة. ورغم ذلك، فإن ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي تنص على الذين سموا بالخوارج أو تشير إليهم لا يثبت، وليس كل ما يروى في الخوارج يكون صحيحاً، وذلك كالأحاديث التي مرت في الفصول المتقدمة، وكمثل حديث (الخوارج كلاب النار) الصريح بلفظه، فلا يصح أن يكون من كلام خير البشر صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وقد أوتي جوامع الكلم وأفانين البلاغة.
ومن الجدير الإشارة إليه أن مثل هذه الروايات تأتي ضمن الحملة التي شنها الأمويون ضد أهل النهروان وأتباعهم والخوارج والمنسوبين إليهم، فقد اتخذوا أساليب عدة للتشنيع عليهم وتشويه صورتهم تجاوزت إلى الأحلام والمنامات.
وأما ما ورد عن الصحابة أو بعضهم من ذم الخوارج – الأزارقة والنجدات والصفرية – فلا يدخل ضمن تلك الحملة، فإنما قالوا بالحق ونطقوا بالصدق.
وصدور بعض ألفاظ الذم منهم في حق أناس بعينهم يعطيه بعض الرواة حجماً أكبر ليصير ذلك بعد فترة من الزمن نصاً شرعياً. ويضاف إلى هذه الظاهرة – وهي ظهور روايات ضد مخالفي السلطة الأموية أو غيرهم – الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرجئة والقدرية والروافض والخوارج يسلب منهم ربع التوحيد، فيلقون الله عز وجل كفاراً خالدين مخلدين في النار). رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وفيه محمد بن يحيى بن رزين قال: حدثنا أبو عباد الزاهد، قال ابن الجوزي:"هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: محمد بن يحيى بن رزين دجال يضع الحديث لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه. قال: وأبو عباد لا يحل الاحتجاج به". [ابن الجوزي "الموضوعات" 1/ 205 في ذم المرجئة والقدرية والروافض والخوارج]. ويقاس على هذا الأمر ما يوجد من الروايات في حق التيارات التي خاضت غمار الصراع السياسي في أدوار التاريخ المتقدمة. ويشمل الأمر الأمويين أنفسهم، فقد وضعت فيهم وفي غيرهم من الذين كانوا يحكمون بمنطق السيف روايات لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك المنطق المتعسف سبباً لاختلاقها. وهذا شأن جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام، اللهم إلا الذين أطلق عليهم الخوارج، فقد كانوا أبعد الناس عن الكذب على عامة البشر فكيف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أمر يشهد به الكل ويعترف به الجميع وتقره الدراسات.
ومن أبسط الأمثلة عليه وأقربها قول ابن تيمية – وقد تقدم – في حق الذين سموا بالخوارج: "لا يعرف فيهم من يكذب"، وقوله:"ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث".
وختاماً ألفت انتباه القارئ إلى أن يمعن النظر في هذه القضية ويكون على حذر من أغراض كثير من الرواة، كما أعطف عنايته إلى موضوع هذا الكتاب ليكون محل تأمل وموضع وقفة متأنية تستجلي من خلالها الحقيقة، من أجل خدمة الهدف المشترك بين أبناء هذه الملة الحنيفية وهذا الدين الناصع.
أسأل الله عز وجل أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وصلى الله على رسوله الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين