الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
أحمد بن يسوف الدريويش
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار عالم الكتب - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1409هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
فقه معاملات - أعمال منوعة
الخاتمة
أهم النتائج والتوصيات
وبعد فإني أحمد الله الذي وفقني، حتى فرغت من هذه الدراسة عن:(أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي) والتي بذلت فيها كثيراً من الجهد، مع أنني لا أدعي أنني أوفيت على الغاية، أو بلغت النهاية، ولكن أرجو أن يكون في هذا الجهد ما يفيد ويضيف إلى المكتبة الإسلامية شيئاً من الجديد، كما أحمده سبحانه أن وفقني للخروج منه بمكاسب عظيمة، وثروات ضخمة، والتي أهمها ما سطرته بين ثنايا هذا البحث.
هذا ومن خلال هذه الرحلة الطويلة التي أمضيتها في ظلال أحكام السوق في الإسلام، فإني قد خرجت منها بنتائج وتوصيات جديرة بأن أشير إليها وأسجل خلاصة لها في هذه الخاتمة.
ومن أهم النتائج والتوصيات ما يلي:
1 -
للسوق في الإسلام مكانة عالية، ومنزلة سامية، وذلك نظراً لأهميته المالية والاقتصادية في حياة الناس، حيث إنه موضع التعامل والمبادلات فيما بينهم، وعن طريقه يحصل كل فرد على أموره المعيشية، وحاجاته الضرورية، ومستلزماته الخاصة والعامة.
2 -
إن السوق الإسلامي قد حظي بعناية الرسول صلى الله عليه وسلم واهتمامه، حيث تعهده بالإشراف والمراقبة، ووضع له ضوابطاً، وسن له آداباً، وطهره من كثير من المعاملات المحرمة كالغبن والتغرير والخداع وبخس المكيال أو الميزان والنجش والاحتكار والربا، وغير ذلك من المعاملات التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل.
3 -
المال في نظر الإسلام وسيلة لا غاية، والناس فيه خلفاء لا أصلاء، وقد أمروا باكتسابه من حله وإنفاقه في محله، فلا يجوز لهم تملكه إلا بالوسائل المشروعة: كالزراعة، والصناعة، والتجارة وغيرها من الوسائل الجائزة والناتجة عن العمل وبذل الجهد في تحصيله واقتنائه، أما اكتسابه عن طريق الصدفة أو الانتظار أو الربا أو القمار أو الغرر ونحوه فلا يجوز شرعاً.
4 -
إن الصاع الشرعي الذي تخرج به الزكاة، وتقدر به الكفارات والنذور ونحوهما، يساوي بوحدات الوزن الحديثة 2174.14 جراماً (أي كيلوين ومائة وأربعة وسبعين جراماً وأربعة بالعشرة من الجرام) من البُر الجيد.
وعليه فمن أراد معرفة مقدار الصاع الشرعي فليزن كيلوين ومائة وأربعة وسبعين جراماً وأربعة بالعشرة من الجرام من البر الجيد، ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه تماماً من غير زيادة أو نقص، ومن ثم يفرغ البر منه، ويكيل به غيره من أرز أو تمر أو زبيب أو نحوه.
5 -
أنه لا يجوز بيع ما لم يقبض إذا كان المبيع منقولاً، أما إذا كان عقاراً لا يخشى هلاكه فيجوز بيعه قبل قبضه.
وعليه فإن ما جرت به عادة بعض الناس من شراء السلع المنقولة ومن ثم بيعها وهي في مكانها قبل نقلها وتحويلها منه إلى مكان غيره لا يجوز.
6 -
إن التدليس في البيوع محرم بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، وذلك لما فيه من الخديعة والإيهام والاستغلال والإغراء، بقصد تحصيل المال الوفير، والربح الكثير، عن طريق الاحتيال والنصب.
7 -
النهي عن التنافس غير المشروع في المعاملات، والمتمثل في بيع أو شراء أو سوم الناس بعضهم على بعض، والنجش، وتلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي.
8 -
جواز التعاقد عن طريق المزايدة والمناقصة إذا خلا من الغش والتغرير والخداع وجميع وسائل النصب والاحتيال والاستغلال والربا.
9 -
إن الاحتكار محرم في جميع السلع والحاجيات والآلات والمعدات، وكل ما يحتاج إليه الناس في أمورهم المعاشية، وشؤونهم الدنيوية.
10 -
إن الإسلام نظر إلى الاحتكار نظرة فريدة متميزة تمثلت في تحريمه ابتداء بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، وتوعد مرتكبه بأشد أنواع العقوبة كاللعنة وبراءة الله منه وإصابته بالجذام والإفلاس ونحو هذا، وذلك كله اتقاء لمضاره المهلكة، وويلاته الموجعة، وإبعاد العباد عن نتائجه وثماره الضارة.
وعليه: فلا التقاء بين النظرة الإسلامية للاحتكار، وبين غيره من النظم الاقتصادية الأخرى كالرأسمالية التي أباحته مطلقاً، ولا الاشتراكية التي أباحته للدولة وحرمته على الأفراد.
11 -
إن التسعير لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة إليه، كما إذا عمد التجار إلى إغلاء الأسعار بأن باعوا بأكثر من الأسعار المعقولة، وذلك منعاً للاستغلال ومراعاة لمصالح عامة الناس، وسداً للذريعة.
ويكون ذلك بفرض سعر عادل لا وكس فيه ولا شطط بحيث يضمن ربحاً مناسباً للبائع، كما يضمن وصول السلعة إلى المشتري دون احتكار أو استغلال أو ظلم.
أما إذا لم يكن بالناس حاجة إليه بأن كانت الأسعار معقولة ومناسبة لكل من الطرفين بلا تطرف ولاحيف، أو كان إغلاء الأسعار ناتجاً عن قلة الموجود من السلع في الأسواق أوعدم توفرها، أو ناتجاً عن كثرة الناس وعدم القدرة على موازنة السوق بجلب سلع أو بضائع من بلد آخر، فإن التسعير حينئذ لا يجوز، لأن الأصل عدم التدخل في المصالح الخاصة للأمة وأن الناس مسلطون على أموالهم، إضافة إلى أن الغلاء ربما أراده الله امتحاناً وابتلاءً لعباده، أو عقوبة لهم على تقصير منهم في أداء الواجبات أو ارتكاب المحظورات.
12 -
إن وظيفة الدولة في الإسلام لا تقتصر على حفظ الأمن والدفاع ومباشرة بعض الوظائف الاجتماعية والمرافق العامة، بل تتعدى ذلك إلى بعض الأعمال المتعلقة بالاقتصاد فتقوم بالإشراف على الشؤون الاقتصادية في البلاد، ومراقبة المعاملات في الأسواق وذلك عن طريق نظام الحسبة الذي يخول للمحتسب مشارفة الأسواق، وتفقد أحوالها، ورعاية شؤونها، وبذل الجهد للوقوف على ما قد يحدث بها من معاملات محرمة كالربا والاحتكار والغش والاستغلال، والغبن، وبخس المكيال والميزان، فيحق للمحتسب حينئذ أن يتدخل في مثل هذه الحالات ونحوها باسم الدولة، فيمنعها ويعاقب عليها، وذلك إظهاراً للحق، وقمعاً للباطل، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر.
13 -
إن نظام الحسبة نظام إسلامي أصيل، ولد ونشأ وترعرع وأتى ثماره في الإسلام، ولا يعنينا أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم في صدر الإسلام وأن القائم بها لم يكن معروفاً باسم "المحتسب" لان العبرة بالمعاني والحقائق لا بالأسماء والأشكال.
14 -
الدعوة إلى إنشاء أسواق خاصة بالنساء، على أن تكون ذا هيئة وشكل خاص يختلف عن أسواق الرجال، وذلك بأن تكون بعيدة عن أسواق الرجال، وأن يحكم إغلاقها من جميع الجوانب، وأن لا يرتادها إلا النساء، وأن تتولى الدولة الإشراف عليها أمنياً وأخلاقياً، وأن تقوم على إدارتها، والبيع فيها، والإشراف عليها، نساء من ذوات الدين والأمانة والخبرة والدراية والخلق الحسن، وأن تتوفر فيه جميع الحاجيات والمستلزمات التي تخص المرأة وأطفالها ومنزلها، وأن تشتمل على مصلى خاص لأداء الصلوات في أوقاتها.
والهدف من إنشاء هذه الأسواق: هو صيانة المرأة والبعد بها عن مواطن الفتنة والريبة، وسد ريح الخطر والفساد عنها التي قد تحدث من اختلاطها بالرجال في الأسواق وتزاحمها معهم، وإيجاد فرصة شريفة لها للعمل بعيدة عن الرجال، ومساعدة لها لقضاء حوائجها ومستلزماتها الخاصة والعامة بنفسها دون أدنى حرج أو محذور قد يقع عليها من جراء ذلك لاسيما إذا علمت أنها أمام امرأة مثلها، إضافة إلى ما في ذلك من مساعدة لها على أداء الصلوات في أوقاتها دون تأخير.
15 -
إن الأعمال التي تؤديها البنوك مقابل فائدة تدفعها للعميل أو تأخذها منه – مهما قلت – فإنها محرمة، وذلك كالإيداع، والإقراض، وفتح الاعتماد، وخصم الأوراق التجارية نظير فائدة.
أما ما عدا هذه الأعمال ونحوها، والتي تؤديها البنوك نظير عمولة تتقاضاها من العميل مقابل القيد في السجلات وسائر الإجراءات النظامية ونحوها، وذلك كتحصيل الأوراق التجارية، وتأجير الخزائن الحديدية، وتحويل النقود، وبيع أسهم الشركات المباحة، فهي جائزة شريطة أن لا تتخذ تلك العمولة ساتراً يؤكل الربا باسمها.
16 -
الدعوة إلى إنشاء بنوك إسلامية بعيدة عن الربا أو شبهته في سائر البلدان والمدن الإسلامية، وذلك كخطوة أولى نحو بناء نظام اقتصادي إسلامي متكامل وشامل يكون منقذاً للمسلمين من لعنة الربا ومضاره وويلاته المهلكة، وحتى يتسنى لهم الاستفادة من أعماله وخدماته واستثماراته النبيلة.
وإني كلي أمل ورجاء في أولي الأمر في البلاد الإسلامية، والمهتمين بشؤون الاقتصاد والاستثمار فيها، أن ترى هذه الدعوة النور، وأن يأتي اليوم الذي نشاهد فيه البنوك الإسلامية وقد انتشرت في سائر بلاد المسلمين وأصبحت قوة وسداً منيعاً أمام البنوك الربوية، والمؤسسات المالية الغربية.
17 -
الدعوة إلى إنشاء سوق إسلامية مشتركة، تقوم على أسس ومبادئ وأهداف مشروعة، وذلك تحقيقاً للأخوة الإسلامية، ووسيلة من وسائل الاستغناء عن التعامل مع البنوك الربوية، إضافة إلى ما في ذلك من تحسين للإنتاج، وتسويق للمنتجات، وتشجيع للصناعات، والاستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد.
18 -
إن العمليات العاجلة في البورصة إذا تم التعامل فيها على أساس تسليم الثمن للبائع والمثمن للمشتري في مجلس العقد فإن هذا جائز.
أما العمليات الآجلة المشتملة على المضاربة بقصد الاستفادة من فروق الأسعار هبوطاً وارتفاعاً، وبدون استلام أو تسليم، فإن هذه غير جائزة لما فيها من وسيلة أكل المال بالباطل عن طريق المقامرة والمخاطرة، إضافة إلى ما قد تشتمل عليه من بيع الإنسان ما لا يملكه، والربا، وكل منهما محرم.
كانت تلك أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها خلال بحث هذا الموضوع.
هذا ولا يسعني في نهاية هذه الخاتمة إلا أن أشكر كل من قرأه، وأهدى إلي النصح والمشورة لتلافي ما قد أكون وقعت فيه من خطأ زل به قلمي، أو قصر عنه فهمي.
كما أكرر شكري وتقديري إلى كل من كان علمه عوناً لي على إخراج هذه الرسالة سلفاً وخلقاً، متقدماً ومتأخراً:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.