الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام النسب في الشريعة الإسلامية (طرق إثباته ونفيه)
المؤلف/ المشرف:
علي محمد يوسف المحمدي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار قطري بن الفجاءة ̈الأولى
سنة الطبع:
1414هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
فقه عبادات منوعات
الخاتمة:
وتتضمن أهم نتائج هذا البحث:
تمهيد: مما لا شك فيه أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعا إلى يوم الدين، فيه من الخير لهم ما ينعمون به في كل نواحي الحياة، من اقتصادية واجتماعية وغيرهما، وأنه لا غنى للبشرية عنه مهما بلغت أوج مجدها وقمة حضارتها بتقدم وسائل الاتصال بين البشر، وقد استطاعت أن تجد شتى الحلول لأكثر الأمراض المستعصية، لكنها فشلت في إيجاد الحلول لمشاكلها الاجتماعية، فهي لا تزال تعاني من مشاكل أسرية لا تنتهي، فلقد وجدنا فيها الإنسان الذي يعاني من الشك ويفقد الثقة في نفسه، فهو لا يعلم صحة نسبته إلى أبويه، كما يشك في نسبة أولاده إليه، فهو ينظر إليهم بإحدى عينيه بالفرحة والسرور لوجودهم، وينظر بالعين الأخرى موجها إليهم سهام الشك والريب، وهذه بداية التفكك الأسري والمعاناة النفسية في ظل القوانين المادية البحتة التي أطلقت الحريات حتى جاوزت حدودها، فاستغلها من لا دين لهم ولا خلاق أبشع استغلال، وفعلوا تحت ظلالها ما يندى له جبين الزمان.
فتوالت النكبات والمصائب على الإنسان المتحضر حتى لم يعد يجد وسيلة للراحة النفسية أفضل من الانتحار الذي يريحه من مشاكله.
أما الإسلام فقد حمى أتباعه من تلك الوساوس والأوهام بأن اختار لهم الطريق النظيف بدءا من تكوينه إلى ولادته إلى شبابه وشيخوخته، وذلك باختيار الأم الصالحة العفيفة والأب الصالح الدين، ثم بأولاد بارين عند الكبر.
وهكذا تكونت شجرة من بذرة نظيفة وأرض طيبة، وتتابعت السلسلة النسبية النظيفة إليه وإلى من بعده، فنام قرير العين مطمئن البال، بينما يتمزق أتباع الملل الأخرى.
ألما وحسرة في ضياع لا نهاية له، وقد بينت أنه بلغ من اهتمام الإسلام بالنسب أن عدة من الكليات الخمس التي حافظ عليها وأوجب الحد على من اعتدى عليها.
وبلغ من حرصه أن أوعد من نفى ولدا من صلبه بالعذاب الشديد، وفي الوقت نفسه أوعد من أدخل في نسبه من ليس منه ولو كان ذلك بدافع الرحمة والشفقة، لأن دافع الشفقة والرحمة يجب أن لا يتعدى الحدود الشرعية
كما بينت أن من مقاصد الزواج في الإسلام التوالد والتناسل، وأقمت الأدلة الصحيحة الصريحة على ذلك مبينا مدى ترابطها واتفاقها مع روح التشريع الإسلامي.
وكان من أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال رحلتي الطويلة مع هذا البحث ما يلي:
أولا: أن الإسلام حافظ على النسب حفاظا قويا أحاطه بسياج المنعة والعزة ووازن بين الإنسان وموارد الحياة، فمنع الحد من كثرة التناسل للحاجة، أو للخوف منها في المستقبل، وأن هذه دعوى الجاهلية الأولى، أو وضع العقبات في وجهه ومن هنا رجحت عدم جواز الإجهاض، وما إلى ذلك مما يكون سببا في التخلص من الطفل، وتوصلت إلى أن فكرة تحديد النسل التي سادت المجتمع الغربي حملت في جوانبها مخاطر اجتماعية من أهمها، عدم التوازن بين الطبقات، لأن الذين يؤمنون بتحديد النسل هم الطبقة العليا والوسطى استئثارا منهم بالتمتع بالحياة وكثرة الفواحش ما دام التحديد يستر الفضائح والإجهاض يستأصلها، وبينت أن تفشي الأمراض الخبيثة يأتي من الإباحية التي من أهم أسبابها منع الحمل وكثرة وقائع الطلاق، وذلك إذا نظرنا إلى أن النسل يكون سببا في ربط الأسرة بعضها ببعض، وكثرة أولاد الزنا، وما إلى ذلك مما لا تحمد عقباه.
ثانيا: إن إثبات النسب للفراش ما هو إلا وضع للحق في نصابه، وتنزيه للبيت عن الدخيل، وقطع لدابر الفساد.
ثالثا: إن الزواج الفاسد والباطل يفترقان في إثبات النسب، حيث تبين لي أن الفاسد يثبت فيه النسب في معظم صوره، وأن الباطل لا يثبت فيه النسب.
والفقهاء وإن كانون لم يفرقوا بين الفاسد والباطل في كثير من أبواب الفقه إلا أنهم في هذه المسألة جعلوا للفاسد حكما يختلف فيه عن النكاح الباطل من حيث إلحاق النسب بالأول، وعدم إلحاقه بالثاني، بناء على أن الفاسد من العقود مشروع بأصله، لا بوصفه ومن هنا أخذوا بالاحتياط في النسب فأثبتوه به، لأن النسب عندهم يلحق بأدنى سبب ولو كان الزواج فاسدا وأن الباطل غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه، فلم يجدوا منفذا لإلحاق النسب به، وأن هذا لا يخالف ما درج عليه الفقهاء من الاحتياط في الأنساب وإلحاقها بمن ادعاها ولو بأدنى سبب، لأن هذا الأدنى غير متوفر في حالة بطلان العقد.
رابعا: أن النسب يثبت بالقيافة وهي علم صحيح يمكن القضاء به في الفصل بين المدعين في قضايا النسب في أحوال خاصة، وهو علم تصدق نتائجه بنسبة كبيرة.
ومن هنا أريد أن أوجه نداء لكل باحث مسلم يهمه أمر دينه أن يتصدى لمثل هذا البحث فلعله يفيد المسلمين.
خامسا: أن التعارض في دعاوي النسب مختلفة عن التعارض في غيره، وذلك لأن الحقوق الأخرى تصح القسمة في معظمها والقسمة أحد الطرق لفض النزاع.
أما في النسب فإنه لا يصح أن ينتسب إلى أبوين، فإن القسمة في النسب غير متصورة إطلاقا، ومن هنا رجحت إلحاق الولد بأب واحد معين، وحاولت أن لا يكون توقف في إلحاق نسب الولد مهما وجد لذلك سبيل، تمشيا مع قاعدة الاحتياط في إثبات النسب وعدم إضاعته.
سادسا: بحثت التلقيح الصناعي وما تفرع منه وبينت جوانبه وصوره وتوصلت إلى أن الراجح فيها المنع والتحريم، وأنه لا يصح إلحاق النسب الناتج عن طفل الأنبوب أو التلقيح الصناعي أو شتل الجنين، ورددت على المجيزين، وبينت أن أصل سد الذرائع هو الفيصل في هذه المسألة، وذلك لفساد الذمم وعدم الاكتراث بالسيئ من الأعمال والتصرفات، وما يترتب عليه من كشف العورة المغلظة بالنسبة للزوجين، واحتمال تبديل النطف وما يترتب على ذلك من اختلاط الأنساب والتشكيك فيها، إلى غير ذلك من الأضرار الخلقية والخلقية، التي من أجلها حرم الإسلام الزنى، وبينت أن القول بجواز مثل هذه الأحوال قد يوقع المسلمين فيما لا تحمد عقباه.
سابعا: أن نفي النسب بطرقه المشروعة التي حددها الإسلام كاللعان مثلا، لم يكن القصد منه خلق العنصر الغريب في المجتمع، بل أراد الإسلام أن يبين أنه بقدر ما يحرص على جمع شمل الأسرة يحرص على أن لا يتفشى في المجتمع الفساد، ولا يدخل في الأسرة من ليس منها، كما أن في نفي الولد في حالة الضرورة قطعا لدابر الشك، ومنعا للجريمة بالقدر المستطاع.
ثامنا: ومن النتائج الجزئية التي توصلت إليها في هذا البحث:
- أن الإقرار يختلف عن التبني وأن شروط الإقرار التي وضعها الفقهاء كفيلة بحماية الأسرة من الدخيل، وليس في هذا تعارض كما يدعي الآخرون بأن الإقرار والتبني شيء واحد.
- أن القرعة ليست وسيلة أو سببا من أسباب ثبوت النسب وإنما هي اقتراع على كفالة الولد حتى يبلغ، كما ذهب إليه بعض الفقهاء - ليست سببا مستقلا لإثباته لكن عند التعارض تكون مرجحة.
- أن الإسلام احترم الآدمي أيما احترام وكرمه أيما تكريم عندما أوجب على الإنسان أن يستلحق ولد الأمة التي وطئها، حيث رجحت لحوق ولد الأمة بمجرد وطء السيد دون توقف على ادعائه، لأن في ذلك فتحا لباب من الفساد كبير وهو كثرة العبيد أو اللقطاء في المجتمع، وهو ما يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية.
تاسعا: أن فقهاءنا الأجلاء وضعوا أعظم وسام على صدورهم بإفرادهم أبحاثا خاصة عن اللقيط وادعاء نسبه، وتعرضنا للتفصيلات التي أوردوها مما جعلهم يحوزون السبق في إيواء مثل هؤلاء وسترهم دون دعاية وادعاء.
وإن إيواء اللقيط على المستوى الفردي أفضل بكثير من المستوى الجماعي لأن الإنسان عندما ينشأ وسط أسرة مترابطة متماسكة يحيا بحياتهم فيفرح بأفراحهم ويحزن بأحزانهم - لا يشعر أنه غريب عن هذا المجتمع - أما إذا كان له مجتمعه الخاص وحياته المنقطعة عن الروابط فلن يكون إنسانا سويا في يوم من الأيام.
عاشرا: أن الإسلام احترم إرادة الإنسان، وبالتالي حاسبه على إرادته واختياره، فمتى ارتبط بأي امرأة فإنه سوف يلحقه ما ولدته منه سواء أراد ذلك أم أبى أعلن عن هذا الزواج أم لم يعلن، وثقة في المحاكم أو السجلات الخاصة أم لم يوثقه، ولكنه لم ينس أن يضع الحدود والقيود لضمان حق الزوجين لتسير الحياة، كما أرادها صانع الحياة، ولم ينس أن يوجه كلا الطرفين إلى الاختيار السليم لبناء أسرة متماسكة مترابطة.
حادي عشر: أن معرفة نسب الإنسان أصلا وفرعا، ما هو إلا تدعيم لصلابة المجتمع وتقوية للعلاقة بين أولي الأرحام، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم).
وبعد:
فهذا ما وفقني الله تعالى لبحثه، فإن كان صوابا فنحمد الله الذي هدانا إليه، وإن كان خطأ فنستغفر الله عليه، وما كنا نقصده ولا نتعمده، بل هو زلة القلم أو شذوذ الفكر، أو عدم الاهتداء إلى ما صح من الدليل ونسأله تعالى أن يتقبله عملا خالصا لوجهه، ويجعل لنا من مستقبل أمرنا خيرا من ماضيه، إنه سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.