الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام التصوير في الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
محمد بن أحمد واصل
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار طيبة - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1420هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
تصوير ونحت تماثيل
الخاتمة: في نهاية هذا البحث المتواضع، والجهد اليسير أحمد الله تعالى - وأشكره، حمدا وشكرا دائمين، متلازمين، لا يحصي عددهما إلا هو سبحانه وتعالى على ما أمدني به من العون، والتيسير، والجهد والصحة والسلامة من المشاغل التي تعيق عن المواصلة والاستمرار.
فله الحمد والثناء المتكرر على انتهائي بفضله وكرمه وإحسانه، من كتابة هذه الرسالة وبحث مسائلها، وجزئياتها.
وأسأله سبحانه وتعالى الذي حفظنا فيما مضى أن يحفظنا فيما بقي، وأن يجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا اله إلا الله إنه قريب مجيب.
أما بعد:
فقد تناولت في هذا البحث المسائل والجزئيات التي تضمنها موضوع (أحكام التصوير في الفقه الإسلامي).
وحرصت أشد الحرص أن يكون البحث وافيا، وشاملا لكل ما له علاقة وارتباط بالموضوع المذكور، فأضفت عددا من المسائل الهامة التي لم تكن في الخطة المقررة من قبل مجلس الكلية، وذلك لما رأيت لها من الصلة، والارتباط بموضوع البحث.
كما حرصت على حسن الترتيب بين الأبواب، والفصول، وحسن التنسيق، ليكون ذلك أقرب إلى الوضوح وتمام الفائدة.
وظهر لي من خلال بحث مسائل الموضوع وجزئياته النتائج التالية:
1 -
أن التصوير في اللغة: هو صناعة الصورة، واختراعها، سواء كانت مجسمة، أو مسطحة، كما أن لفظ صورة تطلق على حقيقة الشيء وهيئته، وعلى صفة الشيء وعلى النوع، والصنف.
كما تطلق- أيضاً- على الوجه، وعلى ما يرسم في الذهن وعلى العقل.
2 -
أن للفظ التصوير ألفاظا مرادفة، أهمها: لفظ ((التمثيل)) و ((الرسم)) و ((النحت)) و ((النقش)) و ((الرقم)) و ((التزويق)) و ((الوشي)).
3 -
أن أنواع التصوير بالنظر إلى الوسيلة - نوعان:
أولهما: التصوير اليدوي، ويشمل التصوير المجسم من ذوات الظل، والتصوير المسطح.
وثانيهما: التصوير الآلي، ويتضمن التصوير الفوتوغرافي، والتلفزيوني، والسينمائي، والتصوير بالأشعة.
4 -
أن الصورة باعتبار ذات الصورة - نوعان - كذلك: أولهما: صور ذوات الروح، من بني الإنسان، والحيوان.
وثانيهما: صور غير ذوات الروح، من المخلوقات الكونية، النامية، منها: كالأشجار والنباتات، وغير النامية - كالجبال والأحجار والأفلاك ونحوها.
5 -
أن التصوير في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية - يأتي بمعنى التشكيل، والتخطيط، والتخليق، والتمثيل، والتقويم، والتشبيه، والتزويق، والتكوين، والتخييل، والتحويل، والتقدير، والتسوية، والتصنيع، كما أن الصورة تطلق على الصورة الحسية، الظاهرة، والصورة المعنوية الباطنة.
6 -
أنه لا فرق بين الصنم، والوثن، من حيث الإطلاق اللغوي، بل كل منهما يطلق على الآخر، كما أنه لا فرق أيضا بين التمثال، والصورة في إطلاق كل منهما على الآخر.
7 -
أن النصب- في الاستعمال اللغوي - يطلق على النتوء، والبروز كما يطلق ويراد به التعب، والإعياء إذا كان بفتح الصاد، أو بكسرها على لغته، ويطلق - أيضا - ويراد به الشر والبلاء.
8 -
أن لصناعة الصور والتصوير أسبابا متعددة تدعو إلى ذلك، من أهمها: صناعة الصور محبة وتعظيما لصاحب الصورة، أو لأسباب أمنية، أو إدارية، أو صحية، أو تعليمية أو إعلامية، أو اقتصادية، وصناعية، أو مادية تجارية، أو لأسباب تاريخية، أو فنية تجميلية أو ما أشبه ذلك.
9 -
أن الشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع والطرق التي قد تفضي إلى الوقوع في المحرمات، أو ما هو أعظم من المحرم، كالشرك والكفر بالله رب العالمين.
10 -
سماحة الشريعة الإسلامية وسهولتها، ومن أبرز ما يبين سماحتها وسهولتها: رفع الحرج عن المكلف، والتيسير عليه بإباحة ما قد يضطر إليه من المحرمات، بقدر ما يدفع ضرورته ويرفع الحرج عنه.
11 -
إباحة صناعة صور غير ذوات الروح عموما، وإباحة اتخاذها، سواء كانت صورا لأشجار، أو أحجار، أو أنهار، أو غير ذلك، لوجود الدليل على جواز صناعتها واتخاذها.
12 -
تحريم صناعة صور ذوات الروح عموما، مجسمة كانت أو مسطحة، وتحريم استعمالها بنصب، أو تعليق في بيت، أو شارع أو حديقة أو غير ذلك، سواء كانت نصفية أو كاملة، مشوهة، أو غير مشوهة، خيالية، يدوية أو آلية لأن كل ما ذكر يسمى صورة لغة، وشرعا، وعرفا، مع وجود الفارق بين كل من التصوير المجسم، والمسطح، والآلي، من حيث شدة التحريم وخفته. وسواء كانت في ثياب، أو ستار معلق، أو خاتم، أو آنية، أو كانت الآنية على شكل صور مجسمة، أو غير ذلك مما يكون وضع الصورة فيه مشعرا بتكريمها وصيانتها عن الامتهان والابتذال.
وسواء كانت الصورة صغيرة أو كبيرة ما دامت واضحة المعالم، والرأس باق فيها.
وذلك لعموم النصوص النبوية الواردة بتحريم صناعة سائر الصور لذوات الروح، واتخاذها، ولما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى في التصوير اليدوي، والوقوع في مشابهة عباد الصور والأصنام، وما قد تفضي إليه تلك الصور من تعظيم غير الله تعالى، وعبادة غيره سبحانه.
ويستثنى من أصل تحريم صور ذوات الروح ما يلي:
أولا: ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة، وذلك مثل ما يحتاج إليه من الصور في المجال الأمني أو الحربي، أو الإداري، أو التعليمي، أو الإعلامي، أو الطبي، أو غير ذلك من المجالات الخاصة منها، والعامة، وسواء كانت الصور المذكورة من ذوات الظل، أو من غيرها، يدوية أو آلية، ثابتة أو متحركة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكن ذلك مقيد بما تندفع به الضرورة، أو تحقق به المصلحة فقط.
ثانيا: إذا كانت صورة ذوات الروح مقطوعة الرأس، إن كانت مجسمة أو ممحوة، إن كانت مسطحة لأنها تكون حينئذ كهيئة الشجرة، ولا يغني عن ذلك خيط في العنق، لإيهام فصل الرأس عن الجسد.
ثالثا: لعب الأطفال التي كانت معروفة في العهد القديم، والتي تصنع من الخرق، والرقاع، دون ما تصنعها المصانع المعاصرة، من مادة البلاستيك ونحوه بشكل يضاهي خلق الله تعالى، وذلك لما فيها من قوة المشابهة والمضاهاة لخلق الله تعالى، ولما في بعضها من إثارة الغرائز، وكوامن الفطرة.
رابعا: ما كان من صور ذوات الروح ممتهنا، مبتذلا، وذلك كالصور التي تكون على الفرش، والمخاد، والأواني إذا كانت الصورة فيها غير مرتفعة، أو كانت الآنية غير مرتفعة كالصحون، والأطباق، ونحوهما، مما يستخدم منها خاصة، فيجوز استخدام الصور المهانة، دون صناعتها فتحرم بكل حال، لما في صناعتها من المضاهاة إن كانت يدوية.
13 -
تحريم تحنيط جثة الإنسان من بني آدم، لما فيه من مخالفة سنة الله في الدفن، وتعريض الميت للإهانة من جهة، ولما يسببه من إثارة الحزن على أهله ومحبيه من جهة أخرى. ويستثنى من ذلك: حالة الضرورة إلى تحنطيه وإبقاء جثته لأجل معرفته، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، فيما إذا مات أو قتل مجهولا، إن لم يكن هناك وسيلة غير التحنيط. ويحرم تحنيط الحيوانات من غير بني آدم لما فيه من إضاعة المال، وفتح باب الاعتقادات الباطلة بأنها تجلب نفعا، أو تدفع ضررا.
14 -
جواز قيام الصورة الآلية مقام الرؤية في عقود المعاوضات المالية بشرط سلامة الصورة من إدخال تحسينات عليها لم تكن في المعقود عليه، وكون الصورة واضحة جلية، بحيث تصف واقع السلعة كما هي، فيجوز ذلك قياسا على صحة البيع بالأنموذج، والبيع بالوصف المنضبط، فإن اختل واحد من هذين الشرطين فلا يصح حينئذ.
وعدم قيام الصور الفوتوغرافية مقام الرؤية بين الخاطبين، في إحالة إمكان الرؤية البصرية المباشرة، وذلك لأنه لا يمكن الكشف بواسطة الصورة الفوتوغرافية - عن أوصاف لا بد من معرفتها، بالإضافة إلى موانع أخرى، فإن كانت الرؤية المباشرة متعذرة جاز قيامها حينئذ، لأن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، وأما إن كانت سينمائية صح قيامها مقام الرؤية المذكورة، بشرط سلامتها من التزوير، والتحريف، وعدم انتشار الصورة.
15 -
جواز تمويل صور ذوات الروح التي تدعو إليها ضرورة، أو تقتضيها المصلحة العامة، سواء كان تمويلها من المال العام، أو الخاص، كما يجوز اتخاذها حرفة، ومهنة للتكسب المادي، ويجوز بيعها وشراؤها، وإجارتها واستعارتها، وهبتها، ويصح التعاقد عليها بسائر عقود التعامل.
ويجب الضمان على من أتلفها، أو اغتصبها، ويجب القطع بسرقة ما بلغ منها نصابا، إن كانت متقومة، والتعزير فيما لم يبلغه، أو كان غير متقوم.
وذلك لأن ما أباحته الضرورة، أو اقتضته المصلحة يكون من جملة الأموال المحترمة التي يجب المحافظة عليها، مادامت الضرورة إلى ذلك باقية.
وآلات هذا القسم من الصور تبع لها في كل ما سبق، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والتابع تابع، ولأن ما جاز بيعه، وشراؤه جاز التعاقد عليه بسائر العقود، ووجبت المحافظة عليه.
وأما ما كان من الصور المذكورة بخلاف ما ذكر، فإنه لا يجوز تمويلها ولا احترافها، ولا التعاقد عليها بأي نوع من أنواع العقود، وثمنها محرم والعقد غير نافذ، لأن ما حرم عينه حرم بيعه وشراؤه، وثمنه، وحرمت الإعانة عليه بقول أو فعل، وعلى ذلك، فلا يضمن متلفها، ولا يقطع سارقها لإهدار قيمتها شرعا، وعلى المتلف والسارق التعزير، إن كان فعله إفتياتا على ولي الأمر.
هذا إن كانت الصورة هي المقصودة بالعقد، وأما إن كان المقصود هو ما فيه الصورة، وهي تبع فينظر، إن كانت الصورة في وضع مهان صح العقد بدون إثم، وإن كان وضعها مشعرا بتكريمها، وصيانتها صح العقد مع الحرمة، والإثم.
وآلات هذا القسم من الصور فيها احتمالان: أقواهما في نظري أن المنظور إليه - في هذه الحال - إنما هو فعل الفاعل، وبناء على ذلك يجوز تمويلها، واحترافها، والتعاقد عليها بسائر أنواع العقود، ويضمن متلفها، ويقطع سارقها - إن بلغت قيمتها نصابا - وعليه التعزير إن لم تبلغ، أو بلغت نصابا مع وجود شبهة الإنكار، لأن هذه آله يمكن استخدامها فيما هو مباح، وليس استخدامها محصورا في المحرم فحسب. وهذا الاحتمال هو الأقوى في نظري لقوة تعليله، والله أعلم.
كانت هذه هي أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال بحث ومسائل الموضوع، وجزئياته المرسومة في الخطة، والمسائل التي أضفتها فيما بعد، نظرا لما رأيت من الصلة والارتباط بالموضوع، فإن صاحبني في ذلك التوفيق فهذا من فضل الله علي وكرمه وإحسانه.
وإن زل بي قلمي وسوء فهمي عن جادة الصواب إلى الوقوع في الخطأ فذلك مني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأستغفر الله من ذنبي، ومن زللي.
وفي نهاية هذه الخاتمة أتقدم بالشكر الوافر، والثناء العاطر لكل من قرأ بحثي هذا، وأهدي إلى خطأ، أو خللا، لكي أتلافاه قبل فوات الأوان، وأقول له كما قال الأوائل:
وإن تجد عيبا فسد الخلل فجل من لا عيب فيه وعلا
فإن الإنسان يخطئ مهما بلغ من العلم، والفطنة، والذكاء، فقد يقصر عند بعض المسائل فهمه وينغلق ذهنه، نظرا لطبيعته البشرية، والكمال المطلق إنما هو لله وحده جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.