الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية
المؤلف/ المشرف:
عدنان عبدالمنعم قاضي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
الدار المصرية اللبنانية – مصر ̈الأولى
سنة الطبع:
1426هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
مطالع الأهلة ومنازلها
الخاتمة: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
لقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجرات: 9]، وأخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يسخر لدينه من يجدده على مر الزمن، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود. ولقد سجل التاريخ الإسلامي، بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكر وجهد أئمة وعلماء مجتهدين، ممن جددوا هذا الدين وأحدثوا ثورة في فقه العبادات والمناسك وعلوم الدين. وفي وقت كل منهم قوبل فكر واجتهاد بعضهم بعدم القبول تارة والعنف الرسمي و/أو الفردي تارة أخرى؛ وذهب الرجال وبقي الفكر. الآن، ومرة أخرى، تحتاج الأمة الإسلامية إلى كثير من التسامح، وتقديم فكر فقهي جديد واجتهاد إسلامي مبدع للشعوب الإسلامية (وحتى غيرها) في عصر متسارع يتصف بمعارف وفتوحات علمية وتكنولوجية مذهلة واكتشافات كونية هائلة واتصالات آنية متيسرة وشعوب وأعراق مختلفة وعقائد متفرقة ومفاهيم متضاربة وإمكانات متاحة وشهوات مستباحة. لمواجهة كل ذلك، لا أمان لرأي فقهي أحادي يصادر من يخالفه ويضطهد من يعارضه.
ما تحتاجه الشعوب الإسلامية هو: أن لا تعود الشعوب 1400 سنة إلى الإسلام، بل هو تقديم الإسلام 1400 سنة إلى الشعوب الإسلامية وغيرها في عصرها الحاضر بكل مشكلاته ومستحدثاته، وإيجاد حلول عصرية خلاقة لمشكلاتهم ومسائلهم. وسأعطي مثالين بسيطين على العودة والتقدم إلى الإسلام: تعامل بعضنا بزكاة الفطر والأضحية (ذبح أنعام في الحج). فهناك من يتشدد ويصر (أي يخطئ غيره إذا أخرج نقدا) على إخراج زكاة الفطر طعاماً كما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة، أي إخراج صاع من بر أو شعير أو تمر أو أقط أو زبيب (مع أنه يجيز إخراج رز والحديث لم يذكره، وهو تناقض ذاتي)؛ وهذا مثال فقه العودة 1400 سنة. على الجانب الآخر، الأضحية ورد أيضا فيها أحاديث نبوية صحيحة بأن يقوم المضحي بنفسه بشراء وذبح وتوزيع أضحيته وأكل ثلثها وإهداء أقارب والتصدق على فقراء. ولكن الآن هناك من يجيز توكيل حتى شخصيات اعتبارية لشراء وذبح (ليس بالضرورة في مكان المضحي) وتوزيع الأضاحي ودبغ واستعمال جلودها دون أن يرى أو يعلم المضحي مصير أضحيته أو يأخذ شيئا منها بل وحتى نقلها خارج المشاعر المقدسة؛ وهذا مثال على تقديم الإسلام 1400 سنة لمواجهة مسائل وحل مشكلات تعاني منها الشعوب الإسلامية في هذا العصر وليس شعوباً أخرى في أزمنة ماضية. ما أحوج الأمة الإسلامية إلى فقه الواقع الذي هو ببساطة شديدة (النزوع إلى واقع الناس لتعرف مشكلاتهم التي يعانون منها والبحث عن الأحكام التي تعالج هذه المشكلات في الواقع واستيعابه لهذه الأحكام. وأيضاً معرفة ما يمكن تطبيقه من هذه الأحكام وما لا يمكن نظراً للظروف المحيطة أو عدم الاستطاعة. وبعبارة مختصرة، هو الفهم العميق لمشكلات الناس وتنزيل الحكم الشرعي عليها بقدر استيعاب الواقع لهذا الحكم). إنه فقه يرتبط بالأصل ويتصل بالعصر، فقه التيسير والمستطاع وليس فقه الأمثل والعزائم لأننا في عهد استضعاف وتكوين لا في عهد استخلاف وتمكين. إنه فقه يواجه ويجيب بشكل معاصر عن أسئلة شبابنا وفتياتنا وليس فقط إعطاءهم أجوبة أجدادنا، الذين أبدعوا في زمانهم وأحدثوا ثورة في فقههم. إنه فقه يقنن علاقات المجتمع وسلوك الفرد بدلاً من أن يحجر على المجتمع ويلاحق الأفراد. إنه فقه يأخذ نظرة شمولية للدين (العلم الشرعي) ويتبنى معرفة عصرية للخلق (العلم الكوني). وقدوتنا في ذلك هو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين قط في الإسلام إلا أخذ أيسرهما وذلك طيلة حياته وبالذات في حجة الوداع.
هذا الكتاب ناقش مسألة إسلامية بنظرة شمولية وبعلم عصري، وعرض حلا لها. إن المحور الرئيسي لهذا الكتاب هو كيف ينظر ويشرح فرد نصوصاً شرعية بنظرة شمولية، ذاتية التناسق، ومتكاملة مع ما خلق الله؟ إذا أخذ أحدنا نظرة شمولية لكل الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في هذا الكون وذاتية التناسق، فشرحه لمسألة ما سيختلف عمن يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة إلى ما خلق الله ويظن أنه خرج بحكم (شرعي). في النظرة الشمولية يتضح تناسق أحكام الشرع والصورة الكلية لمراد الشارع، وأيضا تناسق الشرع مع الخلق. أما من يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة أيضا إلى ما خلق الله، فينشغل صاحبه بإظهار عدم التناقض الذي أنتجه فكره، وليس المبني في الشريعة، الإسلامية، وذهابه إلى أقصى حد لتركيب شرح أن الدين صالح لكل زمان ومكان بينما العلة فيما ارتأى والهفوة في حجره على من خالفه من الورى. بقي أن ندرك أن إظهار التناسق في الشريعة نفسها هو مسألة فقهية، بينما إظهار التناسق بين الشرع والخلق هو مسألة تجريبية empirical. هذه النظرة الشمولية، بشكلها الفقهي والتجريبي، هي النقطة المحورية في هذا الكتاب.
قضية تؤكد النقطة المحورية في هذا الكتاب هي استخدام الشريعة الإسلامية لوسائل وأدوات طبيعية لتطبيق تعاليمها؛ ومن هذه الوسائل ركز هذا الكتاب على شرح دور ظواهر (وأدوات) طبيعية في تحديد بدء وإقامة تكاليف شرعية؛ بفرعيها العبادات والمعاملات. مرة أخرى، إن العبادة هي كيفية محددة في توقيت محدد وفي مكان محدد ولأفراد مكلفين. أي أن هناك ثلاثة عناصر: العبادة وهي ثابتة، والدالة على العبادة وهي أيضاً ثابتة، وطريقة تحديد تلك الدالة وهي متغيرة (مثلا، الصلاة والصوم والحج عبادة، والدالة عليها هي مواقع الشمس، وطريقة تحديد مواقع الشمس هو علم مكتسب متغير. مثال آخر، الصوم والحج عبادة، والدالة على بدء الشهر هو مواقع الهلال، وطريقة تحديد مواقع الهلال هو علم مكتسب متغير). ولا أجادل هنا في العبادة والدالة عليها (مثل أن نغير ميقات صلاة الظهر أو ألا نتبع الشهر القمري للصوم أو للحج)، لكنني أجادل أن وسائل تحديد بدء زمن العبادة ليست جزءا من العبادة. إن استخدام ظواهر وأدوات طبيعية وعرفية وبديلة إما أن يأتي عن طريق نص شرعي أو يستنبط قياساً. أما كونها تأتي عن طريق نص شرعي، فليست الظاهرة الطبيعية أو العرفية أو البديلة هي المقصودة شرعا بحد ذاتها كعبادة. وأما كونها قياسا، فالقياس قاعدة فقهية. في كلتا الحالتين، الأمر ما بين نص وقياس وكلاهما ترخيص للمسلمين كي يستخدموا ظواهر (أدوات) طبيعية و/أو عرفية أخرى كي يقيموا التكاليف الشرعية.
لقد أثبتنا أن الشرعية الإسلامية تستخدم وسائل عديدة لتحديده بدء زمن تكاليف شرعية. والحكم الفقهي هذه الوسائل لا يخرج عن ثلاث حالات: إما أن كل هذه الوسائل جزء من العبادة التالية وبالتالي يجب العمل بكل وسيلة أتى بها الشرع لأن الوسيلة أيضاً عبادة، أو أن كل هذه الوسائل ليست جزءا من العبادة التالية لأن الوسيلة ليست عبادة في ذاتها، أو أن لكل وسيلة حكما فقهيا مستقلا. الحالة الأولى فيها تناسق ذاتي ولكن تورطنا في جعل بعض الوسائل تعبدية بينما لا يمكن – وأحياناً يحرم – جعلها عبادة، كالبلوغ والحيض، كما أنها تؤدي إلى اختلافات تطبيقية شاسعة بين المسلمين. الحالة الثانية فيها أيضاً تناسق ذاتي، لا تورطنا في السقطة السابقة، تشرح لنا لماذا استخدم الإسلام ما خلق الله لتحديد بدء زمن ما شرع الله، تتنبأ ببعض ما أخبر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تظهر الشريعة الإسلامية كنظام متماسك ومترابط وتظهر تناسقاً مع ما خلق الله سبحانه وتعالى. الحالة الثالثة تظهر تضاربا في الشريعة ذاتها، تنافرا مع العلم العصري (الكون)، انتقائية في النص وشرحه، تعطيلاً أو لي عنق لنصوص أخرى، وانشغال صاحبه لإثبات ما لم يكن ضرورياً لإثباته ولا يمكن إثباته – لا يمكن أن نظهر فقهياً انتقائياً أحادياً ثم نصرخ أن الشريعة الإسلامية نظام متناسق ومتماسك.
إن دور ظواهر طبيعية في تحديد بدء زمن تكاليف شرعية هو في كونها وسائل لأن الأصل في التكليف الشرعي هو العبادة وليس الوسيلة لاستحالة أن يقام تكليف شرعي دون وسيلة، ولتغيير استخدام ظواهر (أدوات) طبيعية للتكليف الشرعي نفسه أو لتكليف آخر، ولوجود قيود طبيعية و/أو شرعية على هذه الوسائل. فوسيلة دخول رمضان هي رؤية الهلال (بمعنى العلم به، أي معرفة دخول الشهر) والشرع نفسه أتى ببديلين آخرين لرؤية الهلال وبالتالي دخول الشهر وهما إكمال عدة شعبان ثلاثين أو التقدير للهلال لوجود عائق طبيعي وهو الغيوم. كما استخدم ظهور الهلال لبدء شوال وذي الحجة ومحرم. أما من يقول بما يسمى اختلاف المطالع فعليه مواجهة حل مشاكل تطبيقية عديدة. وفي محاولته هذه فهو أمام أمرين: إما أن يكون انتقائيا أو متناسقاً مع نفسه أو أن يتشبث بالإنكار وبذلك يجعل الشرعية الإسلامية ذات بنيان غير متناسق في ذاتها ومع ما خلق الله. حتى القبلة التي يتعبد بها لأنها شرط من شروط الصلاة (وقد حلت البوصلة في عصرنا محل الاتجاه التقديري للقبلة، بل إن اتجاه القبلة يحسب الآن بأجهزة عصرية)، فيجوز للمسلم في حالة عدم معرفته لاتجاه القبلة أن يجتهد ويتجه إلى أي اتجاه يراه {ولله المشرق والمغرب فإينما تولوا فثم وجه الله
…
} [البقرة: 115]، فالقبلة وسيلة والكعبة رمز والصلاة هي القصد وهي العبادة – والعبادة فقط لا تسقط. حتى الماء الذي لا يتم الوضوء والطهارة إلا به، له بدائل: التيمم والاستنجاء والاستجمار وغيره، فالقصد هو التطهر.
أما البلوغ وهو أم الوسائل لكل التكاليف الشرعية فيعتريه أولاً اختلال طبيعي (تفاوت سن البلوغ وفترة الحيض أو انقطاعه)، وعليه ثانياً قيد تكميلي (فليس كل من بلغ يكلف شرعاً: فيجب أن يكون مسلماً ثم عاقلاً ثم واعياً، فالمجنون والنائم ومن في غيبوبة ومن في حكمه يقف عنه التكليف حتى يستيقظ)، وله ثالثاً بديل عرفي (عمر محدد). ولكن ليس للعبادة بديل، فقد تقصر العبادة (الصلاة للمسافر) أو تسقط (الصلاة للحائض والنفساء) أو تقضى (الصيام للحائض والنفساء) ولكن لا تستبدل بغيرها. والشرع أتى باللفظ (أي النطق بالإيجاب والقبول) لانعقاد الزواج وإيقاع الطلاق وتنفيذ الرجعة، ولكن ينجز الآن الزواج والطلاق لفظاً وكتابة وإشارة، بل يجب على المرء في هذا العصر أن يسجل زواجه وطلاقه ويوثقه رسمياً. إن حقيقة كون بعض الظواهر الطبيعية لا تتحقق وأن العبادة المرتبطة بها ثابتة، يظهر بوضوح أن كل الظواهر الطبيعية التي استخدمها الشرع هي وسائل لا يتعبد بها، وأن القصد أو الهدف هو العبادة الثابتة.
لقد رأينا في صفحات سابقة أنه من المستحيل أن تكون بعض الظواهر الطبيعية، أو غيرها من الوسائل، لإقامة تكاليف شرعية بحد ذاتها عبادة، كالحيض والاحتلام واللعان وشعر العانة وشراك النعل وغيرها. إن كل وظائف الظواهر الطبيعية محايدة بذاتها، ووجودها على وجه الأرض سابق للشريعة وللإنسان. فحينما تستخدم الشريعة الإسلامية ظواهر طبيعية كوسائل فإنها تقيم الحجة على البشر، لأن معرفة الظواهر الطبيعية لا تحتاج إلى علم مكتسب والإسلام لا يشترط الكتابة والقراءة لاعتناقه. فرسول الإسلام أمي وقومه أميون ويخلق الله كل البشر أميين، ولكن هذه ليست دعوة شرعية للأمية. كما لا يفهم من كل الآيات الواردة في القرآن أن السمع والبصر والفؤاد وسائل حصرية للتعلم؛ أي لا يجوز استخدام غيرها، وهكذا في استخدام معادن أو بقول أو حبوب أو أجرام سماوية أو المشي أو مقاييس طبيعية. وأخيراً ظهر لنا، أن التكليف الشرعي لا يسقط بعدم توفر ظاهرة شرعية طبيعية أو وسائلها؛ ولكن العكس غير صحيح، أي لا توجد ظاهرة (أداة) طبيعية شرعت وحدها كعبادة. لكن تيسيرا من المشرع الكريم يستعاض أحياناً بظاهرة طبيعية أخرى أو بأداة عرفية أخرى أو طريقتها لتحديد العبادة. كما لا يتعطل نص بتكليف شرعي باستخدام ظاهرة طبيعية أو عرفية بديلة لأن النص يبقى هو المرجع.
الآن ماذا نستفيد من هذه النظرة الشمولية لدور ظواهر طبيعية في تحديد تكاليف شرعية؟ الجواب التالي:
أولاً: على المسلم والمتخصص أيضاً في الشريعة الإسلامية أن يكون متناسقاً مع نفسه عندما ينظر إلى، ويتفقه في، أحكام الله وهدي رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. عدم حصول ذلك يظهر للغير أن أحكام الشريعة الإسلامية تناقض نفسها، بينما هو موقف فردي أو مذهبي. إن التناسق الفكري (أو عدمه) للفرد أو للاتجاه ليس له علاقة بأصل أحكام الشريعة الإسلامية. ومن التشطط والتسلط أن يجعل فرد من نسيج فكره وقدرة فهمه ومدى علمه حكراً لمراد الله سبحانه وتعالى وحكراً لمراد رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي يخطئ غيره لأنهم اختلفوا معه ويصادر فكرهم لأنهم عارضوه.
ثانياً: على المسلم أن يعلم أن شرع الله وحدة كلية متناسق في ذاته متناغم في خلقه – سبحانه فالتكاليف الشرعية شرع الله والظواهر الطبيعية خلق الله، والله هو الحق الحكيم.
ثالثاً: أن الإسلام ليس فقط ديناً سماوياً بل ديناً طبيعياً أيضاً لاستخدامه الخلق في تحديد أمور الشرع. كما سيسهل شرح سلوك (مثلاً، السن المبكر للزواج والجهاد وضرب العنق لتنفيذ حكم الإعدام) للمتسائلين ولغير المسلمين.
ما النتيجة، إذا، لهذه النظرة الشمولية الجديدة؟ إذا سلمنا أن غرض استخدام الشرع لظواهر طبيعية هو كونها وسائل وليست عبادة، فسوف تتهاوى مشكلات ما فتئ مسلمون يجلبونها على أنفسم وعلى دينهم.
سوف يتوحد توقيت أركان الإسلام (الصوم والحج)، ليس على أساس سيادة الدولة أو سياسة الجماعة أو جنوح الفرد، بل على أساس وحدة المصدر لخلق هذا الكون وقوانينه، وتشريع هذا الدين الإسلامي. سوف تتوحد أيضاً تقاويم وأعياد المسلمين على أساس أن كتاب الله المنظور متناسق بل متاطبق مع كتاب الله المسطور. وسوف تعرف ويعترف بمواقيت ظواهر كونية (كسوف الشمس وخسوف القمر وأوقات تساقط شهب وحتى ارتطام نيازك) وأعياد وأداء العبادات اللازمة لها ومواقيت مناسبات إسلامية مجيدة. لقد أنشأ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه تقويماً للمسلمين مبنياً على شرعهم تميزاً لهم عن غيرهم. بعد حوالي 1400 سنة من عدم اليقين يظل هذا التقويم الهجري غير مستخدم إلا من قلة وفي أرجاء أقل منها لأنه لا يخدم مصالحهم الآنية ولا المستقبلية. فالدول (بما في ذلك كل الدول الإسلامية) في ميزانياتها والمؤسسات والشركات في أعمالها المالية وأفراد عديدون لا يستخدمون إلا التقويم الميلادي الغربي (الشمسي) وإن سمي أحياناً بأسماء مختلفة. لقد آن الآوان للمسلمين لكي ينظروا نظرة شمولية لظاهرة الهلال الطبيعية وعلاقة ذلك بحياتهم اليومية والشرعية وعلى مدى طويل وذلك بتأسيس تقويم قمري منهجي، فالدافع موجود والمصلحة ملحة والقاعدة الآن ميسرة، والتعذر غير مقبول. إن الحقيقة، أن التقويم الهجري يحتضر، وعلى المسلمين أن يلوموا أنفسهم فقط لأنهم لم يطوروه.
سوف تتوحد معاملات وأحوال مدنية وحقوقية لشؤون المسلمين اليومية في الإثبات والأدلة. لن تكون هناك ازدواجية أو نفور بين النص الشرعي في الشهادة الشخصية في عملية إثبات أحوال مدنية أو جنائية أو تعريف أشخاص، وبين الوسائل الحديثة والعلمية في التحقيق والإثبات.
وقبل كل ذلك سوف ينشأ شباب مسلم لا يعاني من انفصام في شخصيته (إن لم يكن قد نشأ) محاولاً التوفيق بين دينه واعتزازه به وعلمه وارتباطه به، وبين أساتذة الفقه والتوحيد والتفسير من جهة وأساتذة العلوم والطبيعة والكيمياء والجغرافيا من جهة أخرى.
وأخيرا، لن يكون هناك مجال لاتهام الإسلام بالتخلف وعدم قبول العلوم sciences.
إن الله خالق الأكوان هو نفسه منزل الحكمة والقرآن وهو قطعاً الحق الحكيم الرحمن، وقول الله لا يناقض خلقه ولا خلقه يناقض قوله. وهو نفسه القائل {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5]. فهل علمنا حقا ما خلق ربنا وعلمنا أيضاً سننه الكونية وتفكرنا في ذلك؟ إن فهم فرد للكون وقوانينه يضفي بأثره، سلباً أو إيجاباً، على فهمه لشرع الله. إن فهم أحدهما لا يتم بسوء فهم الآخر. بل إن من عدم تنزيه الله في صفاته أن يجعل فرد من فهمه، غير العلمي non-scientific، أو العلم الخاطئ pseudo-science للكون وقوانينه أساس مراد الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم في شرعه، وصدق الحق القائل في كتابه المسطور:
ما أعظم هذه الآية، قدمت المادة وقوانينها والعقلاء على الذكر ولم يحدد الله سبحانه جنس الذاكر. وما أجمل هذا المزج بين ما خلق الله وشرع، والفكر والذكر. وما أجل الحق الذي لم يفرق بين الذكر والأنثى في الفكر والذكر والثواب. وما أروع هذا التناسق والتطابق بين كتاب الله المنظور وكتاب الله المسطور. وما أحسن الجزاء لمن علم وعمل بالفهم والدعاء.
تم بحمد الله وفضله وبركته في يوم الاثنين 8 ربيع الآخر 1426 هجرية الموافق 16أيار/ مايو 2005 ميلادية (26 الثور 1383هـ ش). فإن أحسنت فمن الله وبتوفيقه وإن أخطأت أو قصرت فمن نفسي. أسأل الله الحليم الحكيم المغفرة والقبول لوالدي ولي، اللذين لهما الفضل والثواب، ولمشايخي العلماء العاملين المتسامحين الهينين اللينين رحمهم الله رحمة الأبرار وأجزل لهم الخير بما هو أهل له فهم الذين غرسوا في حب الله ورسوله وآل بيته وجميع أصحابه وقد كنت يافعاً أرتاد حلقاتهم في الحرم المكي (وأخص بالذكر سادتي وأحبائي الكرام: العلامة القطب السيد محمد أمين كتبي والعلامة الجليل السيد علوي عباس مالكي والعلامة الفاضل القاضي حسن مشاط والشيخ الحليم محمد نور سيف والشيخ الرباني محمد العربي التباني والشيخ عبد الله دردوم والعلامة الأستاذ الدكتور السيد محمد علوي مالكي) رحمهم الله جميعاً رحمة الأبرار وأسكنهم فسيح جناته وصحبة حبيبه سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم. وأسأل الله أن يجزي خيراً كل من ساهم في إخراج هذا الكتاب وقراءه الكرام. وهناك شكر خاص لمن علمنا (وأنا أحد طلبته) حب العلم وأصول الكتابة ومراعاة اللغة في سنوات الجامعة ليس في البحوث التي قدمناها له ولكن حتى في أوراق الاختبارات، بحسن خلقه وحسن معاملته وتقديره لكل واحد كإنسان له كيان. لقد أراد لنا الخير؛ فجزاك الله عنا (وأنا واثق من هذه) خير الجزاء. لقد بذرت يا سيدي وها أنا ذا أحصد فضلك.