الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقاييس نقد متون السنة
المؤلف/ المشرف:
مسفر غرم الله الدميني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1404هـ
تصنيف رئيس:
علوم حديث
تصنيف فرعي:
أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل
الخاتمة
استعرضنا في هذا البحث مقاييس نقد المتن عند الصحابة رضي الله عنهم حيث تأكد لدينا تأصيلهم لمقياس: عرض الحديث على القرآن، فإذا خالفه مخالفة لا يمكن معها الجمع ـ في نظرهم على الأقل ـ حكموا برده إذا لم يمكن تأويله أو توجيهه، كما كانوا يعرضون ما يبلغهم من حديث على ما يعرفه بعضهم أو جميعهم، ويرجحون ما يرونه صحيحاً في نظرهم، والمقياس الثالث الذي لم يتأكد استعمالهم له هو النظر العقلي، وقد تابع المحدثون والفقهاء الصحابة في الأخذ بالمقياسين الأولين وإن كان اتجاه كل فريق منهم إلى ما يناسب تخصصه، فالمحدثون قد يرجحون بقوة الأسانيد أو باعتبارات أخرى في المتن، والفقهاء يقسمون الخبر إلى قسمين متواتر وآحاد، أو قطعي وظني وبعضهم يقدم هذا على ذاك، وآخرون لا يفرقون.
والمحدثون يعرضون الروايات الواردة في حديث واحد بعضها على بعض ويظهر لهم من هذا العرض عدة نتائج مهمة ذات أثر كبير في تصفية الحديث مما يمكن أن يعلق به من زيادات الرواة أو إدراجاتهم، كما كان من مقاييسهم استعمال المعلومات التاريخية في نقد ما يرد في متن الحديث، وهذا من أقوى المقاييس صدقاً في نتيجته خصوصاً إذا كانت تلك المعلومات يقينية ثابتة.
كما نظر المحدثون في متن الحديث فإذا كان لفظه أو معناه ركيكاً لا يقول مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك دليلاً على عدم صحته، وكذا إذا كان مخالفاً للأصول والمفاهيم الشرعية المعلومة عند الناس، أو يشتمل على أمر منكر أو مستحيل فكل ذلك لا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويبدو من الأمثلة التطبيقية التي أوردناها استعمال المحدثين للمقاييس الأربعة الأولى كثيراً عند نقد كتب السنّة بغض النظر عن مصنفها سواء من أهل الصحاح أو غيره، وهذا يعطي تلك المقاييس قدرها بحيث لا يستثنى عند تطبيقها أي كتاب من تلك الكتب، أما الثلاثة الأخيرة فلم تحظ بمثل ذلك القدر، ولم تطبق على الكتب جميعاً بل هي غلباً ما تستعمل عند ضعف الأسانيد أو عدم وصفها بالصحة ولا تكفي تلك الأمثلة النادرة التي ذكرناها دليلاً على القول بأنهم استعملوها في نقد جميع الكتب المصنفة في الحديث، وفي نظري يجب تطبيقها بشكل أوسع على جميع المصنفات دون استثناء، فالحديث الذي يشمل أمراً منكراً أو مستحيلاً، أو معنى ركيكاً هابطاً، أو يخالف أحد التصورات والمفاهيم الإسلامية يجب الحكم عليه بعدم الصحة، ولا تغرنا صحة إسناده عن نكارته فقد أصَّل المحدثون ذلك الأصل العظيم وهو إن صحة الإسناد ليست موجبة لصحة الحديث، وانطلاقاً من هذا الأصل نبني حكمنا على تلك الأحاديث المنكرة حسب تلك المقاييس المتقدمة فيقال عنها ما تستحقه بالنظر إلى متونها وعدم إغفال ذلك عند الحكم عليها.
أما الفقهاء فلعل الحنفية قد بعدوا عن الصواب في عدم تخصيص القطعي بما أسموه ظنياً، وفي عدم الزيادة به أيضاً، وما انتهينا إليه من جواز ذلك ووقوعه عند الحنفية ـ أنفسهم ـ والجمهور هو الصحيح إن شاء الله، وقد كانت تلك المقارنات بين أحاديث ـ ضعيفة ـ زادوا بها على النص القطعي وبين أحاديث ـ صحيحة ـ لم يقبلوا الزيادة بها من أقوى أدلتنا في الرد على الحنفية ونقض ذلك الأصل الذي أصَّلوه.
أما المالكية فقد أوضحنا موقفهم من رد بعض الأحاديث وعدم تخصيصها لبعض العمومات القطعية، أو مخالفتها لعمل أهل المدينة أو إجماعهم، وأن الإجماع الصحيح هو ما أجمعت عليه الأمة كلها، وأن الحق هو فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن خالفه أهل الأرض كلهم.
أما الاحتجاج بعمل الصحابة في خلاف الحديث، فقد فصَّلنا القول في ذلك وانتهينا إلى أن الحجة على الناس هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله، ولا حجة في قول أحد غيره ولا عمله سواء كان من الصحابة أو الفقهاء أو غيرهم من الناس، ولم يتعبدنا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله فقط، وإذن فمخالفة الصحابي ـ أو كبار الصحابة ـ للحديث ـ سواء كان هو الذي رواه أو غيره ـ يجب حملها على عدم علمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لما علم الحديث ترك ذلك العمل وأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به بل وحدَّث به أيضاً.
أما مخالفة الحديث للقياس فلا شك أن الأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الواجب وترك القياس، وليس لنا إلا التسليم لذلك وإلا وقعنا في مخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي مخالفة الحديث للأصول العامة للشريعة المعلومة لدى الكافة ما يكفي لرده على راويه، واتهامه بالوهم والخطأ فيما يرويه، وذلك أولى الأمرين، لأن شريعة الله لا تتناقض ولا تختلف، وهنا يجب أن يُعْلَمَ أننا نقصد بأصول الشريعة تلك المبادئ العامة التي بنيت عليها الشريعة والتي لا يمكن أن تُنْسَخ أو تتغير، وتلك الأصول إذا جاء حديث يناقضها لم نقبله لأنه قطعاً ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من تخليط الرواة.
أما المقياس السابع والأخير فهو منظور فيه إلى طبيعة ورود الحديث والملابسات المحيطة به والمعنى الذي يؤديه، فإذا كان يحمل حكماً يحتاج إليه الناس جميعاً فالطبيعي أن ينقله جمع كثير، وإذا كان حكماً ليس كالأول فلا مانع أن ينقله العدد القليل، فإذا جاء حديث يحتاج إلى ما فيه الناس كلهم كان الطبيعي أن ينقله عدد كبير فإذا نقله الواحد كان دليلاً على زيافته، هذه دعوى أصحاب هذا المقياس، ومن ينظر إليه هكذا يحسبه حقاً، لكننا إذا علمنا أن الأحكام الشرعية التي تعبد الله بها الخلق ليس فيها ما يحتاج إليه بعض الناس وما يحتاج إليه كل الناس، بل هي جميعاً مما يُحْتَاج إليها ومما تعم بها البلوى، ولا يجوز إغفالها ولا التهاون فيها، كذلك نجد أكثر الأحكام قد وردت عن طريق خبر الآحاد، والرسول صلى الله عليه وسلم يبلِّغ الناس جميعاً رسالة ربه وهو واحد، ويبعث رسله وجباته وهم آحاد، ويأتيه الوفد من قومهم فيعلمهم دينهم ويأمرهم بتبليغ من وراءهم وهم آحاد أيضاً، وإذن فالأمر الطبيعي أن تصلنا أكثر سنّته عن طريق الآحاد، وكل ما جاءنا عنه بطريق صحيح ليس لنا مخالفته لأنه آحاد بل يجب علينا الالتزام به والوقوف عنده وعدم رده أو الحكم عليه بعدم الصحة لتلك الشبهة، هذا ما انتهينا إليه من نتائج هامة في هذا البحث.
وبعد/ فإنني أرجو أن أكون قد قدمت بهذا العمل إجابة شافية عن ذلك السؤال الذي طرحه بعض الأخوة وأنا أُفكر في موضوع لرسالة الدكتوراه، وهو: هل هناك مقاييس لنقد متون السنّة غير تلك الموجهة إلى الأسانيد؟، وعلم الله أنني بذلت قصارى جهدي في هذا البحث، وإن كنت قد أصبت فهذا هدفي وأملي وإن كنت قد أخطأت فالله أسأل أن يغفر لي وأن يهديني إلى الصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.