الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات
المؤلف/ المشرف:
إسماعيل لطفي فطاني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار السلام ̈الأولى
سنة الطبع:
1410هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة
الخاتمة
بعدما انتهيت – ولله الحمد – من أبحاث الرسالة، أحب أن أوجز ما فصلته في هذه الرسالة، وأن أسجل أبرز النتائج التي توصلت إليها في أثناء البحث كالتالي:
(1)
أن الإسلام منذ نشأته قد اتخذ العقيدة أساساً لبناء المجتمع وإقامة دولته على أساس العدل والرحمة والمساواة والحق ورفض بشدة وضع أي أساس آخر يقوم عليه كالجنس واللون واللغة. وبناء على ذلك كان الناس في نظره صنفين: مسلمون وغير مسلمين. وهذا الصنف الأخير لا يخلو من أحد اثنين: إما حربيون وإما معاهدون. والمعاهدون ينقسمون إلى أربعة أصناف:
الأول: الذميون وهم الذين آثروا الحياة في دار السلام على دينهم الأصلي بعقد الذمة. وقد رحنا أن الذمة يجوز عقدها لجميع أصناف غير المسلمين إذا ما رغبوا في ذلك صراحة أو دلالة. وأن أهل الذمة من أهل دار الإسلام.
الثاني: المستأمنون وهم الحربيون الذين دخلوا دار الإسلام بأمان مؤقت.
الثالث: الموادعون وهم الحربيون الذين لهم عهد سلام مع دار الإسلام مدة ليسوا هم فيها تحت حكم الإسلام.
الرابع: المحايدون وهم الذين لا ينحازون إلى أحد مع الطرفين المتحاربين، فتبقى علاقتهم السلمية مع الطرفين المتحاربين.
(2)
أن الدار داران: دار إسلام ودار حرب، ولا ثالث لهما. وأن دار الصلح هي نوع من أنواع دار الإسلام. وليست داراً ثالثة علاوة على الدارين. كما أن الموادعة هي أحد نوعي دار الحرب. إذ إن أساس تقسيم الدار وتسميتها هو السلطة ونظام الحكم. فإن كانت السلطة فيها للحاكم المسلم والحكم للإسلام فهي دار الإسلام، ولو كان سكانها غير مسلمين، والعكس هو دار الحرب. فمن المعلوم أن دار الصلح أو دار العهد تكون تحت سلطة الحاكم المسلم ويخضع أهلها لبعض الأحكام الإسلامية وأن دار الموادعة تكون تحت سلطة الكفر.
(3)
أن دار الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلاء الكفار عليها أو بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها، ما دام المسلمون فيها يصدون ويدافعون عن دينهم، ويطبقون شريعته، وأن الجهاد فيها فرض عين بالاتفاق، على ما سبق تفصيله.
(4)
أن أنواع الدارين ثلاثة:
الأول: دار الإسلام حقيقة وحكماً.
الثاني: دار الإسلام ودار الحرب حقيقة.
الثالث: دار الحرب حقيقة وحكماً.
(5)
أن المراد باختلاف الدارين هو اختلاف دار الإسلام عن دار الحرب أو اختلاف دار حرب عن دار حرب أخرى، وذلك باختلاف المنعة والحاكم وانقطاع العصمة والتناصر بينهما. أما الاختلاف بين دور الإسلام فهو اختلاف حقيقةً، لا حُكْمًا، لأن حكم الإسلام يجمعها. فأنواع اختلاف الدارين من حيث وصف الدار ثلاثة:
أ- الاختلاف بين دار الإسلام ودار الحرب.
ب- الاختلاف بين دور الحرب.
ج- الاختلاف بين دور الإسلام.
أما أنواع اختلاف الدارين من حيث الأشخاص فثلاثة أيضاً:
أ- الاختلاف حقيقة كالاختلاف بين الحربي والمستأمن.
ب- الاختلاف حكماً كالاختلاف بين الذمي والمستأمن.
ج- الاختلاف حقيقة وحكماً كالاختلاف بين الذمي والحربي والاختلاف المؤثر في بعض الأحكام الشرعية عند الحنفية هو الاختلاف حكماً سواء أكان معه الاختلاف حقيقة أم لا. أما الاختلاف حقيقة فقد يؤثر في بعض الأحكام عند بعض الشافعية. والصحيح أن اختلاف الدارين بكل أنواعه المذكورة لا يؤثر في الأحكام الشرعية من شيء وهو الذي عليه جمهور الفقهاء.
(6)
وفي بحث جواز تعدد دار الإسلام ترجح لدينا الرأي القائل بعدم جواز نصب إمامين للمسلمين بأي حال من الأحوال. فدار الإسلام واحدة. فإذا حصل العجز عن تطبيق ذلك فذلك أمر يعد من الضروريات التي تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها.
(7)
لا يجوز للمسلمين أن يقيموا في دار الحرب حقيقة وحكماً في حالة استطاعتهم الهجرة إلى دار الإسلام. أما حكم إقامتهم في دار الحرب حقيقة فيرجع ذلك إلى وضع البلاد وحالة المسلمين فيها. فقد تكون الهجرة منها واجبة وقد تكون مستحبة كما قد يكون المقام فيها واجباً. وقد تختلف حالة شخص عن آخر، فتجب الهجرة على الأول دون الآخر وهكذا.
(8)
أن اصطلاح الأحوال الشخصية والأحوال العينية هما اصطلاحان غربيان. فقد دخلا إلى الدول الإسلامية عن طريق دخول الاحتلال الغربي لها. وأن لهما مدلولاً خاصًا لا يتفق مع شريعتنا الإسلامية، ولذا فإني أود أن لو لم يستعملها المسلمون في كتاباتهم وقضاياهم، وعليهم أن يستخدما المصطلحات الإسلامية التي تواضع عليها فقهاؤنا القدامى مثل المناكحات والمعاملات.
(9)
وفي بحث زواج المسلم رجحنا رأي من قيد ذلك بظروف واعتبارات. فيكره للمسلم أن يتزوج كتابية سواء كان في دار الإسلام أو في دار الحرب، إلا في إحدى الحالتين:
أولهما: إذا خشي العنت على نفسه ولم يتيسر له زواج المسلمات.
الثانية: إذا غلب على ظنه أنه ستسلم بعد الزواج بها، وأنها ستخرج معه إلى دار الإسلام إذا كان الزواج في دار الحرب.
أما حكم زواج المسلم بمسلمة في دار الحرب فيجوز له ذلك. لا سيما إذا كانت المسلمة أسيرة. سواء كان المسلم مستأمنا أو أسيراً. ولكنه لا ينبغي له أن يطلب منها ولداً مادام لم يقدر أن يخرج بها إلى دار الإسلام، تحوطاً للمسلم من استرقاق ولده.
(10)
وفي دراسة مدى تأثير اختلاف الدارين بين الزوجين في فرقة الزواج والعدة رجحنا أن اختلاف الدارين ليس سبباً للفرقة بين الزوجين، سواء كان هذا اختلاف بسبب سبي أحدهما وأخرج إلى دار الإسلام، أو بسبب خروج أحدهما إلى دار الحرب مرتداً أو ناقضاً للعهد. وإنما الفرقة تحصل لأحد هذه الأسباب الثلاثة: إما لإسلام أحدهما وإما لارتداد أحدهما وإما للسبي.
(11)
وفي بحث النفقات لاحظت أنه لا أثر لاختلاف الدارين في حكمها، لا في نفقة الزوجة ولا في نفقة الأقارب. فتجب النفقة على المسلم أو الذمي لأقاربه المستأمنين وبالعكس. أما الحربيون المقاتلون فلا تجب نفقتهم على أهل دار الإسلام لوجوب قتالهم، لا لتباين الدارين.
(12)
وفي الوصية رجحت الرأي القائل بصحة وصية المسلم أو الكافر للكافر المعين، ولو كان حربياً. ولكن الوصية للحربي يجب أن يراعي الوصي الشروط التالية:
أ- أن لا يتصف الحربي الموصي له بالقتال.
ب- أن لا يكون الكفر أو الحرابة جهة في الوصية.
ج- أن تكون الوصية غير الوقف.
(13)
وفي الوقف يترجح عندنا القول بصحة الوقف للذمي والمستأمن دون الحربي، إذ إن الوقف من حقيقته الدوام ومن شروط التأبيد، فلا يتحقق المقصود من الوقف مع الحرابة.
(14)
وفي بحث جواز توريث المسلم من الكافر الذمي وجدت الجمهور الأعظم من الفقهاء يمنعون منه، وظفرت بقول معاذ بن جبل رضي الله عنه بالجواز. وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله.
كما وجدت أن اختلاف الدارين لا يؤثر في حكم الميراث، سواء كان في ميراث المسلمين أو في ميراث الكفار. فيرث المسلم المقيم في دار الإسلام أقاربه المسلمين المقيمين في دار الحرب وبالعكس. كما يرث الذميون أقاربهم الحربيين في دار الحرب إذا اتحدت مللهم وبالعكس. وكذلك يرث الحربيون أقاربهم الحربيين في دار أخرى.
(15)
وفي بحث الشهادات وجدت أنه لا أثر لاختلاف الدارين في حكمها، فكانت النتائج كالتالي:
أولاً: قبول شهادة المسلم على غير المسلم، سواء كان ذمياً أو حربياً.
ثانياً: قبول شهادة الكافر، ولو كان حربياً، على المسلم في حالة الضرورة.
ثالثاً: قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ولو اختلفت مللهم وديارهم.
رابعاً: قبول شهادة الذمي على المستأمن مطلقاً. أما شهادة المستأمن على الذمي فلا تقبل إلا لضرورة كشهادة الكافر على المسلم.
خامساً: قبول شهادة المستأمن على المستأمن ولو اختلفت بها الدار والدين.
(16)
لاحظت أن حكم المعاملات المالية بين رعايا دار الإسلام وبين رعايا دار الحرب لا يتأثر بسبب تباين الدار بينهما، مما يتبين أن المعاملات المحرمة في دار الإسلام تكون محرمة أيضاً مع أهل الحرب في دار الحرب. فلا يجوز لأهل دار الحرب أن يتعاملوا مع أهل الحرب معاملة الربا في دارهم ولو كان برضاهم. وهكذا بقية المحرمات.
(17)
كما لاحظت عدم تأثير تباين الدار بين المسلمين أو بين المسلم وبين أمواله في عصمة أموال المسلم. فأموال المسلم التي في دار الحرب تكون معصومة كما هي في دار الإسلام، سواء كانت منقولة أو غير منقولة. ولا فرق بين أن يكون إسلام صاحبها أصلياً أو جديداً، كما لا فرق بين إن أسلم جديدا في دار الإسلام أو أسلم في دار الحرب، سواء كان بعد إسلامه يبقى في دار الحرب أو يخرج إلى دار الإسلام. كل ذلك لا يؤثر في حكم الله بتحريم أموال المسلم. فلا يحق لأحد أن يملكها إلا بطريقة شرعية، ولا يملكها المسلمون باستيلائهم عليها في دار الحرب.
(18)
وفي بحث مدى تأثير اختلاف الدارين في العلاقات التجارية وضريبة العشور خرجت بمجموعة من النتائج كالتالي:-
أولاً: لا يجوز لدار الإسلام أن تستورد الأشياء المحرمة شرعا من دار الحرب، كما لا يجوز لها أن تبيعها أو تصدرها إلى دار الحرب. وكذلك لا يجوز أن تصدر آلة الحرب إلى دار الحرب، أو تبيعها لأهل الحرب أو لشخص علم أن يدسها إلى أهل الحرب. أما الأشياء المباحة والمنتجات المفيدة فلا بأس باستيرادها من الخارج أو تصديرها إليه.
ثانيا: يجوز لدار الإسلام أن تبيع ما لديها من الأسلحة الحربية لأهل الحرب مقابل أسلحة أحسن منها. وذلك بشروط أهمها:
أ- أن تكون دار الإسلام محتاجة إلى الأسلحة المستبدل بها.
ب- أن تكون الأسلحة المستبدل بها أجود أو أنفع من أسلحتنا.
ج- أن يكون ذلك صادراً عن الإمام أو الحكومة الإسلامية أو موافقة منها.
ثالثا: يحرم على المسلم أن يدخل دار الحرب لغرض التجارة أو نحوه إذا اقتضى ذلك الخضوع لأحكام الشرك. وإن لم يقتض ذلك فمكروه، إلا إذا نوى بجانب التجارة الدعوة إلى الله، شريطة ألا يسافر وحده.
اعتذار ورجاء
هذا، وقد انتهيت من ذكر خلاصة هذه الرسالة وما استطاعت أن تحققه من نتائج – ولله الحمد والشكر – وإنني لا أعد الجهد الذي بذلته والتعب الذي تحملته – مدة أربع سنوات قضيتها في إعداد هذه الرسالة – إلا شيئاً قليلاً في حق الشريعة الإسلامية. كما أنني لم أحقق جميع ما يجب أن أحققه في الارتقاء بهذه الرسالة إلى أعلى مستوى، وحسبي أنني حاولت أن أحقق ذلك وبذلت قصارى جهدي في فترة محدودة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. لذا فإنني أعتذر إلى القارئ الكريم عما قد يكون في الرسالة من نقص أو خطأ، راجياً ممن وقف عليه أن يسعى في إصلاحه بكل مسؤولية وإخلاص، أداءً لحق الأخوة في الإسلام، وادخارا لجزيل المثوبة في دار الإسلام، فإن الكمال لله وحده، والعصمة من شأن الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وقد روى البويطي رحمه الله عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال له: "إني صنفت هذه الكتب فلم آل فيها الصواب، فلابد أن يوجد فيها ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه السلام. قال الله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} فما وجدتم فيها مما يخالف كتاب الله وسنة رسوله فإني راجع عنه إلى كتاب الله وسنة رسوله
…
". وقال المزني رحمه الله: "فقال الشافعي: "هيه. أبى الله أن يكون كتابا صحيحًا غير كتابه".
وما أجمل تلك العبارة المأثورة عن العلامة العماد الأصفهاني رحمه الله في بعض ما كتب حيث قال: "إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلى قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (). {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.