الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف ندرس علم تخريج الحديث
المؤلف/ المشرف:
حمزة عبدالله المليباري - سلطان العكايلة
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار ابن حزم – بيروت ̈الثانية
سنة الطبع:
1430هـ
تصنيف رئيس:
علوم حديث
تصنيف فرعي:
أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل
الخاتمة:
لعل من المفيد في نهاية جولتنا العلمية عبر ثلاث مراحل من التخريج مصحوبة بالتمارين المتنوعة أن نلخص للقارئ الكريم المحور الأساس الذي دار حوله محتوى الكتاب كي تترسخ لديه فكرة منهجية حول التخريج العلمي وهدفه وأهميته في معرفة الحكم على الحديث صحةً أو ضعفاً، وحول ترتيب خطوات البحث في ذلك المجال.
ومن البديهي أن الطالب لن يبقي في ذهنه بعد دراسة المادة سوى الفكرة المنهجية حول أهم قضاياها الجوهرية، وأما ما يحفظه من معلومات ونظريات، فإنه يكاد ينساه، لكن ذلك غير ضار، إذ بإمكان الطالب أن يستدرك ذلك كله على الوجه الأكمل أثناء ممارسته البحث والتخريج.
إن التخريج مجرد وسيلة لمعرفة حالة الرواية من حيث التفرد أو المخالفة أو الموافقة، وهو بذلك يكون مرادفاً بـ (الاعتبار) المتمثل في سبر المرويات للنظر في المتابعات والشواهد، غير أن (الاعتبار) يقوم على استحضار المحدث الناقد أحاديثه المسموعة بروايته المباشرة، في حين يعتمد التخريج على البحث في كتب المحدثين لتحقيق الغرض نفسه دون أن يكون للباحث المهتم به نصيب في الرواية المباشرة.
وإذا كان التخريج وسيلة لتحقيق هذا الغرض فإنه يجب على الباحث أن يقوم بالمقارنة بين الروايات التي جمعها، بحثاً عن حالة الاتفاق أو التفرد أو الاختلاف في هذه الروايات حول القضايا الجوهرية، مثل: الإرسال والاتصال، أو الوقف والرفع، أو زيادة كلمة في المتن تفيد تخصيصاً أو تعميماً، وتقييداً أو إطلاقاً أو نحو ذلك، دون أن تستوقفه الأمور الشكلية التي لا يكاد يخلو منها حديث، مثل ترادف الكلمات، أو إيراد القصة بطولها أو مختصرة، أو طول الحديث وقصره، وغيرها من الأمور التي أوضحناها أثناء إجراء المقارنة الجماعية في المرحلة الثانية، ولا تكون تلك المقارنة منهجية إلا إذا أجريت بعد معرفة مدار الروايات.
وليكون الباحث دقيقاً في بحثه ومصيباً في استنتاجاته فعليه أن يستعين بنصوص النقاد للتأكد من صواب ما رصده أثناء المقارنة من التفرد أو المخالفة أو الاتفاق فيما يخص المسائل الجوهرية، وأن لا يستعجل في إصدار الحكم على الحديث بتفرد الراوي به أو مخالفته غيره، وذلك نظراً لعدم استيعاب الباحث في تخريجه كتب الحديث، وعدم تأهله للخوض في غمار النقد.
ومن هنا تأتي مرحلة جديدة يتأمل الباحث من خلالها في أسباب تفرد الراوي أو أسباب مخالفته، وهل ذلك ناتج عن توهمه أو كذبه، أو عن تفوقه في الحفظ والضبط والفهم؟ إذ أن التفرد والمخالفة يظهران في الحديث بسبب من هذه الأسباب الآنفة الذكر.
وأهم ما يساعد في البحث عن تلك الأسباب وتحديدها بدقة متناهية هي المعرفة الحديثية التي تكسب صاحبها ذوقاً حديثياً رفيعاً يستطيع الاطمئنان إليه فيما يرى بقناعة تامة، وإذا لم يتوفر له ذلك فعليه أن يسلك الطريقين التاليين أو أحدهما:
1 -
البحث عن نصوص النقاد حول ذلك.
2 -
الترجمة لذلك الراوي الذي انفرد بالحديث أو خالف فيه غيره، أو ترجمة سلسلة من الرواة الذين يدور عليهم الحديث. ويجب أن يكون ذلك بالشكل الذي أوضحناه سابقاً في المرحلة الثالثة.
وحين يستوفي الباحث جميع هذه الأمور وصل مرحلة تبييض المعلومات ليتسنى له تصنيف ما استنتجه تصنيفاً علمياً واضحاً وموثقاً بحيث يصبح القارئ مقتنعاً بما يقدم له من ملابسات الرواية لذلك الحديث الذي قام بتخريجه.
تلك هي خلاصة التخريج العلمي وفقهه الذي كنا نصبوا إليه، وأسس فكرته المنهجية، وطريقة ترتيب خطوات البحث في ذلك.
وإذا استطعنا أن نغرس هذه الفكرة المنهجية لدى الطالب بشكل جيد فإنه يكون قادراً على توظيف التسهيلات التي يقدمها الحاسب الآلي في مجالات البحث العلمي خير توظيف في تحقيق الهدف من التخريج، بدل أن تكون وظيفته مقصورة على إخراج ما قد أدخل في برامج الحاسب الآلي من الأحاديث.
لقد كان من أهم العوامل التي دعتنا بإلحاح إلى تأليف هذا الكتاب، وطرح مادة تخريج الحديث بأسلوبها الجديد موزعة على ثلاث مراحل، رغبتنا في معالجة ما آلت إليه الأبحاث في ميدان التخريج والتحقيق من الفوضى العلمية التي جرت أصحابها إلى اهتمامهم بالأمور الثانوية دون معالجة المسائل الأساسية، وقد سعينا لتحقيق هذه الرغبة من خلال بناء فكرة منهجية سليمة تعين الطالب والباحث على توظيف المعلومات التي يجمعها سواء كان عن طريق التخريج المباشر أم عن طريق برامج الحاسب الآلي في الأحاديث النبوية توظيفاً مناسباً فيما يقتضيه البحث ويتطلبه المقام.
إن تطورات العصر في مجال الأبحاث العلمية يجب أن تواكبها العلوم الشرعية التي تبقى محل بحث وجمع وغربلة ومقارنة واستنتاج، وذلك من خلال تطوير مناهج دراستها بالتركيز على القضايا المنهجية التي تحتاج إلى تأصيل فهمها، والتي تعين الطالب في بناء ثقافته وتكوين شخصيته على أسس علمية قوية، ومنهج مرن يمكنه من إفهام الناس ما قد فهمه واقتنع به على ضوء الأدلة والبراهين، دون إثارة ما من شأنه حجب القارئ عن الاستماع إليه بوعي وصفاء، علماً بأن المرحلة الزمنية التي نمر بها هي مرحلة تنقيب وتنقية لما جمعه سلفنا، وما يجب علينا هو أن نستمد من قواعد النقد عند المحدثين ما نستطيع معه القيام بالتنقية والتنقيب، وبذلك نكون قد أدينا الواجب العلمي وفق مقتضيات المرحلة. وأما أن ننشغل بجمع ما قد تم جمعه فذلك المضحك المبكي، والله المستعان.