الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميعه، فما لم يقم دليل على تغيرها فالشيء على إباحته الأصلية.
وإذا سئل المجتهد عن حكم حيوان أو جماد أو نبات أو أي طعام أو أي شراب ولم يجد دليلًا شرعيًّا على حكمه، حكم بإباحته، لأن الإباحة هي الأصل، ولم يقم دليل على تغيره.
المَبحَث السَابع المصَالح المرسَلة
الشريعة كلها مصالح، جاءت بجلب المصالح وتكميلها ورفع المفاسد وتقليلها، والعلماء حكموا بذلك بعد استقراء الشريعة إستقراءً يفيد العلم.
والمبحوث فيه هنا المصالح المرسلة أي المطلقة التي لم يشرع الشارع حكمًا لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل الاعتبار أو دليل الإلغاء، ومثالها المصلحة التي شرع لأجلها اتخاذ السجون، أو ضرب النقود، أو إبقاء الأرض الزراعية التي فتحها الصحابة في أيدي أهليها ووضع الخراج عليها.
وتوضيح هذا أن المصالح التي نيطت الأحكام بها ثلاثة أنواع:
الأول: أن يشهد الشرع باعتبار تلك المصلحة كالإسكار، فإنه وصف مناسب لتحريم الخمر لتضمنه مصلحة حفظ العقل، وقد نص الشرع على اعتبار هذه المصلحة فحرم لأجلها الخمر.
الثاني: أن يلغى الشرع تلك المصلحة ولا ينظر إليها كما لو ظاهر ملك من امرأته، فالمصلحة في تكفيره بالصوم لأنَّه هو الذي يردعه لخفة العتق ونحوه عليه، لكن الشرع ألغى هذه المصلحة، وأوجب الكفارة بالعتق من غير نظر إلى وصف
المكفِّر بكونه فقيرًا أو ملكًا، وهذا الوصف يسمى الغريب عند جماعة من أهل الأصول.
الثالث: أن لا يشهد الشرع لاعتبار تلك المصلحة بدليل خاص، ولا لإلغائها بدليل خاص، وهذا ما يسمى بالمصلحة المرسلة، وسميت مصلحة لاشتمالها على المصلحة، وسميت مرسلة لعدم التنصيص على اعتبارها ولا على إلغائها.
والإمام مالك يراعي المصلحة المرسلة في الحاجيات والضروريات كما قرره علماء مذهبه، ودليل مالك على مراعاتها إجماع الصحابة عليها كتولية أبي بكر لعمر، واتخاذ عمر سجنا، وكتبه أسماء الجند في ديوان، وعثمان جمع الناس على مصحف واحد ونشره وحرق ما عداه، وعليٌّ حرق الغلاة الذين ألهوه، والحنفية حجروا على المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس، والمالكية أباحوا حبس المتهم وتعزيره توصلًا إلى إقراره، والشافعية أوجبوا القصاص من الجماعة إذا قتلوا الواحد، فأهل المذاهب كلهم يعملون بالمصالح المرسلة وإن قرروا في أصولهم أنها غير حجّة كما أوضحه القرافي في التنقيح (1).
والذين منعوا من الاحتجاج بالمصالح المرسلة قالوا: إن هذا الباب مضلّة للأفهام ومزلة للعقول، لأن العقول قد تعدّ ما ليس مصلحة مصلحة، وقد تعدُّ المصلحة غير مصلحة، فاليهود حرموا بسبب هذا طيبات أحلت لهم حتى قيل إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعًا، والواجب عليهم مئتان وثمانية وأربعون أمرًا.
(1) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر: ص 168.