الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عالم فلكي تذهله حقائق الكون وحقائق القرآن
ينقل العلامة الباكستاني وحيد الدين خان عن مجلة باكستانية تعرضت لسيرة العلامة الكبير عناية الله المشرقي، وقد بلغ من علمه أن طلب منه أن يترجم أحد مؤلفاته العلمية إلى اللغة الإنجليزية ليمنح عليها جائزة نوبل، فرفض أن يتقدم للحصول على هذه الجائزة العالمية من جهة لا تعترف بلغته "الأردية"، يحدث العلامة عناية الله المشرقي أنّه كان في يوم من أيام الأحد في عام 1909 خارجًا من منزله في لندن، فرأى الفلكي المشهور: السيرجمس جينز، وكان في ذلك الوقت أستاذًا في جامعة كمبرج، رآه وهو منطلق إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فاستوقف عناية الله ذلك العالم الفلكي وحياه أول مرة، فلم يرد عليه، ثمَّ حياه مرة أخرى، فوقف وقال له: ماذا تريد؟ فقال له: أمران: الأول إن شمسيتك تحت إبطك على الرغم من شدَّة المطر، فابتسم السيرجيمس، وفتح شمسيته على الفور، وقد حدد عناية الله المطلب الثاني بسؤال وجهه إليه قائلًا: ما الذي يدفع رجلًا ذائع الصيت في العالم مثلك لأن يتوجه إلى الكنيسة؟ وأمام هذا السؤال توقف السيرجيمس لحظة، ثم دعا عناية الله إلى تناول الشاي في المساء عنده في منزله.
وفي الوقت المحدد وصل عناية الله إلى منزل العالم الفلكي ليجده في انتظاره، وأمامه منضدة صغيرة موضوع عليها أدوات الشاي، وكان ذلك البروفيسور منهمكا في أفكاره، وعندما شعر بوجود عناية الله قال له:
ماذا كان سؤالك؟ ولم ينتظر جوابًا من عناية الله، بل أخذ يلقي على مسامعه محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، يقول
عناية الله: لقد شعرت أن قلبي يهتز هيبة لله وإجلالًا له، ثمَّ نظرت إلى السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خوف الله، ثمَّ توقف فجأة، ووجه كلامه إليَّ قائلًا:"يا عناية الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: إنك لعظيم! أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحسُّ بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله لماذا أذهب إلى الكنيسة؟ "
لقد أدرك هذا العالم أن لهذا الكون خالقًا، ولكنه لم يجد سبيلًا إلى عبادته والتوجه إليه إلا بالدين النصراني المحرف المغير في عقائده وتشريعاته.
يقول العلامة عناية الله المشرقي: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانًا في عقلي، وقلت للعالم الفلكي: لقد تأثرت كثيرًا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المناسبة آية من آيات كتابي المقدس، فلو سمحتم لي بقراءَتها عليكم، فهز العالم الفلكي البريطاني رأسه قائلًا: بكل سرور، فقرأ عليه قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27، 28].
وهذه الآية دعوة للناس للنظر إلى الماء النازل من السماء، وآثار هذه الرحمة التي أنزلها الله تعالى، حيث يخرج الحق سبحانه بتلك الرحمة ثمرات مختلفًا ألوانها، وألوان الثمار معرض بديع للألوان يعجز عن إبداع جانب منه جميع الرسامين في
جميع الأجيال، فما من نوع من الثمار يماثل لونه لون نوع آخر، بل ما من ثمرة واحدة يماثل لونها لون أخواتها من النوع الواحد، فعند التدقيق في أي ثمرتين أختين يبدو شيء من اختلاف اللون.
ثم يلفت القرآن أنظار العباد إلى ألوان الجبال، ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها، بل إن فيها أحيانا ما يكون على شكل بعض الثمار وحجمها كذلك، حتى ما تكاد تفرق من الثمار صغيرها وكبيرها.
والجدد الطرائق والشعاب، وهذه الطرائق والشعاب منها البيض ومنها الحمر، والبيض مختلف ألوانها فيما بينها، والجدد الحمر مختلف ألوانها فيما بينها، مختلف في درجة اللون والتظليل، والألوان الأخرى متداخلة فيه، وهناك جدد غرابيب سود، حالكة شديدة السواد.
ثم يلفت القرآن أنظار العباد إلى ألوان الناس، وهي لا تقف عند الألوان المتميزة العامة لأجناس البشر، فكل فرد بعد ذلك متميز اللون بين بني جنسه، بل متميز من توأمه الذي يشاركه حملًا واحدًا في بطن واحدة. (1)
ويوجه أنظارنا إلى ألوان الدواب والأنعام أيضًا، وألوانها مختلفة كذلك، ثمَّ يربط بين الذين ينظرون في هذا الخلق ويعتبرون وبين الذين يخشون الله، فيقول:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
العلماء الذين يعلمون أنه هذا الصنع الغريب العجيب هو صنع إله حكيم، فيستدلون بالصنعة على الصانع، وبالخلق على الخالق، وبما يجدونه في الصنعة والصنع على الحكمة والعلم والقدرة، فعند ذلك تلقى المهابة في قلوبهم، ويعظم قدر الله في نفوسهم، فيتوجهون إليه وحده، راغبين راهبين، ولكنَّ الذين
(1) راجع تفسير في ظلال القرآن 5/ 2942.