الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ملاحظات مهمة في المسائل الإعتقادية
العالم بقضايا الاعتقاد ومسائله المتعمق في ذلك يجد أن هناك عدة أمور ضابطة في هذه المسائل:
الأول: كونها غيبية، وليست أمورًا محسوسة، فالله غيب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر، والقدر، أمّا الرسل والكتب فالايمان بها إنما يكون بالتصديق بنسبتها إلى الله، أي كونه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وهذا غيب، وهناك قضايا هامّة ألحقت بمسائل الاعتقاد، وبحثت في كتب العقيدة لأهميها.
الثاني: مصدر هذا الغيب هو الوحي السماوى الصادق، {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} [البقرة: 1 - 3].
والإيمان بالغيب يقابل عدم التصديق إلا بالمحسوس؛ هي نظرية الشيوعيين.
الثالث: مسائل العقائد يقين، ولا تصح العقيدة مع الشك، فالشك ينافي الاعتقاد {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15].
وهذا بخلاف حال الذين ذمهم الله لريبهم وشكهم {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45].
الرابع: العقيدة في الإسلام وحدة متشابكة مترابطة، إذا هدم أصل من أصولها خرج صاحبها من دائرة الإسلام، فالذي يكفر باليوم الآخر، أو الجنة أو النار، أو كذب الرسل أو واحدًا من الرسل، أو كذب بالملائكة، أو واحدًا منهم ممن
أخبر الله به فهو كافر، قال تعالى في الذين يكفرون ببعض أصول الاعتقاد:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَينَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150 - 151].
وذمَّ أهل الكتاب لكفرهم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَينَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91].
ومن هنا يظهر لنا خطأ إطلاق اسم الإيمان على الذين يؤمنون بوجود الله من الكفار، ولو لم يعبدوه ويوحدوه، ولو لم يؤمنوا بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، فالإيمان بوجود الله وحده لا يكفي.
الخامس: الاعتقاد الجازم لا يكفي وحده، فقد جَزَمَ فرعون بأنّ الآيات التي جاء با موسى هي من عند الله {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
وإبليس جازم بصدق الرسل والكتب، بل لا بدَّ مع الاعتقاد الجازم من الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولًا، ولا بدَّ من الإعلان عن ذلك باللسان، وتصديق ذلك بالعمل، أي الإذعان والانقياد لله تبارك وتعالى، فما آمن من اعتقد ورفض الخضوع والطاعة لله كما هو حال الشيطان والمستكبرين.
السادس: سبق أن تحدثنا عن مفهوم الإيمان عند السلف الصالح، وأن الإيمان اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وعلى ذلك فمفهوم الإيمان أوسع من مفهوم العقيدة، العقيدة في المصطلح الإسلامي جزء من الإيمان، وهي
تعتبر قاعدة الإيمان وأساسه الذي يقوم عليها بناؤه، والعقيدة للإيمان كالجذور بالنسبة للشجرة، وإذا زالت العقيدة زال الإيمان، ولا يكافي في الإيمان وجود العقيدة من غير نطق وعمل، فلا يمكن أن تكون العقيدة صادقة، ثمَّ لا يقر بها صاحبها بلسانه، ولا يقوم بالأعمال التي تعتبر امتدادًا للعقيدة، إن العقيدة التي لا تغير سلوك صاحبها عقيدة ضعيفة مهزوزة.
السابع: كل من أنكر شيئًا من أصول الاعتقاد أو فروعه المعلومة من الدين بالضرورة فإنه كافر لا شك في كفره، أمّا الذي يترك عملًا من الأعمال الشرعية الواجبة، أو يفعل شيئًا مما حرمه الله - فإنه يكون عاصيًا، والذين يُكَفِّرون بالذنوب والمعاصي هم الخوارج، أمّا منهج السلف الصالح فإن ترك الواجبات وفعل المحرمات يعد ذنبًا ومعصية تشوه الإيمان وتنقصه، ولكنا لا تزيله وتذهبه.