الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافات الجاهلية
المبحث الأول نظرة في ثقافة الغرب
الحياة مجال صراع بين بني البشر، وكثير من البشر يجهل حقيقة هذا الصراع، فيقضي نحبه في صراع يدمره ويهلكه، وقد وجه الإسلام أبناءه إلى مصارعة الباطل، وأمرهم بمناصرة الخير.
والإسلام أمر بمصارعة الباطل في حنايا النفس الإنسانية، وفي داخل المجتمع المسلم، كما أمر بمصارعة الباطل في معاقله، وهي تلك المجتمعات التي تقيم حياتها بعيدًا عن هدي السماء.
ولقد أهدى الإسلام البشرية الحياة والنور والضياء والحق، وأنقذهم من الجهل والشرك والضلال، ولكن البشر يأبون إلا أن يحاربوا الخير والهدى، ويصرون على الحياة في الظلام.
لقد كان الإسلام دينًا زاحفا يهاجم الجاهلية في معاقلها، وكانت ثقافته ثقافة زاحفة أيضًا، وقد كان تأثير الإسلام وثقافته في العالم كله تأثيرا كبيرا، وكان همّ كثير من الأمم كاليهودية والنصرانية والمجوسية حماية مجتمعاتهم من هذا الدين الآسر الزاحف، ثم حاولوا مهاجة الإسلام، وقذف النصارى بمئات الألوف من أبنائهم في هجمة شرسة على معاقل الإسلام، ولكن المسلمين أطاحوا بهم وردوهم على أعقابهم بعد جهاد مرير، وتلك الحروب هي التي عرفت "بالحروب الصليبية" في التاريخ.
وعاد الصليبيون إلى ديارهم وقد فتح الشرق أعينهم على كثير من الحقائق العلمية، وغيَّر كثيرًا في تفكيرهم، ولم تزل علوم المسلمين تعمل عملها فيهم، حتى ثاروا على الأغلال والآصار التي قيدتهم الكنيسة بها، فرجال الدين النصراني كانوا يمارسون هيمنة على المجتمعات النصرانية باسم الدين، وكانوا يحاكمون ويقتلون ويسجنون، ولكنهم لم يكونوا بقادرين على تقديم الأنموذج الممتاز للأمّة النصرانية، فالمبادئ التي يعتقدونها تعتبر الرجل الفاضل هو الذي يهرب من الحياة وينقطع للعبادة، ولا يعافس زوجة ولا ولدًا، ولكن الفطرة تغلبهم على هذا الانحراف الفكري، فيرتد إلى انحراف عملي، فتصبح كثير من الأديرة مباءة للفسق والفجور، ويتحول كثير من رجال الدين إلى كانزي مال، يكدسون منه في دورهم ما يعييهم حمله وحفظه، ويشرعون من الطرق لاكتسابه ما يمجه الدين والعقل، وما بيعهم لصكوك الغفران وتعاملهم بالربا ببعيد عن أذهاننا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وقام العلماء المتنورون بمحاربة الكنيسة ومخالفتها خاصة في الآراء العلمية التي تبنتها الكنيسة، وعدتها من الدين، وما هي من الدين.
وأقام رجال الكنيسة محام التفتيش، ودفعوا بالألوف إلى المشانق والمقاصل، ودفنوا الأحياء، وأخيرًا انهار الجدار الصلب تحت ضربات رجال النهضة العلمية، فاندحر رجال الدين إلى أديرتهم وكنائسهم، وقصرت مهمة الدين على التعبد، أمّا الحياة فقد أصر المتنورون على إخراجها من سلطان الكنيسة، وأصرَّ البشر على حكم أنفسهم بأنفسهم.