الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاقتصاد في الإسلام
تمهيد: هل في الإسلام نظام اقتصادي:
يتساءل بعض أبناء الإسلام اليوم قائلين: هل في الإسلام نظام اقتصادي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل هو نظام كامل واف؟ وهل يناسب هذا النظام الحياة المعاصرة مع أنه أنزل منذ أربعة عشر قرنا؟
والسبب في هذه التساؤلات التي تكشف عن حيرة نفسية مضنية عائد إلى جهل كثير من المسلمين بدينهم، وإلى تأثير الثقافة الغربية التي غزت عقول أبناء المسلمين، كما غزت مناهج التعليم ونظم الحكم في ديارنا، وكانت نتيجة هذا الغزو ثمارا مرة، وقد كانت هذه التساؤلات واحدة من تلك الثمار.
وإذا رجعت الي كتب الاقتصاد الإسلامي التي ألفت منذ أكثر من ألف عام وجدت فيها نظامًا اقتصاديًا فذًا، فقد بين علماؤنا المسلمون موارد بيت المال ومصارفه، فتحدثوا عن الخراج وجبايته، كما تحدثوا عن نظام المقاسة ونظام الالتزام والإقطاع، وفصلوا أمر الجزية وهي الضريبة التي كانت توضع على أهل الذمة مقابل الزكاة المفروضة، وبينوا الزكاة وأحكامها، فقد ذكروا الأموال التي تكون فيها الزكاة، والمصارف التي تصرف إليها، وفصلوا أمر الفيء: مصادره وموارده، كما تحدثوا عن الغنيمة، والعشور، والركاز.
وبينوا الطرق والأنظمة التي كانت إطارًا يحكم العمل في تسيير هذه الأمور.
وإذا أنت رجعت إلى كتب الفقه الإسلامي وجدت الأبواب التي تبحث مسائل المال وتنظم أموره كثيرة جدًّا، تغطي مساحة هائلة في تلك الكتب، ومن هذه المباحث: البيوع، الإجارة، الشركات، الحوالة، الشفعة، الوكالة، العارية، الوديعة، الهبة، الوصية، العطية، الميراث، الحجر، الاحتكار، الزكاة، الخمس، الخراج، الميراث
…
وغيرها، وهذه المباحث مرتكزة على النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه النصوص المنظمة لشؤون المال كثيرة جدًّا، وقد درس علماؤنا الواقع الاقتصادي في ضوء الكتاب والسنة، واستخرجوا القوانين والسنن التي تحكم هذا الواقع الاقتصادي وتسوده، وتجري بموجبها حادثاته، وهذا هو الذي يسميه علماء العصر: علم الاقتصاد.
وكون الإسلام يعني بعلم الاقتصاد أمر طبيعي لا مناص منه، لأن الإسلام منهج حياة الإنسان، وهو منهج متكامل فذ منزل من العلم الخبير، وأمور الاقتصاد من الأمور الهامة في حياة الإنسان، فما كان للإسلام وهو المنزل من عند العليم الخبير أن يهمل تنظيم هذا الجانب في حياة البشر.
وأمور المال تؤثر في حياة الفرد والمجتمع، والمال واحد من أهم العناصر لقيام التمدن الإنساني، فإذا قل المال أو اختل تنظيمه ودورانه في المجتمع - وقع تعثر في مسيرة ذلك المجتمع، وتوقف ارتقاؤه الحضاري، ووقعت فيه المشكلات التي تشغل بال حاكميه ومحكوميه ومفكريه، وفي كثير من الأحيان تصبح هذه المشكلات مزمنة تستعصي على العلاج كما هو الحال في المجتمعات المعاصرة، وقد عبر الإسلام عن أهمية أمر المال في المجتمع بتعبير فذ، قال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5].
فأمر بالحجر على السفيه، لأن تصرفه في أمر المال على غير استواء ضار بالأمة كلها، وعلل هذا الحجر بأن الله جعل المال قيامًا لأمر الأمّة.
وقد يقول قائل: ولماذا ينظم الله بنفسه شؤون المال، ولم لا يترك هذه الأمور الدنيوية للبشر أنفسهم، وفي الجواب نقول: هل يستطيع البشر أن يقيموا أمورهم المالية والاقتصادية على العدل والحق، بعيدًا عن الباطل والظلم؟
على الذين يقولون: إن الإنسان قادر على أن يحقق هذا بنفسه، مستغنيًا عن تدبير الخالق أن ينظر نظرة في تاريخ الاقتصاد ليتبين المآسي والمظالم التي أحدثتها النظم الاقتصادية التي سادت في عالم البشر، فالنظام الإقطاعي كان يعبد البشر لملّاك الأرض، وكانت الأرض تباع، فيباع البشر الذين يعملون فيها كما تباع الحيوانات، ولا يملكون من أمرهم شيئًا.
وتحطم نظام الإقطاع، وقام السادة الجدد الذين دعوا إلى النظام الحرِّ مقام السادة الإقطاعيين من قبل، فقد جعلوا من حق الفرد أن يملك ما يشاء ويتصرف في ماله كما يشاء، ولو أدى هذا إلى الإضرار بملايين البشر، وجاءت الشيوعية لتعصف بالنظام الاقتصادي الحر، وتقيم سلطة جديدة تملك كل شيء وتجعل البشر عندها عبيدًا للدولة، يعملون ولكنهم لا يملكون، وليسوا أحرارًا فيما يعملون، الدولة تتصرف في كل شيء، وتقنن كل شيء وقد عالج الفاشيون والنازيون ظلم الشيوعية بظلم جديد، أقام من سلطان الدولة طاغوتا لا يقل عن طاغوت الدولة الشيوعية، فهل تخلص البشر من طغيان البشر، وهل صلحت أحوالهم الدنيوية، إن البشر يفقدون في كل نظام من النظم البشرية حريتهم بنسب متفاوتة، وإن ادعى أرباب كل مذهب والقائمون عليه أنهم حرروا البشر مما يظنونه ظلمًا، إذ هم يرفعون ظلمًا يرونه، ويقررون ظلمًا من نوع آخر {اللَّهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [سورة البقرة: 257].