الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس على تعبيد الناس لها، لما يحصلون عليه من مركز اجتماعي عظيم، ومال وفير، من الهدايا والقرابين.
وقد كان الملوك حريصين على تكريم الكهنة والسحرة الذين يعبدون الناس للحكام، وادعى أقوام القداسة والعصمة، وأنهم أبناء الآلهة، وأن الدماء الزرقاء تجري في عروقهم، ونادى فرعون في قومه قائلًا {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].
{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي} [القصص: 38].
ولقد كان الفلاسفة والحكام ينسبون إلى الآلهة الفسق والفجور ومرادهم بذلك تبرير فسقهم وفجورهم.
6 -
العقيدة التي جاء بها الرسل ضرورية للبشر ضرورة الما والهواء، لأنها تحرر العقل من الخرافة، وتفسر للإنسان لغز الحياة، وتدله على مصدر وجوده ومصدر وجود الكون، كما تعرِّفه بالعلاقة التي بينه وبين الله، وبينه وبين الكون، وتحدثه عن العوالم الأخرى التي هي من عالم الغيب، وتبصره بمصيره بعد الحياة، والإنسان إذا لم يجد الإجابة الشافية عن هذه القضايا فإنه يبقى متعبًا قلقا حائرًا، والذي ينظر في حال الفلاسفة والمفكرين الذين لم يهتدوا بهدى الله سيشعر بمدى التعب النفسي، والإرهاق الفكري الذي عانى منه هؤلاء الرجال.
المبحث الثاني المناهج في إثبات العقائد
هناك منهجان لمعرفة قضايا الاعتقاد:
الأول: منهج الرسل، وهذا المنهج يقف العقل الإنساني فيه عند حدّ التصديق بالله، ثمّ بعد ذلك يتلقى عن الله عقيدته في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
والقدر، والعقل الإنساني هنا يتدبر وحي الله ويفقهه، ولا يخوض في هذه القضايا بعيدًا عما أوحى الله إليه، وعلى المسلم في هذه الحال أن يتأكد من صدق نسبة النصوص إلى الرسول التي أُوحى إليه بها، فإن كانت صادقة فعليه أن يترك رأيه وهواه، ويحكِّم ما أوحاه الله، وهذا المنهج يمكن أن نطلق عليه المنهج "الإيماني القرآني النبوي"، وعمدة هذا المنهج الأخذ بنصوص الكتاب، وصحيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في مسائل الاعتقاد.
الثاني: منهج الفلاسفة الذين رفضوا الاحتكام إلى الشرع، وأصروا على أن يضربوا في بيداء شاسعة من غير دليل، فضلوا وأضلوا، لقد غفل هؤلاء عن أن العقل لا يستطع أن يخوض في هذه الميادين بنفسه، لأنها فضايا غيبية، لا تدخل في نطاق قدرات العقول البشرية، ولذلك فإن الفلاسفة كانوا أعدى أعداء الرسل.
وقد تأثر كثير من المنتسبين إلى الإسلام بهؤلاء الفلاسفة، فاحتكموا إلى الموازين والمقاييس العقلية التي أخذوها من أولئك الفلاسفة، وعارضوا بها الشرع، وحكموها في الشرع، وردوا بها كثيرًا من الأحكام الشرعية بحجة أن الأدلة العقلية يقينية، والأدلة الشرعية كثير منها ظني الثبوت ظني الدلالة، أو ظني الثبوت وإن كان قطعي الدلالة، أو ظني الدلالة وإن كان قطعي الثبوت، فرد هؤلاء أحاديث الآحاد في العقيدة، ومنهم من ردها في العقيدة والأحكام، ومنهم من لم يأخذ بنصوص الكتاب لكونها ظنية الدلالة ويمكننا أن نسمي هذا المنهج "المنهج الفلسفي الكلامي".
وهذا الفريق من الناس أكثر الناس اختلافا وتناقضا، وقد حذر العلماء الجهابذة من مغبة السير في هذا الطريق، وبعض سالكيه تراجع عنه جزئيًّا أو كليًّا بعد أن عرفوا ما فيه من اعوجاج.
والطريق الأول طريق الرسل قصير مأمون العواقب، أما هذا فإن سالكيه لا يصلون إليه إلا بعد أن يقتحموا لجة البحر الخضم، فنهم من أوجب الشك أولًا، ومنهم من أوجب النظر أو القصد إلى النظر، ومنهم من ألزم بالبحث في النفوس والعقول، ومنهم الذي نادى بتعلم الرياضيات والطبيعيات، وفهم من قال نبدأ بالمنطق ثم الطبيعيات والرياضيات، وهي علوم لا يتقنها إلا الخاصة، فكيف يتيسر لعوام الناس تعلمها، ثمَّ إذا تعلمها المتعلمون وجدوا مباحث علماء الكلام والفلاسفة بعد ذلك لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، أليس الأولى بهؤلاء معرفة الله عن طريق الله وطريق رسوله! !
إن الوحي عندنا أساس العلم، والعلم السماوي نور العقل، والعلم السماوى يعرفنا بربنا وأنفسنا والكون من حولنا، ولسنا بحاجة إلى مقاييس الفلاسفة، وموازين المتكلمين، قيل لابن عباس: كيف عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي وصدق والله.
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
وإذا كان العقل يستضيء بنور الوحي، فإن الوحي السماوي قد حوى الأدلة العقلية الباهرة، وألزم العقل بالنظر في ملكوت السموات والأرض، والتفكير في ذلك في قدرة العقل ومكنته، وهذا التفكر يؤكد الإيمان ويقويه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 190 - 191].