المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول أهم معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة - نحو ثقافة إسلامية أصيلة

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول مفهوم الثقافة

- ‌المبحث الأول: تعريف الثقافة عند إطلاقها وعند إضافتها

- ‌ تعريف الثقافة عند إطلاقها

- ‌تعريف الثقافة عند إضافتها للأمّة:

- ‌الثقافة الصالحة والثقافات الجاهلية:

- ‌المبحث الثاني الفرق بين العلم والثقافة وأثر هذا الفرق

- ‌المبحث الثالث الفرق بين الثقافة والحضارة

- ‌المبحث الرابع موضوع الثقافة الإسلامية

- ‌الفصل الثاني أصول الثقافة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث الثقافة الإسلامية بين الأصالة والانحراف

- ‌المبحث الأول أهم معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة

- ‌المبحث الثاني انحراف مسار الثقافة الإسلامية

- ‌آثار هذه الانحرافات

- ‌الفصل الرابع خصائص الثقافة الإسلامية

- ‌الفصل الخامس الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافات الجاهلية

- ‌المبحث الأول نظرة في ثقافة الغرب

- ‌المبحث الثاني مدى عداء الغرب للإسلام

- ‌المبحث الثالث الغزو الفكري والثقافي الغربي: أهدافه ووسائله

- ‌وسائل الغزو الفكري والثقافي

- ‌المبحث الرابع في مواجهة الثقافة الغربية

- ‌المؤلفات في الغزو الفكري والثقافي

- ‌المبحث الخامس التحصين الثقافي

- ‌المبحث السادس إلى أي مدى غير الإسلام ثقافات الأمم

- ‌الفصل السادس المؤلفات في الثقافة الإسلامية

- ‌الفصل السابع عناوين الدين الإسلامي ومراتبه

- ‌أولًا: عناوين الدين: الإسلام، الإيمان، الملة، الشريعة:

- ‌ثانيا: مراتب الدين: الإسلام، الإيمان، الإحسان:

- ‌الباب الأول العقيدة الإسلامية

- ‌الفصل الأول مدخل إلى دراسة العقيدة

- ‌المبحث الأول أهمية العقيدة

- ‌المبحث الثاني المناهج في إثبات العقائد

- ‌المبحث الثالث ملاحظات مهمة في المسائل الإعتقادية

- ‌الفصل الثاني العقيدة في الله

- ‌تمهيد: موضوعات العقائد:

- ‌المبحث الأول توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌مذاهب الفرق في الأسماء والصفات

- ‌مذهب السلف الصالح

- ‌الإمام مالك يوضح المنهج السلفي

- ‌المبحث الرابع الأدلة عَلى وجود الحق تبارك وتعالى

- ‌عالم فلكي تذهله حقائق الكون وحقائق القرآن

- ‌المَبحث الخامس شبهات حول إثبات وجود الله تبارك وتعالى

- ‌الفصل الثالث الملائكة والجن

- ‌الفصل الرابع الكتب السّماوية

- ‌الفصل الخامس الأنبياء والرسل

- ‌المَبحَث الأول منزلة الأنبياء والرسل

- ‌المبَحَث الثاني وظائف الرسل

- ‌المبحث الثالث أدلَّة صدق الرسُول

- ‌إعجاز القرآن:

- ‌القرآن نمط جديد من الإعجاز:

- ‌جوانب الإعجاز القرآني:

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن

- ‌قسيس نصراني يستخدم النصوص العلمية في التوراة لدعوة الشيوعيين إلى النصرانية:

- ‌نماذج من الإعجاز العلمي في كتاب الله

- ‌الفصل السادس اليَوم الآخِر

- ‌الأدلة على البعث والمعاد:

- ‌الفَصل السَابع القضَاء وَالقدَر

- ‌الأصول التي يقوم عليها الإيمان بالقضاء والقدر:

- ‌الفَصل الثامن أثر الإيمَان في الفَرد وَالمُجتمع

- ‌الفصل التَاسع المؤلفات في العقيدَة

- ‌البَاب الثَّاني الآداب الشرعيَّة وَمكارم الأخلاق

- ‌الفَصل الأول الآداب الشرعية

- ‌المَبحَث الأول برُّ الوالدين

- ‌المبحَث الثاني صلة الأرحَام

- ‌المَبحث الثالث الإحسَان إلى الجَار

- ‌المَبحث الرابع الإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السَبِيل

- ‌المبحث الخامس النهي عن السخرية والظن والتجسس والغيبة

- ‌المبحَث السادس جملة من الآداب الشرعية

- ‌الفصل الثاني مكارم الأخلاق

- ‌تمهيد: تعريف الخلق لغة واصطلاحا:

- ‌المبحث الأول دعوة الشريعة الإسلامية إلى مكارم الأخلاق

- ‌المبحث الثاني المجاهدة في إصلاح الأخلاق وتقويمها

- ‌المَبحث الثالث أصول الأخلاق الكريمة

- ‌المبحث الرابع نماذج من الأخلاق المأمور بها أو المنهي عنها

- ‌الفصل الثالث المؤلفات في الأخلاق

- ‌البَاب الثالث الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي

- ‌الفصل الأول تعريف الفقه

- ‌أقسام موضوعات الفقه الإسلامي

- ‌الفرق بين الشريعة والفقه

- ‌مسار الفقه عبر القرون

- ‌الفصل الثاني الأسس التي بنيت عليها الشريعة الإسلامية

- ‌أولًا: اليسر ورفع الحرج:

- ‌ثانيا: العدل

- ‌ثالثا: حفظ مصالح العباد

- ‌رابعا: التدرج في التشريع حين تنزل التشريع:

- ‌الفصل الثالث المؤلفات في الفقه

- ‌الفصل الرابع مصادر الأحكام الشرعية

- ‌تمهيد: في التعريف بعلم أصول الفقه:

- ‌المبحث الأول القرآن الكريم

- ‌أولًا: القرآن كلام الله:

- ‌ثانيا: نزول القرآن:

- ‌القرآن عربي اللفظ:

- ‌ثالثا: تواتر القرآن:

- ‌الحديث القدسي والقرآن

- ‌المبحَث الثاني السنة النبوية

- ‌منزلة السنة من القرآن

- ‌حجية السنة

- ‌أقسام السنة من حيث الإسناد

- ‌المَبحث الثالث الإجماع

- ‌الإجماع عند الأصوليين:

- ‌المبحث الرابع القياس

- ‌مواقف الفقهاء من القياس

- ‌المَبحث الخامس الاستحسان

- ‌المبحث السادس الاستصحاب

- ‌المَبحَث السَابع المصَالح المرسَلة

- ‌المَبحَث الثامن العُرف

- ‌المَبحث التَاسع شرع مَن قبلنَا

- ‌المَبحَث العَاشر مَذهَب الصحابي

- ‌المبحَث الحَادي عَشَر نصوص الكتاب والسنة هي الأقوى

- ‌طريقة السلف في تناول الأحكام

- ‌المبحَث الثَّاني عَشَر المؤلفات في أصول الفِقه

- ‌البَابُ الرابع الأسرة في الإسلام

- ‌مقَدّمَة اهتمام الإسلام بالأسرَة

- ‌حكمة الزواج:

- ‌ترغيب الإسلام في الزواج:

- ‌الفَصل الأول منهج الإسلام في تكوين الأسرَة

- ‌حقوق كلا من الزوجين على الآخر

- ‌الفَصل الثاني تعَدّد الزّوجَات

- ‌هل في التعدد ظلم للمرأة

- ‌لماذا لا يباح للمرأة التعدد

- ‌زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث منهج الطَلاق في الإسلام

- ‌حق المرأة في الفراق

- ‌الفَصل الرابع المَرأة في الإسلام

- ‌مأساة المرأة في العالم الغربي

- ‌الرجل والمرأة في ميزان الإسلام

- ‌حرية الرجل والمرأة

- ‌لا ظلم ولا استبداد

- ‌مصدر الخطأ

- ‌لا نسوِّغ الأخطاء

- ‌المرأة في المجتمع الإسلامي

- ‌التفاضل بين الرجل والمرأة

- ‌سنريهم آياتنا

- ‌لا ضير على المرأة

- ‌الفصل الخامس المؤلفات في الأسْرَة

- ‌البابُ الخامس العقوبات في الإسلام

- ‌التمهيد: أنواع العقوبات:

- ‌الفَصْل الأول جَرائم الحُدود

- ‌المَبْحَث الأول حَدُّ الزِّنَا

- ‌المَبْحَث الثاني حَدُّ القَذْف

- ‌المَبحث الثالث حَدُّ شرب الخمْر

- ‌المبحث الرابع حَدُّ السرقَة

- ‌المَبْحث الخامس حَدُّ الحرابَة

- ‌المَبْحَث السَادس حَدُّ الرِدَّة

- ‌الفَصْل الثاني جَرائم القصَاص

- ‌الفَصْل الثالث جَرائم التَّعْزير

- ‌الفَصْل الرابع شبهات حَول تشريع العقوبات الإسلامي

- ‌مدى انتشار الجرائم في هذا العصر

- ‌الفَصْل الخامس المؤلَّفات في التشريع الجنائي

- ‌البَابُ السَّادس الاقتصاد في الإسلام

- ‌تمهيد: هل في الإسلام نظام اقتصادي:

- ‌1 - نظام مستقل:

- ‌2 - جزء من كل:

- ‌3 - نظام فطري:

- ‌4 - الاعتدال والتوازن:

- ‌5 - تحقيق التراحم والتعاون:

- ‌6 - توزيع الثروة وتفتيتها:

- ‌7 - تحقيق تكافؤ الفرص:

- ‌8 - المال وسيلة لا غاية:

- ‌9 - قيام الاقتصاد على أخلاق الإسلام وقيمه:

- ‌10 - الوفرة النسبية في الخلق:

- ‌الفَصْل الثاني مجالات النشاط الاقتصادي الإسلامي

- ‌المَبْحث الأول العمل والعمَّال

- ‌بين العاملين وأصحاب العمل:

- ‌المبحَث الثاني الملكيَّة

- ‌أنواع الملكية: الملكية الفردية وملكية الدولة:

- ‌الفَصْل الثالث الرِّبَا

- ‌تعريف الربا:

- ‌الفَصْل الرابع المصَارف الإسلاميَّة

- ‌الفصل الخامس المؤلَّفات في الاقتصاد الإسلامي

- ‌البَابُ السَابع النظام السياسي في الإسلام

- ‌الفصل الأول هل في الإسلام نظام سياسي

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول الأَدلة عَلى اعتنَاء الإِسلام بهَذا الجانب

- ‌المبحث الثاني أين مبَاحث الحكم في الإسلام

- ‌المَبحث الثالث نوع الحكم في الدولة الإسلامية

- ‌المَبحث الرابع أساس الحكم في الدولة الإسلامية

- ‌الفصل الثاني مميِّزات الدولة الإسلاميَّة

- ‌أولًا: اتخاذها الله إلها وربًا وحاكمًا:

- ‌ثانيا: دولة العقيدة والفكرة:

- ‌ثالثًا: دولة عالمية:

- ‌رابعا: دولة شورية:

- ‌خامسا: دولة أخلاق وقيم:

- ‌الفَصْل الثالث وظيفَة الدَّولة الإسلاميَّة

- ‌1 - إقامة العدل في المجتمع الإسلامي:

- ‌2 - حراسة العقيدة وتنفيذ الشريعة:

- ‌3 - الجهاد في سبيل الله:

- ‌4 - العناية بالجانب المالي والاقتصادي:

- ‌5 - إدارة الدولة:

- ‌6 - المحافظة على الأمن الداخلي:

- ‌الفَصْل الرابع رئيس الدَولة الإسلاميَّة

- ‌المَبحَث الأول ألقابه وَالشروط الواجب توافرها فيه

- ‌المَبحَث الثاني كيفيَّة اختيَاره

- ‌المَبحَث الثالث حقُّه عَلَى الرعيَّة

- ‌المَبحَث الرابع حقوق الرعيَّة في الدَولَة الإسلاميَّة

- ‌الفَصْل الخامس المؤلَّفات في النظام السياسي في الإسلام

الفصل: ‌المبحث الأول أهم معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة

‌الفصل الثالث الثقافة الإسلامية بين الأصالة والانحراف

‌المبحث الأول أهم معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة

كلما انضبطت ثقافة الأمة الإسلامية بالاسلام كلما صعدت في مدارج الرقي، وقد تحقق هذا الكمال في عصر الصحابة والتابعين، ثمَّ دخل في ثقافة الأمة، ليس منها، وعند ذلك خالطها الدخن الذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم به، وقد يشتد هذا الدخن حتى لا تكاد تظهر معه معالم الثقافة الإسلاية الأصيلة، وقد يخف نتيجة جهود الدعاة والمصلحين فتعود الأصالة إلى البروز.

والباحث في هذا الجانب لا بدَّ أن يعود إلى أمرين:

الأول: الإسلام، لأنه هو الذي شكل ثقافة الأمة، ووضع لها القواعد والضوابط.

والثاني: المجتمع الإسلامي، الذي تفاعل مع الإسلام وكوّن تلك الثقافة في واقع مشهود، بحيث أصبحت إطارًا تؤثر في حياة الأفراد وتوجهاتهم.

وسنحاول أن نبرز في هذا المبحث أهم معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة:

1 -

بناء العقل الإنساني بناء سويّا:

لقد كان العقل الإنساني نتيجة المبادئ الضالة والانحرافات العقائدية -

ص: 31

مشوها في بعض جوانبه، مظلمًا في جوانب أخرى، يفكر تفكيرًا معوجًا، ويحكم حكما مشربًا بالهوى، لقد ارتضى العقل الإنساني الخضوع للأشجار والأحجار، وعبد الشمس والقمر، والإنسان والحيوان، وسيطرت عليه الخرافة، فاعتقد أن الملائكة بنات الله، وظن أن أرواح الملائكة حَلت في النجوم، وقامت الحروب انتصارًا لعقيدة فاسدة يكذبها الواقع الصادق، فجاء الإسلام ليعيد ترتيب العقل الإنساني، ويكشف عنه الزيف والخرافة، ويفك عنه إساره، ثم يطلقه ليعرف ربّه من خلال آياته المسطورة والمنظورة، ثمَّ يأمره أن يفكر في نفسه وفي الكون بقصد البناء والإعمار.

2 -

وضوح الهدف والغاية:

أصدق ما يطلق على البشر الذين لم يهتدوا بهدي الله أنهم ضالون، والضال هو الضائع التائه الذي لا يعرف طريقه ووجهته، والبشر قبل إشراق نور النبوة كانوا كذلك، الأنعام أهدى سبيلًا منهم، لا يعرفون لماذا خلقوا، ولا يعلمون الوجهة التي ينبغي أن تتجه أعمالهم وأقوالهم إليها، فجاء الإسلام فعرفهم بالهدف والطريق الموصل إليه، وقال لهم أنتم مخلوقون لعبادة الله وحده، وهذا الدين أنزله الله إليكم ليدلكم كيف تعبدونه، وعرفهم بالجزاء الذي يستحقونه في حال استقامتهم، وفي حال اعوجاجهم.

وعندما وضح السبيل والغاية وتحركت الأمّة الإسلامية في المسار الصحيح صلح أمر الناس، وإنجابت عنهم الظلمات.

3 -

الإيمان الصادق العميق:

الذي ينظر في المجتمع الإسلامي يجد أن أفراده كانوا شديدي الصلة بالله،

ص: 32

وكان ارتقاء الفرد في مجتمعه محكوما بارتقافه بصلته بربّه، وإذا خبا هذا الاتصال فإن الفرد يضعف، وتبدو عليه علامات المرض، والإيمان الصادق معرفة قويّة قويمة بالله، وتوجه إليه بالقلوب والمشاعر توكلًا واعتمادًا وحبًا ورجاءً وخوفًا، وتوجه إليه بالعمل، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [سورة الأنعام: 162 - 163].

4 -

الانتماء لأمة الفكرة والعقيدة:

أصبح الانتماء في المجتمع الإسلامي للأمة الإسلامية، والأمّة في الإسلام هي الفئة التي ارتضت أن تجتمع على أساس من عقيدة الإسلام بغض النظر عن اختلاف أجناسها ولغاتها وألوانها وديارها.

وكانت العصبيات القبلية والجنسية ولا زالت تمزق الشعوب وترفع بينها لواء العداوة والبغضاء، وتقوم الحروب ليؤكد كل فريق أنه الأعز.

جاء الإسلام ليقول للناس: أصلكم واحد، وأبوكم واحد، وربكم واحد، ودينكم واحد، فالتفاضل بينكم بالتقوى، لا باللون أو الجنس.

وارتقى المسلمون في تصورهم للعلاقة التي تربط بين البشر إلى مستوى القمة، فالرابطة التي تجمعهم رابطة العقيدة، والأمة التي ينتسبون إليها هي أمّة الإسلام.

5 -

مجاهدة الباطل:

التقوى والفجور خطَّان يتعاوران النفس الإنسانية والمجتمعات الإنسانية، وقد مرنت المجتمعات الإسلامية بتوجيهات الإسلام على محاربة الباطل، فالإنسان

ص: 33

يحارب النفس الأمارة بالسوء، ووساوس الشيطان، وهو يأمر غيره بالعدل والحق، ويحارب الباطل الذي يتلبس به، والأمّة في مجموعها تدعو إلى الحق وتحارب الباطل الذي يطل بعنقه هنا وهناك، وتجرد الجيوش لمحاربة أهل الكفر والضلال.

وإذا نظرت إلى هذا المعلم من خلال المجتمع الإسلامي تجد الأمثلة لديك وفيرة، والنصوص الآمرة بذلك كثيرة، فلقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى الحق، وبعد قيام المجتمع المسلم حارب الباطل الذي كان يخالط النفوس، وحارب المسلمون الكفار، وحارب الصحابة المرتدين، ووقف العلماء في وجه الحكام الظلمة، ووقف الإمام أحمد في وجه الزيغ العقائدي، وكانت العقوبات توقع على العصاة والمتمردين

6 -

السعي لاستعمار الأرض:

لم يكن المسلمون فئة من الكسالى القاعدين، بل كانوا دائمًا وأبدًا ذوي همّة عالية، يجوبون البلاد، يبحثون ويثمِّرون ويعمِّرون، استجابة لأمر الله {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10].

{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

وآثار المسلمين شاهدة في كل قطر نزلوه أنهم لم يكونوا مخربين، بل معمرين، هذه آثار حضارتهم في بلادنا، وتلك آثارهم في الهند والأندلس وتركيا وكثير من دول أوربا.

وهذا الاستعمار لا بدَّ له من العلم، فالعلم خارطة العمل، واستعمار الأرض لا يمكن أن يتحقق للجهلاء، فالأرض لا تخرج كنوزها، ولا تنقاد لمن يستعمرها

ص: 34

ما لم يكن معه المفتاح، ومفتاح ذلك العلم الذي يعرفنا بالسبيل الذي يسخر لنا فيه الكون.

7 -

تحقيق المبادئ في عالم الواقع:

إن الدول التي ترفع الشعارات الجملة كالحرية والعدل والمساواة والإخاء اليوم هي أشدُّ الدول انتهاكا لهذه المبادئ واعتبر بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وما فعلته هذه الدول بأمّة الإسلام في عصرنا الحاضر، بل إن الذين يستظلون بظل هذه الدول من أبنائها ليعانون من الظلم والعبودية والتفرقة في الحقوق والواجبات، وما أمر المتشدقين بالشيوعية في روسيا بسر، فأفراد الحزب الشيوعي يملكون كل شيء، بينما الأمّة مغلوبة على أمرها، تعيش كالقطيع لا تملك من أمرها شيئًا.

لقد حقق المسلمون العدل في أرقى صوره، لقد كان القاضي المسلم يحاكم الخليفة، ويقضي عليه، وقد كان القاضي لا يفرق في قضائه بين حاكم ومحكوم، وكانت روح الإخاء هي التي تسيطر على أبناء المجتمع الإسلامي.

8 -

وضع الضوابط والتنظيمات والتشريعات:

الفرد المسلم والأمة المسلمة كلهم محكومون في تصرفاتهم وأعمالهم بالشريعة الإسلامية، ولذلك فإنهم يعلمون ما يأخذون وما يدعون، وكيف يتصرفون فيما بينهم، وكيف يعاملون خصومهم، وهذا يوحد مسارهم، ويضبط حركتهم، ويؤلف قلوبهم، ويعلي كلمتهم، وهذه الضوابط والتنظمات والتشريعات كلها

ص: 35

كاملة وافية، ولذلك جاءت صورة المجتمع المسلم في غاية الضبط والتنظيم والتماسك.

9 -

الصبغة الأخلاقية الطاهرة:

والأخلاق هي الضابط الأعظم في حياة الفرد وحياة الأمة، والمسلمون يحرصون على العمل بمقتضاها مهما كان الثمن باهظًا، لقد أوقف المشركون جماعة من المسلمين المستخفين في إسلامهم، كانوا ذاهبين إلى المدينة أثناء حصار المشركين للمدينة في موقعة الخندق، ولم يسمحوا لهم بالمرور إلا بعدما أخذوا عليهم العهود والمواثيق بأن لا يحاربوهم مع المسلمين، فلما أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم"(1)، ولم يأذن لهم بالمقاتلة معه، وعندما أخرج الذين كفروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لم يسمح لنفسه بالاستيلاء على أمانات الكفار، بل أمر عليًّا بردها إلى أهلها، والقصة معروفة مشهورة.

ولقد تحدثت بأخلاق المسلمين الركبان في المشارق والمغارب، ولقد كانت هذه الأخلاق من أعظم ما حبب الكفار بدين الإسلام، فدخلت الأمم المغلوبة في دين الله أفواجًا، لمّا رأوا عدل المسلمين، وصدقهم ووفاءهم بالعهود، وما كان للمسلمين إلا أن يكونوا كذلك والإسلام يأمرهم بذلك {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].

(1) رواه مسلم عن حذيفة: صحيح الجامع الصغير: 6/ 33.

ص: 36